شهادة المسلم على المسيحى باطلة أمام المحاكم

عادل جرجس
بعيدا عن أى آراء دينية أو شرعية والكل أمام القانون سواء، قامت دائرة قضائية ضمن دوائر محكمة الأسرة برفض رئيسها قبول شهادة شهود مسلمين فى إحدى قضايا الأحوال الشخصية لأقباط، كشهود عيان لبعض الوقائع التى تضمنتها الدعاوى القضائية.
واقعتان لنفس الدائرة القضائية وهى الدائرة 11 أسرة قسم الجيزة بمحكمة الكيت كات، الواقعة الأولى تتلخص فى أن أقامت ماريان إدوار لطيف سند، فى الدعوى رقم 1354 لسنة 2015 أسرة بندر الجيزة ضد زوجها المدعو عادل رمزى فهمى متى، بطلب الحكم بفرض نفقة مؤقتة لطفليها (ساندرا وماثيو) لحين الفصل فى الدعوى لأن السيدة ليس لديها ما يفى بحاجتهما وبجلسة 18-4-2016 أحضرت المدعية شهودها وكان جميعهم مسلمين وكانوا ثلاثة أشخاص رجلاً وامرأتين، إلا أن رئيس الدائرة رفض لسماع شهادة المسلم على غير المسلم وبرر ذلك بأنه لا جدوى من سماع شهادتهم مادام سوف يقوم باستبعادها، وعند الاستفسار عن سبب الاستبعاد قرر لأنهم مسلمون والخصوم مسيحيون. والأمر الغريب هنا أن القاضى قام بتأجيل الدعوى وأثبت أن سبب التأجيل هو أن المدعية طلبت أجلاً لإحضار شهودها. وبالجلسة التالية بتاريخ 16-5-2016 أصر محامى مقدمة الطلب على سماع الشهود المسلمين حتى لو قررت المحكمة استبعادهم وأوضح لهيئة المحكمة أن الدستور المصرى لم يفرق بين المواطنين بل إنهم جميعا متساوون فى الحقوق والواجبات.
أما الواقعة الثانية فقد سطرتها وقائع الدعوى رقم 1352 لسنة 2015 أسرة بندر الجيزة والتى أقامتها شيرين أديب فكرى عبدالشهيد ضد زوجها مقبل بشرى كامل حنا تطالب فيها بإلزامه بتسليمها منقولات (جهازها) أو رد قيمتها والبالغة 60900 جنيه والتنبيه على زوجها بعدم التعرض لها مع إلزامه بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وبجلسة 22- 2-2016 قررت المحكمة إحالة الدعوى للتحقيق لتثبت المدعية بجميع طرق الإثبات بما فيها البينة وشهادة الشهود دعواها وعلى المدعى عليه نفى ذلك بذات الطرق، وبجلسة 11-4-2016م أحضرت المدعية شهودها وهم شاهدان أحـدهما مسيحى والآخر مسلم ممن كانوا متواجدين أثناء نقل المنقولات الزوجية التى هى أساس الدعوى القضائية وفوجئ الجميع بما قرره السيد رئيس الدائرة من رفضه لسماع شهادة شهود المدعية وأشار سيادته على بطاقة الشاهد المسلم وذكر حرفياً أنه «لا ينفع» وقرر أنه لا جدوى من سماع تلك الشهادة مادمت سوف أقوم باستبعادها.
يقول باسم زاهر المحامى الموكل فى الدعوتين (أعمل منذ سنوات طويلة فى قضايا الأحوال الشخصية للأقباط، تلك القضايا يكون الجانب الأكبر من إثبات الحقائق بها قائم على شهادة الشهود ولم أتعرض طيلة تلك الفترة لمثل تلك الوقائع من رفض شهادة الشهود بسبب الديانة، وهو الأمر الذى نبهنا إليه رئيس الدائرة، ولكنه لم يستجب فنبهناه إلى أن ذلك مخالف للدستور، فقال لى نصاً (أنا مش بحكم بالدستور)، وكان يتوجب على أن أقوم برد هيئة المحكمة إلا أن رسوم رد المحكمة تتراوح بين ألف وخمسة آلاف جنيه، ويفترض أن يدفعها مقيم الدعوى فمن أين لسيدة لا تجد مصروفات نفقة أبنائها بدفع هذا المبلغ فقمت بتقديم شكوى إلى التفتيش القضائى وعرضت الأمر للتحقيق فيه.
