الإثنين 19 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي

«إحسان» «دقة قديمة»

«إحسان» «دقة قديمة»
«إحسان» «دقة قديمة»


عندما أطل إحسان عبدالقدوس على الدنيا فى أول يناير سنة 1919 م كان هذا يعنى انطلاقة جديدة لأمه روزاليوسف فى عالم التمثيل حيث بلغت ذروة مجدها بعدما وضعته وأطلقوا عليها لقب (سارة بنار) الشرق وهى أشهر نجمة عالمية فى ذلك الوقت. وتألقت روزاليوسف على مسرح رمسيس الذى قام بتأسيسه الفنان الكبير يوسف وهبى، وقامت بأدوار البطولة فى معظم مسرحياته.
وفى سنة 1924م أطلت آمال طليمات على الدنيا وكان ذلك فى 20 أكتوبر، وهكذا أصبح لفاطمة اليوسف الشهيرة بروزاليوسف اثنان من الأبناء.. إحسان عبدالقدوس من زوجها الأول (محمد عبدالقدوس).
 و(آمال طليمات) من الزوج الثانى زكى طليمات. وكانت أيضا (وش خير) على أمها مثلما كان أخوها غير الشقيق، فقد انطلقت الأم إلى عالم جديد مختلف عن المسرح الذى عشقته ويتمثل فى دنيا الصحافة وقامت بتأسيس مجلة روزاليوسف بعد مولد ابنتها بعام وخمسة أيام بالضبط. وذلك فى 25 أكتوبر .1925


∎ الممثل اسمه مشخصاتى
 وفى بداية حوارى مع آمال طليمات أو (ميمى) كما يناديها  المقربون إليها سألتها عن والدها الفنان الكبير زكى طليمات.. قالت إنه ينتمى لأسرة عريقة عاشت فى الإسكندرية، لكن أسرته تبرأت منه بعد احترافه لفن التمثيل حيث كانوا يطلقون على الممثل فى هذا الوقت اسم (المشخصاتى) تحقيرًا من شأنه !!
 لكن والدى أصر على هذا الأمر فكان أن تبرأوا منه خاصة أن شقيقه سعيد طليمات محامى الخديو ومركزه كبير فى الدولة، وبدلا من أن يتراجع والدى عن التمثيل قرر أن يحترفه بعد دراسته بعناية، وسافر إلى فرنسا والتحق بمعهد التمثيل فى باريس حتى يلم بكل أسرار هذا الفن.
 ∎ وكيف تعرف على جدتى روزاليوسف؟
 أجابته قائلة: طبيعى أن يلتقى بها ماداما يعملان سويا فى الفن، وبدأت العلاقة بينهما بعد طلاقها من جدك محمد عبدالقدوس ، وتزوجا فى سنة 1923 م وكنت أنا ثمرة هذا الزواج فى أكتوبر سنة .1924
وتقول (آمال طليمات): أمى أعتزلت التمثيل نهائيا عندما بدأت بوادر الحمل عليها ورفضت أن تعود إليه من جديد، وكثرت خناقاتها مع يوسف وهبى واختلفا حول أسلوب العمل، وكانت أمى تصر على تقديم مسرحيات هادفة ترتقى بالفن وترفض نظرية الجمهور عايز كده، وأكدت ذلك فى مذكراتها، ولكن يوسف وهبى كانت له وجهة نظر أخرى، ولذلك أصبح التعاون بينهما مستحيلا، وكان من نتيجة ذلك أن تركت الوسط الفنى كله.
∎ ولماذا لم تتجه إلى العمل فى فرقة مسرحية أخرى بدلا من أن تقدم على مجال الصحافة ؟
أجابت : كان الحال من بعضه فالفرق الأخرى لم تكن أفضل حالا، وكانت ساخطة من أوضاع الوسط الفنى كله، وأرادت أن تعبر عن سخطها عن طريق مجلة تحارب من خلالها فساد الفن وتعمل بالكلمة من أجل ارتقائه.
∎ قلت: ولكنها لم تتلق تعليما منتظما.. فكيف خاضت هذا المجال ونجحت فيه؟
- كانت إجابتها: أمى رحمها الله طوال عمرها شاطرة وصاحبة إرادة حديدية وتعرف جيدا طريق النجاح، فمثلا عندما فكرت فى اسم المجلة طرح المقربون منها أسماء عدة، لكنها فاجأت الجميع قائلة: سأطلق اسمى على مجلتى الجديدة.
