«الدكــش» يخفى مليار جنيه فى «غيطان الفاكهة»

محمد تمساح
لايزال «الدكش» إمبراطور تجارة المخدرات بالقليوبية، يحتفظ بمليار جنيه فى هيئة أصول عقارية وحدائق لإنتاج الفاكهة، لم يصل إليها قرار النائب العام الذى أمر بالتحفظ على ثروته التى تقدر بـ 20 مليون جنيه فقط، فى حين أن أهالى «الجعافرة» منطقة نفوذ المجرم المحبوس يؤكدون أن أرباحه كانت تتخطى 70 مليون جنيه سنويا، بينما لفت قيادى أمنى إلى أن القوات التى داهمت الفيللا الخاصة بعائلة «الدكش» عثرت على أسلحة وأجهزة اتصالات ومصوغات ذهبية بمئات الملايين، مع العلم أن أقاربه لايزالون يغسلون جزءا كبيرا من هذه الأموال فى تجارة الفاكهة التى تنتجها حدائقه.
ويتخوف الأهالى من أن أقارب «الدكش» ربما يستطيعون إعادة تكوين الإمبراطورية من خلال الأموال التى فى أيديهم، ليضيع بذلك المجهود الذى بذلته وزارة الداخلية للقضاء على مثلث الإجرام فى محافظة القليوبية على مدار السنوات الماضية.
اللواء الدكتور أشرف عبدالقادر، مدير البحث الجنائى بمديرية أمن القليوبية شرح فى البداية أن اقتحام بؤر المخدرات بالمثلث الذهبى الشهير بتجارة المخدرات بالقليوبية وبخاصة بؤرة الجعافرة كان فى شكل متوالية، ويمكن تقسيمه إلى مرحلتين، الأولى ما قبل 25 يناير 2011، والثانية بعد 25 يناير، مرحلة ما قبل الثورة كانت تعتمد على المواجهة الأمنية فقط واستهداف العنصر البشرى للمجرمين بهذه البؤر الإجرامية، وللحق فإن استهداف بؤرة الجعافرة فى هذه المرحلة حقق نجاحًا فى استهداف العناصر الإجرامية بها، وتم وقتها القبض على ثمانية من أباطرة المخدرات كان منهم أمين موسى ومحمد حافظ أمين عامر (وشهرته الدكش) وتم إيداعهم فى السجون، ولكن مع قيام ثورة 25 يناير 2011 هرب من السجون جميع من تم ضبطهم، وبعد هروبهم وخلال فترة حكم الإخوان بعد الثورة تحولوا إلى ذئاب مفترسة ومارسوا الجريمة بشراسة غير مسبوقة، واستغلوا الطبيعة الجغرافية غير الممهدة وتشابك الزراعات والمزارع والحدائق لأرض منطقة الجعافرة وكوم السمن والسلمانية والمناطق المحيطة، ووزعوا مناطق نفوذهم فيما بينهم، وأصبح لكل منهم بؤرة إجرامية يسيطر عليها.. ولكن بعد ثورة 30 يونيو 2013واستقرار الأوضاع بالدولة، بدأت وزارة الداخلية بشن وتكثيف الحملات الأمنية على هذه البؤر الإجرامية، وقد ترأس وزير الداخلية السابق اللواء محمد إبراهيم حملتين من هذه الحملات التى أسفرت عن ضبط كمية كبيرة من الأسلحة والذخائر، ولكن هذه الحملات لم تقض على هذه البؤر الإجرامية، لأنها كانت تعتمد على أسلوب المواجهة الأمنية فقط، ولكن عندما وصل الأمر لقيام هؤلاء المجرمين باستعراض سطوتهم وقوتهم باستهداف خيرة ضباط الشرطة مثل إيهاب جورج ومصطفى لطفى، بالإضافة إلى استهدافهم الأهالى وسقوط العديد من الضحايا منهم، فكان لابد من المواجهة الشاملة الميدانية، وتم تطبيق مرحلة المواجهة الشاملة باستهداف البنية التحتية لهؤلاء المجرمين بهذه البؤر من مبانٍ ومرافق وسلاح بالإضافة إلى استهداف العنصر البشرى الإجرامى، وتم ذلك من خلال تضافر جهود الأجهزة التنفيذية جميعها بالدولة، فبدأت الأجهزة المحلية ووزارة الزراعة بتنفيذ قرارات إزالة لبيوتهم التى بنوها داخل الزراعات بالمخالفة للقانون، حيث بنوا قصورا فى السابق فى غياب تام من الزراعة والمحليات، وكانوا يحتمون بهذه البيوت داخل الزراعات والحدائق ويتخذونها مخابئ سرية لهم ولمخدراتهم والسلاح الذى يتاجرون فيه، كما بدأت الوزارات المعنية بشق الطرق بين الزراعات، حيث كانت الزراعات متشابكة مع بعضها ولم يكن هناك حدود فاصلة بين الأحواض الزراعية وبعضها فى هذه المنطقة وهى طبقا للقانون 4 أمتار، وبالتالى لم يكن هناك طرق بين الزراعات تمكن قوات الأمن من سرعة الوصول للعناصر الإجرامية هناك، وكان ذلك يمثل عنصر قوة لهؤلاء المجرمين.
