30 ساعة لاقتحام «البلابيش»

آلاء البدرى
فى مشهد يذكرك بفيلم «الجزيرة» بترسانة أسلحتها ودشمها ونفس وجوه مجرميها من إرهابيين وتجار مخدرات وسلاح، قامت قوات الأمن بمحافظة سوهاج باقتحام قرية البلابيش، أكبر بؤرة إجرامية فى صعيد مصر، بخطة محكمة وضعها اللواء مصطفى مقبل مدير الأمن، حيث تعدى عدد القوات المداهمة 1000 جندى، ومئات الضباط التابعين لفرقة العمليات الخاصة، إلى جانب 27 مجموعة قتالية عالية التدريب والتسليح الثقيل، مدعومة بـ40 مدرعة، و15 لودر، و10 سيارات إسعاف، كما أمر اللواء مصطفى مقبل باستبعاد الطائرات المقاتلة من خطة الاقتحام حفاظا على أرواح الأهالى، حيث يملك المجرمون بالقرية أسلحة مضادة للطائرات.
تعتبر قرية «البلابيش» التابعة لمركز دار السلام بمحافظة سوهاج، بمثابة ثكنة عسكرية مغلقة الحدود وفقا لطبيعتها الجغرافية الوعرة، إلى جانب كونها أوسع وأشرس بؤرة إجرامية وأكبر ترسانة أسلحة ثقيلة فى صعيد مصر، وهى قرية حدودية بين محافظتى سوهاج وقنا، ذات طبيعة جبلية تقع على ضفاف النيل، وينتمى معظم أهلها إلى قبيلة الهوارة أكبر قبائل الصعيد.
اقتحام القرية تم بالاتفاق مع مديرية أمن قنا التى دفعت بفرقة خاصة لتأمين حدود محافظة قنا حتى لا يتمكن المجرمون من الفرار والتسلل إلى باقى القرى الحدودية لقنا.
وتمكنت قوات الأمن من بسط سيطرتها على القرية فى أقل من 30 ساعة، وتنفيذ 2409 أحكام قضائية فى جرائم مختلفة بين قتل عمد وسرقة بالإكراه وتعد على الأراضى الزراعية وشروع فى قتل وحيازة أسلحة ثقيلة، وأخرى بدون ترخيص، وتم تحريز عدد 72 بندقية آلية حديثة الصنع، بخلاف الذخائر.
ولاقت الحملة الأمنية الموسعة استحسانًا من قبل الأهالى الذين كانوا تحت الحصار لمدة تزيد على الأربعة أشهر من قبل المجرمين.
وبسؤال الأهالى أكدوا أن دخول الأمن إلى القرية كان أمرًا لابد منه لتحريرها من المجرمين الهاربين من قبضة العدالة، والذين كانوا مسيطرين عليها بشكل كامل حتى إنهم قاموا بقطع الطرق المؤدية إلى القرية وفرض إتاوة على الأهالى.
وقال أحد أهالى القرية ويدعى ع.ع.ح: إن القيادات الأمنية اللواء مصطفى مقبل، واللواء خالد الشاذلى رئيس المباحث الجنائية، واللواء جمال عبدالبارى مساعد وزير الداخلية للأمن العام، واللواء هشام عباس مساعد وزير الداخلية للأمن المركزى، واللواء هشام لطفى مساعد وزير الداخلية لمنطقة وسط الصعيد، كانت فى المقدمة وخلفهم الجنود وقاموا بتحذيرنا وطلبوا من الأهالى دخول البيوت حتى يتمكنوا من تمشيط القرية وتطهيرها من المجرمين دون وقوع خسائر فى الأرواح، ثم قامت القوات بغلق المداخل والمخارج المؤدية إلى القرية، وبدأت عملية الاقتحام حتى إنها كانت أشبه بالحرب حيث تبادل الطرفان إطلاق النيران حتى استسلم المجرمون وتمت السيطرة على القرية وبدأت البلدوزارات بالعمل فى هدم المبانى المخالفة بعد إخلائها تماما من السكان، وإزالة مساكن النهر بأكملها، وإخراج عدد ضخم من الأسلحة المختلفة والغريبة والتى لم نشاهدها من قبل إلا فى أفلام السينما.
وأضاف شاهد العيان أن اقتحام القرية جاء برغبة ملحة من الأهالى حتى يتخلصوا من البؤر الإجرامية ويستطيعوا العودة إلى حياتهم الطبيعية.
تشابهت عملية اقتحام قرية البلابيش بسوهاج مع اقتحام قوات الأمن لقرية النخيلة بأسيوط فى الأول من مارس عام 2004 حيث تشابهت القريتان واللتان تعتبران مركزا لبؤر إجرامية وسوقًا لتجارة السلاح الثقيل، إلى جانب المخدرات، لكن اختلفت عملية اقتحام البلابيش مع النخيلة من حيث الخطة، فخطة اقتحام البلابيش أتت أكثر دقة واحتواء للحفاظ على حياة الأهالى، وخطة أخرى لبسط السيطرة وتمشيط القرية.