وهذا أمر ليس له مثيل، فلا توجد مجلة فى الدنيا كلها شرقا وغربا يوضع اسم صاحبها عليها إلا (روزاليوسف) : وكانت وجهة نظر أمى فى ذلك معقولة ومنطقية حيث إنها مشهورة على المسرح ويعرفها الجمهور جيدا، ومن الطبيعى أن يتخطف الناس مجلتها وتنفد من السوق فورا.
 وعن الرعيل الأول الذى قام بتأسيس المجلة قالت إنه يضم خمسة أشخاص مثل محمد التابعى وكان فى ذلك الوقت يعمل فى مجلس النواب ويكتب فى الصحافة باسم (حندس)، وأحمد حسن، وسعد الكفراوى وزكى طليمات وإبراهيم خليل، والأخير كان خاله عبدالقادر حمزة «صاحب» البلاغ الذى ساعد المجلة كثيرا. وفى سنة 1928 حدث تطور كبير إذ تحولت روزاليوسف إلى مجلة شاملة تتناول الأمور السياسية بعدما كانت تقتصر على الفن وحده، وهذا أمر يدعو للإعجاب بالطبع لأن أمى قدمت إلى مصر من بلاد الشام، ومع ذلك تناولت مجلتها الشئون السياسية من منطلق وطنى ومصرى 100٪.
 وفى هذا الوقت جاء إلى المجلة عدد من الصحفيين الذين لمعوا بعد ذلك مثل (مصطفى أمين وغيره)، ثم كامل الشناوى الذى كان مقربا من والدتى لدرجة أنها طلبت منه أن يعطينى دروسا فى اللغة العربية حيث كانت دراستى كلها فى المدارس التى دخلتها مثل الليسيه وغيرها بلغة أجنبية.
∎ شهامة لم تنسها أم كلثوم
 سألتها عن أصدقاء روزاليوسف فى الوسط الفنى، فأجابت: كانت الفنانة زينب صدقى مقربة منها، وربطتها بأم كلثوم علاقة متميزة والسبب فى ذلك قصة يعرفها القراء لأول مرة فقد وقعت وهى ما تزال مطربة ناشئة ولم تشتهر بعد- فى حب شخص مشهور وكانت ترسل له خطابات تعبر عن حبها له، ثم تبين أن هذا الرجل غير جدير بالثقة، وليست عنده أخلاق، والدليل على ذلك أنه عندما اختلف مع كوكب الشرق ذهب إلى روزاليوسف وطلب نشر هذه الخطابات مقابل مبلغ من المال وتظاهرت صاحبة المجلة بالموافقة، وعندما تسلمت الخطابات منه قامت بإرسالها إلى أم كلثوم. وكان من الطبيعى أن تحمل لها هذا الجميل طوال حياتها لأن نشر ما كتبته كان كفيلا بالقضاء على مستقبلها، وفى مقابل هذا الجميل قدمت أم كلثوم خاتما ثمينا لروزاليوسف تقديرا منها وعرفانا بهذا الموقف الشهم.
∎ سألت آمال طليمات، وماذا عن الفنان الكبير محمد عبدالوهاب ؟
 أجابته : كانت تربطه بها علاقة (كويسة)، وأنت تعلم أن هذا الفنان صديق الكل ويحاول أن يكسب الجميع إلى صفه.
ولا أنسى أمير الشعراء أحمد شوقى الأب الروحى لمحمد عبدالوهاب فقد كان معجبا بنضال أمى وكفاحها، وساعدها كثيرا ووقف إلى جانبها.
 وعن أصدقائها من السياسيين تقول آمال طليمات: عندما كانت المجلة وفدية كان زعماء الوفد من المقربين منها وعلى رأسهم النحاس باشا ومكرم عبيد سكرتير الوفد، ولكن بعد اختلافها معهم انقطعت العلاقة، ولكنها كانت تعرف جيدا العديد من الوزراء الذين تولوا قيادة مصر وعلى رأسهم أحمد ماهر والنقراشى والأخير قام بحبس ابنها إحسان بعدما انتقد السفير البريطانى فى مقال شهير أواسط الأربعينيات وكان تحت عنوان: (الرجل الذى يجب أن يذهب).
