الجمعة 23 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي

فؤاد حداد: لم أزل منصور ولم أهزم!

فؤاد حداد: لم أزل منصور ولم أهزم!
فؤاد حداد: لم أزل منصور ولم أهزم!


فى ذكرى رحيل الشاعر فؤاد حداد (1928 - 1985)، كيف ننظر للعلاقة بين الخطاب الرسمى وصورة الشعب فى شعر حداد؟
باعتبار أن المثقف والسياسى ما هما إلا ضفتى نهر واحد؛ يبادر المثقف من موقعه ببناء الهوية وتشكيل وعى يوائم الواقع وتغيراته، بينما يعتمد السياسى فى خطابه على هوية مُعدّة سلفاً. لكن الشاعر، بوصفه مثقفا، والرئيس، بوصفه ممثّلا للسياسى، يلتقيان عند نقطة ارتكاز واحدة هى وعى الجمهور/ الشعب. كلاهما، الشاعر والرئيس، يتحرّكان وفق «استراتيجية خطابية» يفرضها عليه موقعه.
ثنائية الخطاب الرسمى والخطاب الشعرى تلك، بالتطبيق على فؤاد حداد، استدعاها الناقد الدكتور سيد ضيف الله فى دراسته النقدية التى صدرت فى كتاب عن دار الكتب خان بعنوان «صورة الشعب بين الشاعر والرئيس.. فؤاد حداد». وقدمته الدكتورة فريال غزول، أستاذة الأدب الإنجليزى والبلاغة المقارنة بالجامعة الأمريكية.
يطمح الشاعر إلى تقديم تصور لـ«ذات الشعب» كما لذاته، فى مواجهة خطاب السلطة المعنِى بالهيمنة على الجماعة. وبتطبيق هذه الفرضية، ظهر شعر فؤاد حداد مثالا واضحا وتطبيقا ممتازا على هذه الثنائية. قدّم فى قصائده «سرديّة خاصة» فى مواجهة الخطاب الرسمى.
وضع فؤاد حداد فى ديوانه الأول «أحرار وراء القضبان» 1952 الشعب بطوائفه وأيديولوجياته المختلفة مرادفاً للإله، مفضلاً اتباع الشعب «إحنا آمنا بشعبنا» على عبادة الوثن «فيه سجن مبنى من قلوب السجانين.. زى العبيد مترصصين»، ويبلور بعد ذلك تعريفه لعبادة الوثن بالخسة «ليه ماقبلتش أعبد الأوثان.. ليه مش خسيس مش وغد مش حيوان».
وبحسب الباحث، قبِل حداد أن يكون ضمن شعب الضباط الأحرار فى فترة حكم عبدالناصر فلم يعد يرى الشعب ذلك المعبود غير المرئى بل انتقل لاستعارة الشعب أداة «الفاس اللى فى يد جمال تحرس قبر صلاح الدين» أو يكون الشعب حنجرة يغنى به موالاً فى مدح عبدالناصر «باغنى بالشعب.. أغنى فى محبتك يا أبوالعرب موال».
فترة حكم السادات، دخل حداد فى حالة من «الكُمون الشعرى» فلم يكتب سوى دوانيْن وقصائد متفرقة بينما كتب 10 دواوين فترة حكم عبدالناصر. عاش حدّاد تخبّط الانفتاح والازدحام فى طابور الرأسمالية بنموذجها الأمريكى. تفتّت حلم الثالوث الشهير (العروبة، الإسلام، الاشتراكية).
 ورغم اختلافه مع سياسة السادات فإنه لم يجحف حقه كقائد حرب بل كتب ديواناً خاصاً يحتفل فيه بالنصر الذى ضمد جراح هزيمة 67 «إلى 10 رمضان 6 أكتوبر.. شوق أيام وأجيال كثيرة..الحقيقة الخالدة» مهدياً الديوان الذى لم ينشر سواه طوال فترة الثمانينيات للسادات.
اتسمت فترة حكم مبارك بغزارة الإنتاج الشعرى لحداد، مقابل فقر استعارى أصاب الخطاب الرئاسى. وبينما انشغل الخطاب الرسمى بنقد سلوك الشعب «ما عرفش بطوننا وسعت ولا إيه؟»، «شعبنا أصله انفعالى أوى»، «إحنا بنتعامل مع شعب تعبان»، كنماذج مقتطفة من خطابات مبارك؛ شرع حداد فى كتابة «أيام العجب والموت» وبذلك اختار مكانه النهائى على الضفة الأخرى من السلطة.
وضع حداد نفسه فى مواجهة ما أسماه الدكتور ضيف الله «تكوين هوية هجينة للشعب»، بإيمانه بالإنسان: «كل شىء فيه شىء من الإنسان»، مؤكدا فى نفس الوقت صعوبة هذا الإيمان: «الشعور بالإنسانية أليم». بهذه الطريقة؛ أخذ حداد فى تضفير حالات حزنه من الواقع العبثى مع جميع الصور التى تسبح فى وجدانه، إلى جوار بعضها مكوّنة وميضها الخاص هو شعر حداد. 