الأربعاء 23 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الرئيس يأمر بتجديد الخطاب الدينى والأزهر يتهم طه حسين ومحمد عبده بالإلحاد

الرئيس يأمر بتجديد الخطاب الدينى والأزهر يتهم طه حسين ومحمد عبده بالإلحاد
الرئيس يأمر بتجديد الخطاب الدينى والأزهر يتهم طه حسين ومحمد عبده بالإلحاد


الأسبوع الماضى أصدرت جامعة الأزهر قرارًا بوقف الدكتور يسرى جعفر، أستاذ العقيدة والفلسفة بكلية أصول الدين، عن العمل 3 أشهر، واتهمته بالإلحاد ومحاولة إحياء فكر «محمد عبده وطه حسين»، والهجوم على التيار الإسلامى، ووصفه بالتيار الظلامى.
لجنة التحقيق، التى شكَّلتها الجامعة، برئاسة الدكتور حامد أبوطالب، العميد الأسبق لكلية الشريعة والقانون، عضو مجمع البحوث الإسلامية الحالى، وجهت لـ «جعفر»، عدة اتهامات منها الدعوة إلى الإلحاد، وانتقاد صحيح البخارى فى محاضراته ووصفه للتيار الإسلامى بالظلامى، ومطالبته الدائمة بضرورة تنقية كتب التراث، ومحاولة إحياء فكر الأديب طه حسين، فى نقده مناهج الأزهر، وإحياء منهج الإمام محمد عبده فى التفكير، مع دعوته لتعديل المناهج الأزهرية.