وتؤكد ابنة روزاليوسف أن أمها كانت متحفظة فى حياتها الخاصة، وشلة الأصدقاء كانت فى أضيق الحدود لأنها دوما مشغولة فى عملها، وأصدقاؤها اكتسبتهم من مخالطتهم فى العمل، ولم تعرف أحدا خارج هذا الإطار.
∎ أبى كان يحلم بأن أكون فنانة
∎ سألت (عمتى) عن حياتها وهى صغيرة فى كنف أمها ؟
أجابت : أمى كانت سيدة أعمال من الطراز الأول، واهتمامها بى يأتى فى المرتبة الثانية بعد عملها، وكانت تقبلنى وهى تقرأ الجرائد وأنا أستعد للذهاب إلى المدرسة، ورغم إرادتها الحديدية إلا أن قلبها طيب وتستطيع أن تكسبها بسهولة، أما بابا زكى (تقصد زكى طليمات) فقد كان أكثر اهتماما بى وتمنى أن أصبح مثله أعمل فى مجال الفن، ولذلك كنت (زبونة دائمة) على المسارح الشهيرة فى ذلك الوقت مثل مسرح (على الكسار) وكشكش بك وصالة بديعة مصابنى، لكن خاب أمله وظللت دوما بعيدة عن الفن وأن كنت أحبه وأتذوقه وأشاهد ما هو جيد منه.
∎أنا متحررة وأخى مختلف عنى!!
∎ وتطلق عمتى «آمال طليمات» مفاجأة عندما تقول: الفارق كبير بين حياتى والطريقة التى عاش بها أخى الكبير إحسان عبدالقدوس رحمه الله الذى عاش قبل زواجه فى بيئة متزمتة.
وتشرح ما تعنيه قائلة: عشت فى بيئة منفتحة تماما بين أمى السيدة المتحررة وأبى الفنان الذى درس فى أوروبا، ولم يختلف الأمر كثيرا بعد انفصالهما وعمرى تسع سنوات- أى فى سنة 1933- فقد ظلا صديقين.
وعن الراحل إحسان عبدالقدوس تقول: بعد انفصال والده عن روزاليوسف ذهب ليعيش فى العباسية حيث عائلة أبيه، وكان هناك فصل يكاد يكون تاما بين الرجال والنساء، وتأثر بالطبع بهذه البيئة فى حياته الخاصة، لكن كتاباته كانت تعبر عن بيئة أمه المتحررة، وهكذا إحسان عبدالقدوس مزيج من التزمت والتحرر، وعبر عن البيئة التى عاش فيها أفضل تعبير فى بعض قصصه، خاصة قصة أنا حرة والوسادة الخالية.. وأتذكر بهذه المناسبة أن أمى اشتكتنى له لأننى منطلقة وأركب «بسكلتة» مع ابن الجيران فى جاردن سيتى، حيث أعيش، فجاء غاضبا وضربنى بالقلم، وأخذنى إلى العباسية حيث مكثت هناك أسبوعا مع أسرة أبيه.
∎ النهايــــة
وعن يوم وفاتها تقول ابنتها أن روزاليوسف كانت تحب السينما وفى يوم الوفاة ذهبت إلى سينما ريفولى، وكانت بصحبتها زوجة المدير المالى للجريدة ملحوظة قبل الاستطراد: فلوس المجلة كانت لسنوات طويلة فى شنطة (الست) كما يطلقون عليها-فى روزاليوسف حتى أجبرها أبى إحسان عبدالقدوس على تعيين مدير مالى، وفى سينما ريفولى شعرت بالتعب، فطلبت من السيدة التى ترافقها مغادرة المكان فورا لأنها تعبانة وعندما خرجت لم تجد سائقها الخاص الأسطى إبراهيم، فاستقلت تاكسى إلى المنزل، حيث نامت على سريرها وفاضت روحها.
ويقول الكاتب الكبير يوسف إدريس تعليقا على هذا المشهد: لقد استأذنت من ملك الموت عزرائيل نصف ساعة حتى تموت فى منزلها بدلا من السينما!!
وقبل أن تختتم حوارها معى قالت: أتذكر بكل خير (دادة فاطمة) التى اعتنت بتربيتى لسنوات طويلة.. وشكرها واجب وأنا أتحدث عن حياتى وحياة أمى.∎