الخميس 22 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي

دم الأرمن فى رقبة أردوغان وأجداده

دم الأرمن فى رقبة أردوغان وأجداده
دم الأرمن فى رقبة أردوغان وأجداده


كل ما يفعله الرئيس التركى «أردوغان» من مؤامرات واعتداءات على جيرانه من الشعوب العربية، ليس غريبا عن تاريخ أجداده، الذين قاموا عام 1915 بأبشع مذبحة عرفها التاريخ بالنصف الأول من القرن العشرين، حينما أنهوا صراعهم الطويل مع الأرمن، أصل البلاد، بمؤامرة، قاموا من خلالها بإبادة 5,1 مليون أرمنى، وبقلب بارد نهبوا البيوت، وذبحوا الأطفال، وقتلوا الرجال، واغتصبوا النساء!
ويجىء عام 2015 ليتمم مرور قرن من الزمان على وقوع تلك المذبحة، بينما تستعد الجاليات الأرمنية المنتشرة فى العالم، ويقدر عددها بنحو 7 ملايين أرمنى، للاحتفال بذكرى شهداء الوطن، ومطالبة تركيا والمجتمع الدولى بالاعتراف بالمذابح، وإدانتها لإبادة الشعب الأرمنى، وتمزيق دولة أرمينيا الضاربة فى الحضارة، كما يقول نيافة المطران «كريكور أوغسطينوس كوسا» أسقف الاسكندرية بمصر والسودان، وسائر دول أفريقيا للأرمن الكاثوليك.
∎ ما دليلكم على صدق روايتكم الخاصة بمذابح الأرمن على أيدى العثمانيين؟
- دليلنا هو ما يذكره التاريخ من وقائع سبقت أحداث المذبحة بين العنف والاضهاد، والقتل العمدى على أيدى الأكراد والشراكسة والأتراك! فالمذبحة لم تبدأ حرفيا عام 1915  بل بدأت عام 1891 واستمرت لعام 1920 بسبب غيرة وحسد الأتراك من تفوقنا الحضارى، ومن كل الوظائف التى كان الأرمن يشغلونها فتآمروا علينا، وأججوا العدواة بيننا وبين الشعب، ثم أعدوا الخطة لذبحنا وإبادتنا، حتى إن هناك مقولة شهيرة كانت تتردد فى ذلك الوقت، تقولً  لنذبح الأرمن ونترك أرمينيا واحدا، لنضعه فى المتحف، ونقول كان ياما كان وفى قديم الزمان.. شعب اسمه الأرمن»!
∎  كيف لأقلية عرقية أن تغلب الأكثـرية؟
- كان عددنا ذلك الحين، نحو 2 مليون ومائة ألف أرمنى، أمام تعدادهم فكان يترواح بين 14- 20 مليون تركى! كما أننا لدينا شهود وصور ووثائق تاريخية تؤكد وقوع المذبحة، والتى قامت جريدة الأهرام بتسجيل أحداثها فأين وثائقهم ليثبتوا العكس؟ وقد اعترفت الحكومة العثمانية نفسها بالمذابح عام 1919 أثناء محاكمة النظام لتورطه فى مساندة ألمانيا، بالحرب العالمية الأولى. بل إن «كمال أتاتورك» نفسه وصف تلك المجازر بالفظاعات، فى حديثه لجريدة «لوس أنجلوس إيجزمير» عام 1920 مثلما كتب السفير الألمانى لوزارة الخارجية عام 1916: إن ما يدعيه الأتراك بأنه تهجير لأسباب أمنية، إنما هي عملية إبادة للشعب الأرمنى! وكذلك شهادات السفير الأمريكى وقتها «هنرى مورجان ثاو»، والمسئول البريطانى «هربرت جيبس»، والنرويجى، وغيرهم! ويبقى الدليل الأخير، وهو شهادة  الشعب الكِلدانى والأشورى، الذى قتل العثمانيون الكثيرين منهم، ليقولوا للعالم إن الأتراك لم يقتلوا الأرمن فقط، بل قتلوا كذلك أبناءنا!
