شفيق جبر.. ملياردير بـ «جرة قلم»

محمد سعد خطاب
كيف تحول شفيق جبر من رجل أعمال «أقل من عادى» إلى واحد من أغنى 40 رجل أعمال عربى وفق تصنيف مجلة «آربيان بيزنس» مؤخرًا؟
إنها «جرة قلم» من رجل الأعمال الإماراتى محمد العبار، حصل بعدها شفيق على مليار جنيه للتخارج من شركة «إعمار مصر» والتى لم يتعد رأسمالها 7 ملايين جنيه.
على أن هذه «الجرة» التى جعلت صاحب الملايين، من أصحاب المليارات، لاتزال بعيدة عن التحقيق، وملفاتها ما زالت غامضة تمامًا مثل جبر ذاته الذى يعد من أكثر الشخصيات غموضًا.
لقد كان شفيق جبر يتمتع بحصانة ثلاثية الأبعاد، واحدة من قصر الرئاسة بحكم علاقته بمبارك وأولاده، وثانية بحكم علاقاته بأمريكا، وبعض دوائر البيزنس الخفى فى الدول الغربية وأتباعها فى مصر والمنطقة، وثالثاً بحكم الإعلام الذى كان يجمعه حوله فى هذا المنتدى الذى كان يقدم فيه الهدايا ثم يقوم هذا الإعلام بالترويج له باعتباره رجل التنمية الأشطر فى مصر.
وبعد خمسة أعوام على ثورة على الفساد، لايزال شفيق جبر عصياً على المحاسبة على الكثير من الانحرافات التى تجاوزت عدة مليارات من الجنيهات يهنأ بها الرجل بينما الشعب المصرى يعانى ويلات الفقر والمرض.
خلال أقل من 15عامًا جمع فيها ثروة طائلة كان نشاط «شفيق جبر» محصورًا فى استقطاب المستثمرين العرب والأجانب إلى مصر، وقد ساعدته فى ذلك علاقاته بالمسئولين فى دولة مبارك، حتى أصبح متخصصا فى تسهيل صفقات الآخرين مقابل الحصول على عمولات خيالية.
وكانت صفقة السمسرة بين «العبار» و«شفيق جبر» هى ترجمة لبيزنس المصالح الذى تمت شرعنته بمشاركات وهمية على الأوراق فى شركات سرعان ما يتم التخارج منها نظير مبلغ العمولة المتفق عليه، وربما كانت المفاوضات الأخيرة مع محمد العبار فى مشروع العاصمة الإدارية الجديدة قد تأثرت بهذا النوع من النشاطات المشبوهة وهى التى أدت إلى انسحابه من المشروع ثم عودته مجدداً وفق ما صرح به وزير الإسكان الحالى مصطفى مدبولى قبل أيام.
صفقة «إعمار» التى بدأت عام 2006 بقطعة أرض ضخمة تبلغ مساحتها 6 ملايين متر على مقربة من مشروع الضبعة النووى بنحو 30 كيلومترا بالساحل الشمالي، وتم طرح الصفقة بسعر 85 جنيهًا للمتر على شركة إعمار مصر التى كان «شفيق جبر» شريكاً فيها بالنصف.
لقد بنى «شفيق جبر» إمبراطوريته الاقتصادية جميعها عبر الصفقات التى يبرمها بعيدا عن الأضواء، وعادة خارج مصر حتى جعلت منه نموذجا للبيزنس الذى لا يظهر إلا بشكل مفاجئ، كما حدث فى صفقة «إعمار» الإماراتية التى جاء بها من الخارج، بعد إقناعه «محمد العبار» بقدرته الحصول على الأرض بتسهيلات كبيرة، عبر علاقاته بالدكتور محمود محيى الدين وزير الاستثمار، وبالفعل تم الحصول على أرض «مراسي» فى الساحل الشمالى من الشركة القابضة للسياحة، وبعد حملة دعائية كبيرة عن المشروع، نشب خلاف كبير بينه وبين محمد العبار وانتهى بحصول شفيق جبر على 141.9مليون دولار من العبار، مقابل تنازله عن حصته فى «إعمار»، التى قدرت بـ809 ملايين جنيه، وهى الصفقة التى جرى الالتفاف حول تحصيل الدولة للضريبة عليها، وذلك بإدخالها إلى البورصة المصرية للمضاربة لإعفائها من الضرائب.
جبر أخطبوط الصفقات، ورجل العمليات الغامضة، وصندوقه الأسود جمال مبارك، والوحيد الذى نجا من الحبس والتنقيب فى ملفات ثروته، وإن كان قد هرب فعلاً من مصر إلى لندن أثناء ثورة 25 يناير لكنه سرعان ما عاد بعد أن اطمأن إلى أن تشابكات أركان الفساد لا تزال قادرة على حمايته.