وجاءت شكوى زاهر للتفتيش القضائى بصفته المحامى الموكل فى الدعويين لتفجر العديد من المفاجآت القانونية والدستورية، حيث أكد أن ما أتاه القاضى يعتبر تدخلا لصالح أحد الخصوم ضد الآخر وهو ما يخل بمبدأ المساواة بين الخصوم (عبء الإثبات يقع على الخصوم لأن البينة من حق الخصوم وهم مكلفون بإثبات الوقائع التى تصلح للإثبات وهو مبدأ يرجع إلى أن تدخل القاضى إذا كان لأحد طرفى الدعوى فإنه يخل بالمساواة فيما بينهما، بالإضافة إلى أن الخصوم أقدر من القاضى على توجيه أدلة الدعوى لغايات إثبات الوقائع التى يتمسكون بها، وأن المكلف بإثبات الواقعة من الطرفين هو من يدعيها وحيث إنه نصت المادة 110 من قانون الإجراءات الجنائية على أن «يسمع قاضى التحقيق شهادة الشهود الذين يطلب الخصوم سماعهم ما لم ير عدم الفائدة من سماعهم». وبذلك يكون القاضى قد ارتكب مخالفة قانونية ودستورية.
الشكوى المقدمة إلى التفتيش القضائى هى أن الشريعة الإسلامية لا تمنع شهادة المسلم فى الأحوال الشخصية للمسيحيين، حيث إن العكس هو الجائز (لقد كنا معتادين على امتناع بعض القضاة على سماع شهود المسيحيين على المسلمين لما فى ذلك من اختلاف فى المذاهب الفقهية الإسلامية، ولكن برجوعنا لنصوص الشريعة الإسلامية لم نجد أى اختلافات فى سماع شهادة المسلم عن وقائع يعتبر الخصوم بها مسيحيين، وحيث إن المادة الثانية من الدستور المصرى الصادر فى 2014 نصت على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الأساسى للتشريع وبالتالى فإن من المستقر عليه شرعا وقانونا أن تجوز شهادة المسلم على غير المسلم .
أما أهم ما جاء بالشكوى المقدمة للتفتيش القضائى فهو تحذير باسم زاهر المحامى أن مثل تلك الممارسات تشق الصف الوطنى، حيث أنهى شكواه بالقول (سيدى الجليل معالى المستشار رئيس التفتيش القضائى كان لازماً علينا أن نبصر عدالتكم بأحرف من نور كيف ينظر بعض القضاة إلى شهادة شركاء الوطن الواحد على بعضهم البعض، فمثل تلك التصرفات تجعل كل الأطراف والخصوم والشهود يتساءلون: أليس لنا حق فى الشهادة؟ ولماذا يتم حجبها بدون سبب شرعى أو دستورى أو قانونى، والأغرب معالى المستشار الجليل حينما حاولنا توضيح الأمور لرئيس الدائرة بأن الدستور والقانون لا يوجد به نص قانونى يبيح ذلك، فرفض وصمم على رفض الشهود. سيدى معالى المستشار أمام عدالتكم واقعتان، وليست واقعة واحدة ليكون الرأى القانونى متكاملاً أمامكم فإننى جئت لسيادتكم غير مستجد شيئاً ولا ترضون أن أكون فى وضع من يلتمس ولكن دافعى فى هذا البلاغ هو حرصى على وحدة مصر بكل أبنائها وبتر من يزرع الفتن والشوك بين أبنائها، إننى لا أرضى من سيادتكم شيئاً سوى إعمال نصوص القانون فى إيقاف رئيس محكمة قسم الجيزة بصفته الدائرة (11) يوم الاثنين لمخالفته لنصوص الدستور والقانون وما استقرت عليه أحكام محكمة النقض والنظام العام ومبادئ الشريعة الإسلامية السمحاء، فمثل هذه التصرفات تؤدى إلى تقويض السلام الاجتماعى وتكدير السلم العام.>