ويرجع ذلك إلى التماسك المشهود له فى محافظة سوهاج بين الشرطة وأهالى المحافظة، ورغم أن أعداد الجنود فى اقتحام النخيلة كانت ضعف الأعداد التى استخدمها اللواء مصطفى مقبل، فإنه قد استغرق اقتحامها أيامًا، وتعتبر خطة تطهير البلابيش جزءا من استراتيجية كاملة وضعها مدير أمن سوهاج الرجل الذى لقبه الأهالى بالمقاتل الطيب، للقضاء على البؤر الإجرامية والسيطرة على معدلات الجريمة وفرض القانون فى المحافظة.
كما تبنت مديرية الأمن هناك، مبادرة دعم العلاقة بين الشرطة والمجتمع، وجهزت جنود صف ثانى يتم الاستعانة بهم عقب السيطرة على القرية والإمساك بالمجرمين وفرض الأمن، كنوع من التوعية لمنع عودة مثل هذه الممارسات مرة أخرى.
وقال الدكتور أشرف حامد أستاذ علم النفس، ومنسق عام مبادرة دعم العلاقة بين الشرطة والمجتمع: إن دور شباب المبادرة يأتى بعد أن تنتهى قوات الأمن من عملها الأساسى وتعيد الأمن إلى القرية، وسنقوم بعقد مؤتمر توعية شامل وموسع يحضره ممثلون عن المجتمع المدنى والهيئات والمؤسسات ورجال الدين الإسلامى والمسيحى وبعض الصحفيين وممثلون من المجلس القومى للمرأة.
الجدير بالذكر أن مركز دار السلام بمحافظة سوهاج يعتبر ضمن أخطر المواقع التى يتم إنزال السلاح بها على مستوى الجمهورية، فتأتى الأسلحة عبر البحر الأحمر من السودان وإريتريا على البواخر وتقوم العصابات بإنزال حمولتها من صناديق الأسلحة فى عرض البحر على لانشات صغيرة تتجه إلى الشاطئ أمام (درب الأربعين) بالصحراء، ثم يتم تحميلها على السيارات وتخزينها فى الصحراء الشرقية فى حلايب وشلاتين لفترة ثم يتم بعد ذلك توزيعها على المحافظات، وللصعيد نصيب الأسد من تلك الصفقات التى تبدأ بإدفو الشرقية فى أسوان ثم محافظة قنا التى تعتبر مخزن أسلحة الصعيد ولها أكثر من نقطة إنزال فى صحراء حجازة وجبل القناوية وجبل الشيخ عيسى، وتجيء بعدها محافظة سوهاج وخاصة مركز دار السلام الذى به ثلاث نقاط لتسليم السلاح هى نجع البلابيش والشيخ امبادر وعرب مازن، أما محافظة أسيوط فلا توجد بها مناطق لإنزال السلاح بعد السيطرة على قرية النخيلة التى كانت تعتبر من أكبر نقاط إنزال الأسلحة فى الصعيد، وكان يتم إمدادها بشحنات الأسلحة عن طريق عصابات من محافظات قنا وسوهاج والمنيا، وكان يتم إنزال أسلحتها بمنطقة الكريمات القريبة جدا من محافظة القاهرة، والمتبقى يتم توزيعه إلى الإسماعيلية وسيناء.
وتولى وزارة الداخلية اهتمامًا كبيرًا لصعيد مصر وضرورة اخلائه من الأسلحة التى يجلبها تجار الموت إلى مصر لتوريدها للإرهابيين لاستخدامها ضد الدولة.
ولم تكن حملة البلابيش هى الأولى من نوعها فى بداية العام الحالى، لكنها كانت الأخطر، فقد قامت قوات الأمن باقتحام عنيف لقرى العتمانية والنواورة بمركز البدارى بمحافظة أسيوط حيث قامت قوات العمليات الخاصة باقتحام القرى عقب انتهاء صلاة الجمعة فى منتصف يناير الماضى وحاصرت المغارات والدروب المؤدية إلى الجبل الشرقى بزمام القريتين وإطلاق قذائف من طائرات لضبط الخارجين عن القانون والمطلوبين فى قضايا عنف وإرهاب وخطف أقباط، كما قامت قوات الأمن بإغلاق جميع الطرق المؤدية للمنطقة بالجبل الشرقى. والجدير بالذكر أن قرى النواورة العتمانية التى تم السيطرة عليها من القرى التى شهدت احداث عنف خلال فترة الإرهاب الذى شهدته محافظة أسيوط عامى 1981و1992.