هذا الرجل الذى جاء إلى الوجود فى 5 نوفمبر 1952عاش حياة عادية إلى أن أصبح عضواً فى المجلس الأعلى للسياسات بالحزب الوطنى الديمقراطي، ليغدو من ذوى الحظوة وممتلكى وصانعى القرار، وهو رغم كل ما أُثير حوله من شبهات أهمها البلاغ رقم 545 بلاغات النائب العام لسنة 2011 ضد محمود محيى الدين وزير الاستثمار الأسبق ورجلى الأعمال شفيق جبر وهشام طلعت مصطفي، الذى جاء فيه أن صفقة بيع أرض الساحل الشمالى شابتها بعض الخلافات بين الشريكين المصرى شفيق جبر بنسبة 60% والإماراتى محمد العبار بنسبة 40% من شركة إعمار مصر.
وأظهر تقرير تقصى الحقائق الصادر من مجلس الشعب بتاريخ 3 أبريل لعام 2007 حول الصفقة والموجود داخل حافظة مستندات البلاغ أن جبر روج للمشروع وتلقى مقدمات حجز للوحدات السكنية قبل توقيع العقد النهائي. وذكر التقرير أن العبار حوَّل المبالغ النقدية المتفق عليها إلى الحكومة المصرية لشراء أرض سيدى عبدالرحمن بالساحل الشمالى على دفعات، بعد إرساء المزايدة العلنية على الشركة فى 2006/8/5 وقد سدد العبار 250 مليون جنيه بموجب شيك مسحوب على البنك العربى فرع القاهرة، بما يمثل 25% من قيمة الصفقة، وبتاريخ 11/13/ 2006 وقع العبار عقدا مبدئيا تم بموجبه سداد مبلغ 150مليون جنيه بموجب شيكين قيمة الأول 150 مليون جنيه، مسحوب على البنك العربي، والثانى بقيمة 75 مليون جنيه مسحوب على البنك العربى الإفريقى الدولي، وأفاد التقرير أن جبر خرج من الشركة بعد ذلك بأسابيع وبالتحديد فى 2007/3/12عن طريق اتفاق تم بين الشريكين بهيئة الاستثمار.
وكانت هذه الصفقة قد رست على شركة «إعمار» المصرية الإماراتية بنحو مليارى جنيه سدد منها مسئول الشركة فى مصر شفيق جبر ربعها.. ولم يسدد الباقى الذى يقدر بأكثر من 1500 مليون جنيه.. لكن رجل الأعمال لم يزعجه ما عليه من أموال ضخمة لخزينة الدولة.. فرغم أن الأرض عليها مشكلات ولا تزال صحراء قاحلة، ورغم أن المشروع لم يكن قد انتهى من تصميمه بعد، ورغم أنه وعد بتسليم الوحدات بعد أربع سنوات على الأقل فإنه نجح فى أن يبيع 13فيللا على البحر بنحو ثلاثة ملايين جنيه للفيللا.
ولا يزال المصريون يذكرون الحفل الذى أقامته الشركة فى مستوطنة شفيق جبر فى أعلى المقطم (مقر شركته أرتوك) بعد توجيه الدعوة إلى 800 شخصية اعتبر كل منها نفسه أنه من صفوة الصفوة فى مصر الذين سيحصلون على استمارات الحجز البلاتينية.. وحضر الحفل ضعف العدد المدعو.. ليتقاتلوا على وحدة من بين 4600 وحدة فى المشروع.. حجز منها أهم 15 فيللا لمسئولين كبار فى مصر والخليج.. لم يكن بينهم الوزيران اللذان حضرا الحفل (أحمد شفيق وزير الطيران وقتها وزميله فى الحكومة أيضاً يوسف بطرس غالى وزير المالية) ولم يكن بينهم الشخصيات الشهيرة الأخرى (زياد بهاء الدين وهشام مصطفى خليل وحسام بدراوى ومحمود عطا الله وماجد شوقى وحسين فهمى وعلى لطفي).
كان المطلوب مقدم حجز لا يقل عن عشرة فى المائة، وقد يصل إلى 15% وهو مبلغ تراوح ما بين عشرة آلاف و200 ألف دولار.. وجرى التنبيه على أن السعر يمكن أن يزيد.. ومن ثم يصبح المقدم المدفوع نحو خمسة فى المائة فقط من السعر الجديد.. وفى الوقت نفسه جرى إغراء المدعوين بتخفيض نحو عشرة فى المائة من السعر بشرط الشراء قبل 31 مارس، وبشرط شراء وحدة من مشروع آخر هو «أب تاون كايرو».
وفى اليوم التالى بدأت محاولات مضنية للحجز فى البنك العربى الإفريقي.. وفى بعض التقديرات فإن ما تم جمعه من أموال وقتها يتراوح ما بين 450 و 500 مليون جنيه.. وبعد فترة وجيزة تضاعف المبلغ، حيث سددت الشركة باقى ثمن الأرض من جيوب الحاجزين.. وسددت قيمة المبانى من الأقساط التالية.. لتكون دفعات التسليم الكبيرة ربحا بالمليارات للشركة دون ضرائب بدعوى أنه مشروع سياحى رغم أنه مشروع إسكاني.
