الكابريتاج «مقلب زبالة»

فاتن الحديدي
من أفضل منتجع للسياحة العلاجية، إلى مقلب قمامة.. هكذا تحول «كابريتاچ حلوان» الذى يقبع داخل مبنى عتيق، يعود تاريخه إلى القرن التاسع عشر، تعلوه قبة على الطراز الإسلامى القديم، وشهد تصوير العديد من الأفلام السينمائية به أشهرها فيلم «صاحب الجلالة»، وفيلم «إسماعيل ياسين فى متحف الشمع».
هو أيضا حديقة قصرالخديوى توفيق التى كان يطلق عليها اسم «كازينو حلوان» والتى جسد فيها النجم الراحل أحمد مظهر المشهد الشهير من فيلم «رد قلبى» عندما أطلق الرصاص من بندقيته على الفنان الراحل شكرى سرحان، لم يعد كابريتاج حلوان المكان الجميل الذى كان يشهد تصوير أجمل الأفلام فى الزمن الجميل، حيث تحولت مدينة حلوان الجميلة من مشفى شهير ومنتجع الباشوات ومدينة سياحية إلى منطقة مصابة بالإهمال.
وكابريتاج حلوان من أشهر الأماكن التى بها عيون مائية طبيعية فى مصر، وتلك الشهرة بسبب كمية «الكبريت» المعالجة التى تصل إلى 27 % وهى نسبة لا مثيل لها فى العالم، المياه غنية بكرات الكبريت ذات اللون الأخضر وهى العنصر المؤثر فى علاج الأمراض الجلدية.
يقال إنه فى صيف 1868 أرسل الخديوى إسماعيل لجنة لدراسة هذه العيون وأصدر بعدها فرمانا ببناء منتجع حرارى، وتم الانتهاء منه عام 1871 وبنى فندقا بالقرب منه، وقد عهد بإدارة المنتجع عام 1872 إلى الدكتور، رايل، وهو أحد الباحثين الذين درسوا تأثيرات مياه حمامات حلوان الطبية، واندفع السائحون إليها من مختلف البلدان وهنا بدأت حلوان تصبح منتجعا سياحيا خاصة بعد تخصيص فندق للحمامات فى شارع «منصور».
اتجهت السياسات فى الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى إلى الاستغلال السياحى الأمثل لمنطقة حلوان الغنية بالعيون المعدنية والكبريتية، حيث كانت تعتبر من المدن ذات السياحة العلاجية وكانت تعتبر مشفى عالميا، لكنها استبعدت مؤخرا من الخريطة السياحية بسبب ارتفاع نسبة التلوث بها بعد إنشاء مصانع للأسمنت بالقرب منها، فمنذ أوائل الثمانينيات بدأ التدهور السريع للحمامات وعيون حلوان الكبريتية وتم إهمالها وتحولت بعض المبانى إلى صالة حفلات وأفراح، ومن منتصف الثمانينيات بدأت الأرض فى التدهور وحدث بعض التعديات بالبناء عليها وتم هجر المكان ليصبح صحراء.
المكان منسى الآن تماما فمياه العين تركت للتبخر تحت أشعة الشمس وتهدر فى الأرض والجدول المبنى من الحجر تهدمت جدرانه، كما تم التعدى على الأرض بالبناء العشوائى برعاية رجال الحزب الوطنى المنحل لحصد الأصوات فى الانتخابات البرلمانية، فماذا تنتظر الحكومة لإحياء المكان ليعود كما كان سابقا وحتى سبعينيات القرن العشرين؟
عند الدخول من الباب الوحيد للعين تجد على اليمين غرفة الحراسة التى تشبه كشكا صغيرا يوجد به شبابيك مفتوحة وغير مكتمل البناء، تستأذن الحارس لتدخل إلى العين فتجد القمامة منتشرة فى كل مكان، تذهب إلى العين تجد المياه ضعيفة وتتدفق فى المجرى المدرج «الجدول» الذى جار عليه الزمن وتدهور حاله والسلالم المحاطة به مهدومة وغير مستوية، إلى أن تصل لبحيرة صغيرة أشبه بـ«الترعة» يسبح بها الأطفال الذين يأتون مع ذويهم أو منفردين للعب واللهو فى المياه التى تشفى من الأمراض الجلدية، الفسقية الوحيدة المتواجدة بالعين معطلة تماما ولا تعمل وتحتاج إلى إعادة ترميم وصيانة، حيث إن بها كسورا كبيرة وبها أماكن لحنفيات مياه غير موجودة مما يعنى أنه تمت سرقتها!، سور العين مهدوم من الخلف، يوجد جزء كبير من مساحة الأرض يتم البناء عليه فى الجانب الخلفى للمكان مما يعتبر تعديا على الأرض الخاصة بالعين.
جزء من الحمام الذى تشرف عليه وزارة الصحة مازال مستخدما وتم تطويره، ولكن بلا أى مقاييس صحية معتمدة ولا ميزانية للتجديد أو التطوير، فالبئر الذى يغذى الحمامات بالمياه الكبريتية لا يتم أخذ عينات منها لتحليلها والتأكد من صلاحية استخدامها.
وعن التجاوزات التى أدت إلى طمر بعض عيون الست خضرة تشير أصابع الاتهام إلى أحد مقاولى أعمال الصرف الصحي، حيث ألقى بخرسانات أسمنتية داخل تلك العيون فطمرتها مما أدى لظهور مشكلات كثيرة فتسربت المياه الكبريتية إلى مواسير الصرف الصحى وتفاعلت كيميائيا مع وصلات المواسير وألحقت أضرارا بالغة بشبكة الصرف الصحي، وأن من يقومون بالبناء على هذه الأرض ويتعدون عليها لا يعلمون ما مدى الخطورة التى تقع على هذه المنشآت لأن تدفق المياه من تحت الأرض يعنى أن الصخور تحت الأساسات بها فجوات وشقوق تجعل المنطقة برمتها غير مستقرة جيولوجيا، مما يعرض المنشآت للانهيار مع الزمن، ومن ثم فإن المنطقة لا تصلح لإقامة المنشآت العالية.
يذكر أنه سبب تسمية العيون الكبريتية بحلوان باسم الست خضرة قصة يتداولها بعض المواطنين عن سيدة كانت مصابة بمرض جلدى عضال، ورأت فى منامها سيدة تدعى خضرة ونصحتها بالاستحمام بالماء المتدفق من العين الكبريتية وبالفعل شفيت السيدة، وأطلق على العين اسم الست خضرة.