وأيضا قامت وزارة الكهرباء بفصل التيار الكهربائى عن بيوت العناصر الإجرامية التى بنوها داخل الزراعات بالمخالفة للقانون، حيث كانوا يسرقون التيار الكهربائى ويوصلونه لهذه البيوت، كما قامت شرطة تنفيذ الأحكام فى تتبع العناصر الإجرامية الصادر ضدهم أحكام ويختبئون فى هذه البؤر وتم القبض على عدد منهم.. مضيفا أن الأهالى الشرفاء فى هذه المناطق كان لهم دور كبير فى هذه المواجهة الشاملة، حيث قام عدد كبير منهم طواعية ومن أنفسهم بالتبرع بجزء من أرضهم المزروعة لتشق الدولة طرقًا بين الزراعات، ليصبح هناك طرق ممهدة تساعد الشرطة عند اقتحامها لبؤر المجرمين للقبض عليهم، كما قام الأهالى بالإبلاغ عن الأشخاص الغرباء الموجودين بالمنطقة والذين كانوا عبارة عن العناصر الإجرامية الصادر ضدهم أحكام جنائية ويختبئون فى هذه المناطق ويحتمون بأباطرة المخدرات هناك فى مقابل مساندتهم عند تعرضهم لحملات أمنية.. الإعلام كان له دور كبير فى نجاح خطة المواجهة الشاملة مع هؤلاء المجرمين، حيث قام بمساندة جهاز الشرطة بطريقة فعالة خاصة بعد استشهاد العديد من الضباط والأفراد، وإظهار بطولاتهم وتضحياتهم فى سبيل الوطن، مما أعطى دافعًا معنويًا كبيرًا لرجال الأمن، كما ساهم الإعلام فى إعادة الثقة بين المواطنين والشرطة، مما أعطى دافعًا معنويًا للأهالى بهذه المناطق للتعاون مع الأمن وإمداده بالمعلومات المتاحة، بالإضافة إلى أن الإعلام من خلال مساندته للشرطة وإظهار قدرتها على التصدى للإرهابيين المجرمين، فقد تسرب بذلك الرعب داخل نفوس العناصر الإجرامية، مما سهل عملية السيطرة والقبض عليهم.
يوضح عبدالقادر أنه بناءً على نجاح خطة المواجهة الشاملة فى استهداف البنية التحتية لهؤلاء المجرمين فى هذه المنطقة استطاعت الأجهزة الأمنية بمختلف تخصصاتها تنفيذ الخطة الموضوعة بمعرفة الأمن العام للقيام بمداهمة شاملة للبؤر الإجرامية بمناطق الجعافرة وكوم السمن والسلمانية والتى كانوا يسمونها منطقة المثلث الذهبى للمخدرات والإجرام، وقد ساهم فى وضع هذه الخطة اللواء سيد جاد الحق مساعد وزير الداخلية لقطاع الأمن العام، مضيفًا أن قوات الأمن عند قيامها بحملتها على بؤرة الجعافرة، والتى تعتبر أخطرها تم تقسيمها إلى 6 طرق، 3 طول، 3 عرض، حيث تبلغ مساحتها ما يقرب من 625 فدانًا، كما أن بيوتهم المخالفة التى كانوا يحتمون بها داخل الزراعات تم هدم عدد كبير منها، وتم فصل التيار الكهربائى عن بيوتهم خلال عملية المداهمة، وبالتالى فإن القوات الأمنية نجحت فى القبض على 106 من تجار المخدرات والعناصر الإجرامية، بينما لقى 8 منهم مصرعهم خلال مواجهتهم لقوات الأمن، وتم ضبط كمية كبيرة من الأسلحة والذخائر كانت لديهم، كما تم ضبط مبلغ مليون و200 ألف جنيه كانت فى ڤيللا الدكش، بالإضافة إلى كمية من المصوغات الذهبية!
وهكذا نجحت منظومة المواجهة الشاملة.
ويضيف عبدالقادر أنه لضمان عدم استغلال هؤلاء المجرمين المقبوض عليهم لثرواتهم، أصدر النائب العام الأسبوع الماضى قرارًا بمنع أفراد عائلة الدكش الإجرامية وزوجاتهم وأبنائهم وشقيقاتهم ووالدتهم من التصرف فى أموالهم، وذلك لاتهامهم فى قضية غسيل أموال فى المحضر رقم 3851 لسنة 2016 إدارى شبين القناطر والمقيد برقم 1 غسيل أموال لعام 2016، حيث ثبت تورطهم فى جرائم حيازة وتجارة المخدرات، والإتجار فى الأسلحة النارية والذخائر بدون ترخيص، وتحصيل مبالغ مالية من خلف ذلك، ثم قاموا بغسل تلك الأموال المتحصلة من تلك التجارة غير المشروعة، فأودعوا جزءًا منها بالبنوك وأجروا عليها عمليات سحب وإيداع، وقاموا بإنشاء كيانات اقتصادية وهمية، واشتروا العديد من الأراضى الزراعية والعقارات والسيارات، وذلك بقصد إخفاء وتمويه مصدر الحصول على تلك الأموال والتى قدرت بمبلغ (20 مليون) جنيه.