التحقيق استغرق أكثر من 3 أشهر، وتمت خلاله مناقشة «جعفر» فى آرائه وأفكاره التى وصف خلالها بعض أساتذة وعلماء الأزهر الحاليين بالرجعيين والظلاميين.
«جعفر» نفى فى التحقيق الاتهامات الموجهة له بالإلحاد، مؤكداً أن أفكاره تدعو إلى «التنوير».
 مصادر داخل جامعة الأزهر قالت إن الدكتور جعفر مهدد بالفصل النهائى إذا ما تحدث لوسائل الإعلام وهو ما يؤكده جعفر ذاته برفضه التعليق على الواقعة ويكتفى بالقول أن كتاباته لها علاقة بالتنوير، وأنه مُمتثل لقرار الجامعة، ولن يعلق على قرار لجنة التحقيق.
فيما كان تعليق الأزهر أن الأمر محل تحقيق داخلى ويتعلق  بمخالفة القوانين داخل الجامعة.
هل كان طه حسين أو محمد عبده ملحدين حتى يقال إن الدكتور «جعفر» ملحد؟، هل تعتبر جامعة الأزهر أن التنوير تهمة أو إلحاد؟، وهل نقد التراث خروج عن النص يستوجب الإحالة للتحقيق؟.
ما يُوصف بأنه فكر إلحادي، يعود إلى قامتين مرا بالأزهر وتعاليمه، طه حسين عميد الأدب العربى خريج الأزهر حتى المرحلة الثانوية وبعدها رحلة تعليمية مختلفة بجامعة السوربون، والإمام محمد عبده أكثر منه باعتباره تلقى تعليمًا أزهريًا خالصًا ويُلقب بالعالم المجدد والمُفكر.
من آراء الإمام محمد عبده مفتى الديار المصرية الأسبق، أنه عمل بأفكاره على تحرير عقل الإنسان وآمن بالقدرة على التمييز بين الفعل الأخلاقى وغير الأخلاقى وخاض معارك ضد من يُصنفون على أنهم عُباد النصوص، وكانت أولى صداماته مع الأزهر الشريف، فى المُقابل ظل علماء أزهريون يؤمنون بما جاء به محمد عبده وناقشوا العديد من الرسائل العلمية حول أفكاره وآخرها «محمد عبده» رائد الفكر المصرى.
أول من رفع لواء حرية المرأة وتبعه بعده وبلور أفكاره قاسم أمين فى كتابه «تحرير المرأة»» ورفض ارتداء المرأة للنقاب، كما اعترض على فقه تعدد الزوجات وكان يرى أنه عادة قديمة وبالية، المرأة عنده كائن كامل الأهلية مساو للرجل لا تنتقص عنه شيئًا، ورفض ارتداء المرأة للحجاب مؤكدًا أن كل الكتابات فى هذا الأمر ركزت على «خوف الفتنة وأنه أمر يتعلق بقلوب الخائفين من الرجال»، وعلى من يخاف الفتنة منهم أن يغض بصره، وأن آية غض البصر تتوجه إلى الرجال والنساء وأن المرأة «ليست بأولى من الرجل بتغطية وجهها».
ويتساءل عن سبب لماذا لم يؤمر الرجال بالتبرقع وستر الوجه عن النساء إذا خافوا الفتنة عليهن؟ هل اعتبرت عزيمة الرجل أضعف من عزيمة المرأة واعتبر الرجل أعجز من المرأة عن ضبط نفسه والحكم على هواه.. واعتبرت المرأة أقوى منه فى ذلك حتى يباح للرجال أن يكشفوا وجوههم لأعين النساء مهما كان لهم من الحسن والجمال.
اشترك مع شيخه جمال الدين الأفغانى فى إنشاء جريدة «العروة الوثقى» التى كانت أول حركة تحريرية لتحريك الجمود الفكرى، ومن فتاويه أنه أفتى بجواز الفائدة على الأموال وأن حرمانية الربى لا تكون إلا على الأضعاف المضاعفة كما تنص الآية، وهو أساس عمل البنوك الآن.
انتقد أحاديث البخارى ورد حديث سحر النبي، لكنه لم يُتهم فى ذلك الوقت بازدراء الأديان.
دعا إلى الانفتاح على الثقافات والمعارف والعلوم الأخرى واقترح على الأزهر تدريس «مقدمة ابن خلدون» إلا أن طلبه قُوبل بالرفض. 
من أقواله «كلما زادت الأمة جهلاً زادت تمسكًا بقشور دينها، وكلما زادت نكوصًا واستعمارًا، زاد تجهيلها للغير، وهجومها على كل ما يأتى منه بحكم العداء العام الذى لا انتقاء فيه»، وتعلم الفرنسية وقال «من لم يعرف لغة من لغات العلم الأوروبية لا يعد عالما فى هذا العصر»، من رُبّى على التسليم بغير عقل, والعمل ولو صالحا بغير فقه, فهو غير مؤمن، فليس القصد من الإيمان أن يذلل الإنسان للخير كما يذلل الحيوان، بل القصد منه أن يرتقى عقله وترتقى نفسه بالعلم فيعمل الخير لأنه يفقه أنه الخير النافع المرضى لله، ويترك الشر لأنه يفهم سوء عاقبته ودرجة مضرته، إن فكرًا يكون مقيدًا بالعادات مستبدًا للتقليد؛ لهو فكر ميت لا قيمة له، الإنسان لم يُخلق ليُقاد باللجام، لكن الله وهبه العقل حتى يقوده للمعرفة، إذا تعارضَ العقل والنقل، أُخذ بما دلّ عليه العقل، وبقيَ فى النقل طريقان: طريق التسليم بصحّة المنقول مع الاعتراف بالعجز عن فهمه، والطريق الثانيه تأويل النقل مع المحافظة على قوانين اللغة، حتى يتفق معناه مع ما أثبته العقل.
طه حسين أيضًا خريج مدارس الأزهر وتلقى تعليمه فى جامعة السوربون الفرنسية، واصطدم بآرائه معه.
أصدر كتابه «فى الشعر الجاهلي» وقد بدأت الأزمة مع طه حسين حينما تقدم شيخ الأزهر أبو الفضل الجيزاوى ببلاغ ضد عميد الأدب العربى وكتابه وكانت التهمة التعدى على دين الدولة، مما أدى إلى فتح باب التكفير بعد ذلك من المتشددين.
ومن ضمن ما اعترض عليه الأزهر حديثه فى الكتاب عن تأثير الدين فى انتحال الشعر وإضافته إلى الجاهليين، وهو ما يتصل بتعظيم شأن النبى من ناحية أسرته، ونسبه من قريش، فلأمر ما اقتنع الناس بأن النبى يجب أن يكون من صفوة بنى هاشم.
طه حسين لم ينسف الشعر الجاهلى بل قال عبارته الشهيرة، «جُله إن لم يكن كله»، واعتبر الشعر الجاهلى منحولا، وأنه كتب بعد الإسلام ونسب للشعراء الجاهليين مستخدمًا فى ذلك منهجًا علميًا فى التحليل سبقه فيه المستشرق جوليوس وناقشه وعارض كتابته فيه ناصر الدين الأسد.
طالب بالانتصار للتفكير وإعمال العقل وإعادة قراءة التراث بما يتناسب وروح العصر، ساند عبدالحميد بخيت إمام الأزهر فى فتوى جواز الإفطار فى نهار رمضان لمن يجد أدنى مشقة فاتهم بالكفر والإلحاد.
كتب قصيدة كنت أعبد الشيطان فاتهمه أزهريون أيضًا بالكفر والإلحاد، ولقبه البعض بأنه رمز التغريب لكثرة دراساته فى الثقافة الغربية، واعتماده على منهج الشك الفلسفى لــ«رينيه ديكارت».
ومن آرائه التى أُتهم على إثرها بالإلحاد أنه قال «للتوراة أن تحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل، وللقرآن أن يحدثنا عنهما أيضًا، ولكن ورود هذين الاسمين فى التوراة والقرآن لا يكفى لإثبات وجودهما التاريخي، فضلاً عن إثبات هذه القضية التى تحدثنا بهجرة إسماعيل بن إبراهيم إلى مكة ونشأة العرب المستعربة، ونحن مضطرون أن نرى فى هذه القصة نوعاً من الحيلة فى إثبات الصلة بين اليهود والعرب من جهة، وبين الإسلام واليهود، والقرآن والتوراة من جهة أخرى».
عميد الأدب العربى دعا إلى حمل مصر على الحضارة الغربية وطبعها بها وقطع ما يربطها بقديمها.
كما دعا إلى الوطنية واعتماد الحكم المدنى الذى لا دخل للدين فيه، بمعنى فصل أساليب الحكم والسياسة عن الدين، ودعا إلى إخضاع اللغة العربية للتطور حتى لا تصبح لغة دينية فحسب كالسريانية والقبطية واللاتينية واليونانية».
أصدر كتابه «الفتنة الكبري» وشكك به فى حكم الخلافة الأول، وفى إمكانية استمراره، ساخطًا على افتقار النظام فى الإسلام للنظام المكتوب.
يبدو أن هناك اتجاهًا الآن داخل جامعة الأزهر على التعتيم على الأمر، وأن يصبح الأمر كأن لم يكن بعد الموقف الصعب الذى وضعت فيه الجامعة نفسها وكأنها تعيد محاكم التفتيش من جديد. 