∎ وكيف يمكن أن يكون الحسد لتفوقكم الحضارى، هو السبب فى وقوع جريمة بحجم المذبحة؟
- هذه طبيعة الأتراك، الذين لم يكونوا أكثر من شرذمة قبائل هبطت من آسيا الوسطى على الأناضول، واستولوا على بلادنا، منذ سقوط المملكة الأرمنية عام 1375 ووقوعها فريسة بين تركيا، وروسيا، وفارس. ثم احتلالها أخيرا عام 1514 على يد السلطان «سليم الأول» فقاموا باستغلالنا لكوننا متعلمين وحرفيين، حيث يشهد التاريخ على نشاط الأرمن وذكائهم، وإخلاصهم، وانتمائهم الوطنى، وتميزهم ثقافيا، واقتصاديا، وعمليا، خاصة فى بعض الحرف اليدوية كالصياغة، وصناعة النحاس، والساعات، وميكانيكا السيارات، والسكك الحديدية!  فكان المثل يقول: إذا أردت البناء فاطلب أرمنياً، واذا أردت الهدم فاطلب تركيا!
لم يكن الأتراك يخفون مظاهر كراهيتهم لنا، حيث كان مجرد وقوع ظل أرمنى على رجل تركى يثير غضبه لدرجة كبيرة تجعله «يمسح بكرامته الأرض».. كما نقول فى مصر! أرهقونا بالضرائب الباهظة، فاضطر الكثيرون منا للهجرة إلى سوريا ومصر ولبنان وغيرها. وهو ما يحاول «أردوغان» أن يفعله ليومنا هذا، أسوة بأجداده، حيث يشجع الإرهاب فى سوريا، ليحولها لإمارة تركية، فيتمكن من وضع يديه على خَيرْ مدينة «حلب» وصناعها المهرة فى صناعة الذهب والفضة، ويبيد تاريخها مثلما أباد أجداده مدينة قيليقية الأثرية الشاهدة على حضارتنا، لمحو تاريخنا تماما! ولكن خسئوا.. يقول «المطران كريكور» لأننا رغم استشهاد 5,1 مليون أرمنى، لانزال موجودين ومنتشرين فى العالم كأطباء وعلماء ومهندسين وصحفيين، حاملين رسالتنا وثقافتنا وحضارتنا وديانتنا وصناعتنا، لنقول للعالم ها نحن هنا، رسل محبة، وبناة سلام!
∎ صف لنا فظائع المذابح التى ارتكبها الأتراك وخصوصاً أنها الأكثـر دموية فى التاريخ؟
- ألقى الجيش العثمانى القبض على المفكرين، والمثقفين، واعتقلوا الأعيان فى اسطنبول، وأجبروا القرويين على العمل كحمالين فى الجيش، ثم قاموا بإعدامهم  مثلما قاموا بإخلائنا قسريا من بيوتنا التى نهبوها، وأحرقوها بساكنيها، ثم هدموا كنائسنا وأديرتنا، وأجبرونا على السير لمئات الأميال فى صحراء دير الزور، والحسكة، والرقة، بسوريا والموصل، بدون طعام أو شراب، فمات الكثيرون فى الطريق  مثلما يحدث من داعش حاليا! بعدها قاموا بالتخلص من الرجال شنقا، وذبحا، ورميا بالرصاص أما النساء، فلم يكتفوا باختطافهن واغتصابهن، بل قاموا بصلبهن عاريات، مثلما قاموا بفتح بطون الحوامل منهن بالسيوف، وأخرجوا الأجنة، لضمان موت الأم والجنين معا! ولاتزال الوثائق تذكر كلمات «طلعت باشا» وزير الداخلية التركية، فى إحدى برقياته إلى الوالى العثمانى فى «حلب»، قائلا: «بالرغم من أن قراراً قد صدر منذ أمد غير بعيد بإبادة العنصر الأرمنى، فإن الظروف لم تكن سانحة لتحقيق هذا المشروع المقدس. أما الآن فقد حان الوقت. إننا نهيب بكم أن تتجردوا من أى إحساس بالشفقة والرحمة إزاء حالاتهم المفجعة. كما نطلب منكم أن تعملوا جاهدين للقضاء عليهم ومحو الاسم الأرمنى بالذات»!