لكن قياديًا أمنيًا أكد أن تقدير ثروة عائلة الدكش المتحفظ عليها بقرار النائب العام بمبلغ «20 مليون جنيه» يحتاج تدقيقًا، لأن هذه العائلة ثروتها أكثر من ذلك بكثير، لذلك يجب إعادة حصر ثروتهم مرة أخرى، لمنعهم من إخفاء أى جنيه، حتى لا يستطيعوا استغلالها فيما بعد لممارسة نشاطهم الإجرامى.
ومما يؤكد أن ثروتهم تتعدى مبلغ الـ«20 مليون جنيه» المتحفظ عليها أنه أثناء مداهمة بيوتهم وقصورهم خلال الحملة الأمنية الأخيرة لبؤرة الجعافرة الإجرامية، عثر الأمن على ترسانة كبيرة من الأسلحة تبدأ من الخرطوش والطبنجات وحتى الرشاش المتعدد وبندقيات القناصة fm وقاذفات الـrbg، بالإضافة إلى كمية كبيرة جدا من الذخائر، وأيضا تم ضبط وسائل اتصالات حديثة جدا منها تليفونات ثريا المتصلة بالأقمار الصناعية، كما تم ضبط مناظير رؤية ليلية، وكل هذه الأسلحة والمعدات لا يمكن أن يحصلوا عليها إلا إذا كانت ثروتهم تتعدى مئات الملايين من الجنيهات، كما أنه خلال مداهمة قصر الدكش وجد داخله حمامات سباحة يتوسطها بار للخمور والمشروبات، كما وجد الأمن تمساحين داخل القصر كان يقوم بتربيتهما، كما عثر على أثاث بماركات عالمية، وبالتالى فإن هذا القصر وحده يساوى أكثر من عشرة ملايين جنيه، كما أنه تم ضبط كمية كبيرة من المصوغات الذهبية داخل بيوتهم، كما أنهم يملكون أراضى وحدائق داخل الجعافرة، بالإضافة إلى أنهم استغلوا أموال تجارتهم غير المشروعة فى المخدرات والسلاح وقاموا بأعمال لغسل هذه الأموال، فاستردوا أراضى وعقارات وأقاموا معارض للسيارات، وكل ذلك يثبت أن ثروتهم تتعدى مئات الملايين من الجنيهات.
وفى السياق نفسه أكد الحاج على ندا صاحب مزرعة مجاورة لقرية الجعافرة، أن ثروة الدكش وعائلته تتعدى المليار جنيه، خاصة أن الدكش نفسه أقام العام الماضى حفلة أسماها حفلة المليار، حيث احتفلوا بأن ثروتهم وصلت إلى مليار جنيه وقتها.. قائلا إن المسافة بين قريته وبين مكان الدكش لا تتعدى 5 كيلومترات، وكان يرى سيارات كثيرة جدا منها سيارات فخمة تدل أن أصحابها «ولاد باشاوات»، وكانوا يتركونها عند أول القرية، ثم يركبون توك توك ليذهبوا لشراء المخدرات من عند الدكش، وكان عدد هؤلاء الأشخاص كبيرًا جدا يوميا.
ويتابع: «الدكش قلبه جامد ومبيخافش من الأمن لدرجة أنه كان يبيع المخدرات من العصر لحد طلعة نهار اليوم التالى، وأحد صبيانه قال إنهم يبيعون مخدرات للتجار والموزعين والمتعاطين فى اليوم الواحد بما لا يقل عن 300 ألف جنيه، ولو افترضنا أن تكلفة شرائها الثلث، فإن ذلك يعنى أنه يكسب فى اليوم الواحد مبلغ 200 ألف جنيه أى أنه يكسب فى الشهر 6 ملايين جنيه، أى يكسب فى السنة 72 مليون جنيه، وذلك من تجارة المخدرات فقط، وإذا أضفنا إلى ذلك تجارته وعائلته فى السلاح والذخائر، بالإضافة إلى أنهم يمتلكون حدائق فاكهة يزرعون بها كل أنواع الفواكه ويبيعون محصولها سنويا بملايين الجنيهات، بالإضافة إلى أنهم يمتلكون أراضى وعقارات وسيارات قيمتها تتعدى ملايين الجنيهات، وكل ذلك يثبت أن الدكش وعائلته ثروتهم تتخطى المليار جنيه.