
أسامة سلامة
أفضل ما فعله الإخوان
لست مع الذين يعترضون على التغيير الوزارى الأخير، وأرى أن هذه الخطوة أفضل ما فعله الإخوان فى الفترة الأخيرة، ولعلها من المرات القليلة التى لا يستخدم فيها مكتب الإرشاد مبدأ «التقية» ولا يتخفون أو يحاولون التجمل، فقد جاءت التعديلات الوزارية إخوانية بشكل واضح لا يقبل الجدل أو المناقشة، هذه الصراحة غير المعتادة من الإخوان تدل على أنهم قرروا التحدى، وإعلان مباشر للجميع أن الجماعة لا تهتم بآراء المعارضين، بل إنها تراهم أضعف من مواجهتها، وأن أحدا لا يقدر على منازلتها، الجماعة قررت الاعتراف من خلال الوزارة الجديدة بأخونة الدولة، فمعظم الوزراء الجدد إما أنهم منتمون لها أو متأخونون بشكل علنى، وبما لا يدع مجالا للشك فى انتمائهم، ورغم أن الوزراء المبعدين لم يرفضوا أى مخطط للجماعة، ولم يعترضوا على أى قرار، بل كانوا أداة طيعة فى يد الجماعة ينفذون أوامرها، ويلبون مطالبها، ويحرصون على رضائها، إلا أن مكتب الإرشاد رأى أن دورهم انتهى وأنه آن الأوان للاعتماد بشكل واضح وصريح على أبناء الجماعة، فتعاملوا مع الوزراء السابقين بطريقة خيل الحكومة التى يتم التخلص منها بعد الانتهاء من الحاجة إليها، ولعل هذا هو المبرر الوحيد لهذا التغيير الوزارى الذى يشبه الكلام الساكت، فالوزراء الجدد ليسوا أكثر كفاءة ولا خبرة من المبعدين، ولا يحملون أفكارا إبداعية لحل المشاكل التى تعانى منها مصر، وبالطبع ليس الفشل هو السبب فى الاستغناء عن هؤلاء الوزراء، وإلا كان تم تغيير الوزارة بأكملها بما فيها رئيس الوزراء نفسه والذى أقر الجميع بفشله حتى إن أعضاء فى حزب الحرية والعدالة صرحوا أكثر من مرة أن أداء هشام قنديل مخيب للآمال، كما أن حلفاء الإخوان مثل حزب الوسط أقروا بفشله، أما حزب النور السلفى الحليف السابق والمختلف حاليا مع الجماعة فقد كان مصرا على تغيير رئيس الوزراء والوزارة بالكامل، أيضا ليس سبب الإبعاد أن الوزراء المستغنى عنهم لم ينفذوا خطة الحزب الاقتصادية أو التوجيهات التى أمليت عليهم لأنه أساسا لم يكن هناك خطاب تكليف للوزارة فى سابقة لم تعرفها مصر ولا دول العالم منذ ظهور الحكومات، وبالتالى لم يكن أمام أى وزير سوى الاجتهاد الشخصى وانتظار تلقى الأوامر التى تصدر حسب الحاجة والظروف وليس وفقا لمخطط واضح، والدليل على ذلك التراجع عن كثير من القرارات والقوانين بعد صدورها، كذلك ليس السبب هو التقاعس عن تنفيذ الأوامر حتى وإن كانت خطأ، فالوزراء كانوا يدافعون عن د. مرسى وأهله وعشيرته بكل قوة، بل إنهم من فرط حماسهم كانوا يتخيلون أشياء لم تحدث ويتكلمون عنها باعتبارها واقعا تراه العين، مثل وزير الزراعة الذى أعلن عن زيادة كبيرة فى محصول القمح هذا العام فى حين أن كل الفلاحين يفركون أعينهم خوفا من أن يكونوا قد أصيبوا بالعمى لأنهم لم يشاهدوا هذه الزيادة الكبيرة، أما وزير الاستثمار فقد أعلن أكثر من مرة عن وجود استثمارات كبيرة فى مصر وأنها واعدة وأن المشروعات الأجنبية والعربية قادمة، ويبدو أنه الوحيد فى مصر الذى يشاهد هذه الاستثمارات، فى حين أغلق الجميع أعينهم عنها، وزير المالية تبنى هو الآخر مشروع الصكوك الإسلامية بكل إخلاص ودافع عنه باعتباره الخلاص لمصر من مشاكلها الاقتصادية والأكثر أنه جرؤ على تطبيق الضريبة العقارية التى وضعها يوسف بطرس غالى وزير مالية مبارك وتراجع عن تنفيذها بعد الاعتراض الشعبى عليها، ولكن وزير مالية الإخوان المبعد عن منصبه وافق الجماعة على تنفيذها بدءا من يوليو القادم مع بعض التعديلات الطفيفة، نفس المنهج ينطبق على باقى الوزراء الذين سعوا لإرضاء القيادات الإخوانية بكل قوة، ولهذا فإن إبعادهم لم يكن بسبب عدم إخلاصهم للجماعة، ولكن لأن مكتب الإرشاد قرر أن يأتى بوزارة إخوانية خالصة استعدادا للانتخابات البرلمانية القادمة، واستكمالا لخطة التمكين، والتى تحتاج إلى الموثوق فيهم تماما ولا يكفى لها المطيعون المذعنون، إذن الإخوان كشفوا عن نواياهم التى لم يعودوا بحاجة إلى إخفائها أو تزويقها، ولعلهم بهذا التصرف قدموا خدمة جليلة لمعارضيهم لو أحسنوا استغلالها، فها هو التحدى واضح، فهل تتوحد المعارضة وتحدد هدفها؟! وهل تستغل غضب المواطنين الذى زاد بسبب التغيير الوزارى الأخير؟! أم أنها تضيع الفرصة مثلما أضاعت فرصا كثيرة من قبل، وتهدر الوقت فى السخرية من الوزارة الجديدة، وتكتفى بالظهور فى وسائل الإعلام، وتترك الشارع للإخوان والتيارات الإسلامية الأخرى يمرحون فيها كما يريدون، ويستكملون مخطط أخونة الدولة فى هدوء ودون مقاومة.