وبعد شد وجذب فى طريق إنهاء الصفقة إلى ما انتهت عليه جاء العبار محاطاً بشلة من المحامين والخبراء وعرض أن يكون المالك الوحيد مقابل دفع مبلغ معقول من الملايين نظير تنازل شفيق جبر عن نسبة الـ60%، والمؤكد أن العبار عندما أصر على الانفصال لم يكن تحت تأثير حالة مزاجية سيئة، أو مدفوعاً برغبة وهمية، وإنما إصراره جاء بعد تصرفات شفيق جبر التى وصفها العبار بأنها غير لائقة، وقد تضر بسمعة شركة «إعمار».. ومنها على سبيل المثال لا الحصر أن شفيق جبر حصل بموجب مقدمات الحاجزين فى مشروع مراسى سيدى عبد الرحمن، وتبلغ نحو «400 مليون جنيه» على تسهيلات بنكية من البنك العربى الإفريقى عبر صديقه حسن عبدالله رئيس مجلس الإدارة، وهو ما اعتبره العبار خرقاً لنصوص العقد بينهما.. بعد الخروج من السوق المصرى آنذاك.
شعر العبار أن وجوده فى مصر لم يعد مجدياً، فعاد للإمارات، ومعه رسالة للمسئولين هناك بأن الاستثمار العقارى لم يعد آمناً، وهو ما عاد وكرره مجدداً فى صفقة العاصمة الإدارية الجديدة مع نظام الرئيس السيسي، حيث نجحت ضغوطه فى السابق، وأراد أن يكررها مجدداً مع مصطفى مدبولى وزير الإسكان ويبدو أنها كما نجحت فى السابق مع حكومة مبارك عادت تنجح من جديد مع حكومة محلب، خاصة وقد أعلن مدبولى قبل يومين بأن العبار لا يزال مطروحا لتنفيذ المشروع بعد أن أعلنت الحكومة رسمياً انتهاء علاقة العبار بمشروع العاصمة الجديدة، وكأن التاريخ يعيد من نفسه من جديد، وهنا نتساءل من الجهة أو الشخص الجديد الذى سيحصل على السمسرة من العبار حتى يتم التعامل معه بهذا القدر من الدلال والأريحية إذا علمنا أن الذى حصل عليها قديما كان شفيق جبر.
الصفقة الفضيحة التى لم يقترب منها أحد حتى الآن هى صفقة بيع 4 ملايين متر مربع أعلى جبل المقطم وهى مساحة تزيد على ألف فدان سعر المتر فيها لم يتجاوز 90 جنيها حصل عليها عن طريق محمود محيى الدين ومحافظ القاهرة ورئيس شركة النصر الذى وقع على العقد وتم القبض عليه بعدها بأيام فى قضية رشوة بقيمة 50 ألف جنيه هو ومحمود هندي، بإيعاز من وزير الاستثمار ومحافظ القاهرة وقتها بفارق سعر عن أسعار السوق وقتها بنحو 12مليار جنيه إذا اعتبرنا أن سعر المتر وقتها فقط ثلاثة آلاف جنيه، رغم أن شركة إعمار تبيع متر الحديقة خالية من أى أشغال بسعر 10 آلاف جنيه، بينما تبيع متر الأرض المبانى بـ 12 ألفا، ولم تكن الصفقة الفضيحة وقتها إلا واحدة من ضمن عدة صفقات، منها حصوله من محافظ القاهرة عبد العظيم وزير على 100 ألف متر على الطريق الدائرى بسعر 50 جنيها للمتر ليقيم عليها مركز خدمة وصيانة وبيع قطع غيار لتوكيل السيارات الذى يملكه، والذى هددت الشركة الأم فى التشيك بسحبه منه مؤخرا بسبب عدم وجود مراكز صيانة للسيارات، حتى أن محافظ القاهرة وبسبب ورطة دبلوماسية دعا فيها شفيق جبر رئيس جمهورية التشيك لزيارة التوكيل اضطر إلى رصف الطريق المؤدى للمركز على أحدث مستوى ليتناسب مع زيارة الرئيس الضيف خصما من ميزانية الدولة وهو مشروع رغم كل ماسبق لم يسدد عنه شفيق جبر باقى ثمنه، فضلاً عن 911 فداناً فى القاهرة الجديدة حصل عليها بسعر 300 جنيه للمتر بينما كان السعر السائد وقتها ألف جنيه، وهى صفقات كارثية لم يحاسب عليها شفيق جبر حتى الآن أضاع فيها على الدولة أكثر من 16مليار جنيه، قبض هو مليارًا منها لتسقط بقيتها فى جيب محمد العبار على مرأى من جميع الأجهزة الرقابية التى لاتزال صامتة على واحدة من أعنف عمليات التربح فى مصر.