∎ ولكن، هل تعتقدون أن الاعتذار الذى قدمه «أردوغان» العام الماضى، عما بدر من أجداده فى حق شعبكم، هو إحساس حقيقى بالأسف؟.
- «أردوغان» لم يعتذر عن المذبحة، بل صرح مجرد تصريحات، قدم فيها العزاء لشعبنا، معربا عن أمله أن يُخَلَد أجدادنا الذين «قتلوا» فى سلام! مؤكدا أن ما وقع بنا، كان مجرد «ترحيل»، حدثت معه «تبعات غير إنسانية»! ونحن نقول له: إن الاعتراف بالمذبحة أهم من الاعتذار، لأنه من ناحية يعنى الكف عن القتل والذبح وأعمال الإرهاب التى يقوم بها فى سيناء وسوريا والعراق! ومن ناحية أخرى يكلفه تغيير مناهجه المدرسية، وتصحيح مسار التاريخ، ليعترف هو وشعبه بإساءتهم لنا، وللشعوب العربية أيضا! وها أنا أقولها له من هنا: كفاك قتلا وإرهابا، وعد إلى ذاتك، وافحص ضميرك، لكى يتسنى لك المشاركة فى بناء عهد جديد من الحرية والديمقراطية..
∎ وبم تفسرون دعوة «أردوغان» - مؤخرا- لرئيسكم «سيرچ سركيسيان»، للمشاركة فى مراسم الاحتفال بالذكرى المئوية لحملة «جاليبولى» يوم 24 أبريل 2015 أى نفس تاريخ احتفالكم بمئوية المذابح؟
- أدرك المغزى لدعوة «أردوغان» فى هذا التوقيت، ووجه له خطابا شديد اللهجة، مستهجنا استمرار سياسات تركيا فى إتقان تشويه التاريخ وإنكار الحقائق! فمعركة «جاليبولى» لم تكن أكثر من محاولة فاشلة لاحتلال اسطنبول، قامت بها القوات البريطانية والفرنسية فى 18 مارس 1915 واستمرت حتى أواخر يناير 1916! فما الداعى للاحتفال بمئويتها فى 24 أبريل، إلا لصرف انتباه العالم عن الذكرى المئوية لمذابحنا؟
∎ وهل اعترفت أمريكا بالمذبحة الأرمنية؟
- إن الرئيس الأمريكى «ويلسون» هو أول من طالب تركيا بتقديم المساعدة لشعبنا فى محنته، عقب معاهدة سيفر 1920  مع ضمان حماية باقى الأقلّيات، ومنحهم فرص النمو والاستقلال! بينما استدعى الأمر 90 عاما حتى صَوّت الكونجرس الأمريكى عام 2010 للاعتراف بالإبادة الجماعية لشعبنا، فتشجعت 42 ولاية من الولايات الأمريكية على الاعتراف بها أيضا!
وأخيرا، تمنى نجاح الدعوى القضائية التى أقامتها «الجبهة الشعبية لمناهضة الأخونة» باسم مصر للاعتراف بمذابح الأرمن، تأكيدا لدورها الريادى بعد مرورها بثورتين كبيرتين، واستمرارا لكشف تلاعب الحكومة التركية على مشاعر البسطاء بالعالم العربى، باسم عودة الخلافة العثمانية، وكأنهم جميعا لا يدرون أن الزمن لا يمكن أن يعود للوراء!∎