
هاني عبد الله
الخلفاء "السريون" للبغدادي!
وسط أجواء إعلامية «لاهثة» عن خلفاء «أبى بكر البغدادى» بعد مصرعه فى محافظة إدلب السورية؛ كان أن غرَّد الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» مُجددًا (يوم 29 أكتوبر المنقضى)، قائلًا : [«لقد تأكد للتو أن خليفة «أبى بكر البغدادى»- رقم واحد- قُتل على يد القوات الأمريكية.. فمَن كان سيتولى - على الأرجح - منصب القيادة، مات هو الآخر!]. وبحسب ما نقلته وسائل إعلام دولية عن «رسميين أمريكيين»؛ فإنَّ «دونالد ترامب» كان يعنى برقم واحد «أبا الحسن المهاجر»، الناطق باسم تنظيم الدولة.. وأن «المُهاجر» (الذى تولى موقعه بالعام 2016م)، قد قُتل فى عملية أخرى (تالية لعملية البغدادى) بقرية «عين البيضاء» السورية (بالقُرب من جربلس).
أمس الأول (الخميس)، كان أول تأكيد من قِبَل «تنظيم الدولة» (الإرهابى) للعمليتين.. إذْ أعلن التنظيم، عَبر الوكالة التابعة له «أعماق»، تعيين «خليفة» لأبى بكر البغدادى، هو شخص يُدعَى «أبى إبراهيم الهاشمى القرشى».. وأنه تم- كذلك- تعيين «أبى حمزة القرشى» متحدثًا خلفًا لـ«أبى الحسن المهاجر».
لم يكن اسم «أبو إبراهيم القرشى» معروفًا لمتابعى شأن التنظيمات الإرهابية، قبل تسميته من قِبَل التنظيم.. وهذا الأمرُ يُمكن تفهُّمه فى سياق طبيعة التكتم الشديد الذى تحيط به التنظيمات الإرهابية قياداتها؛ إذ قبل هذا الإعلان بيومين فقط، كان ثمة رواية أخرى «مثيرة» (لم تأخذ حظها من الانتشار) حول اسم (سِرّى) آخر لخلفاء البغدادى(!).. وهى رواية كان لها- فى الواقع- وجهان: وجْه «إيطالى»، وآخر «أمريكى»(!).
(1)- الخلفاء السّرّيُّون:
يبدأ الوجْه الإيطالى للرواية من صحيفة «إيل فوليو» (Il Foglio) اليومية؛ إذْ أعادت الصحيفة النبش فى الذاكرة حول القيادات الجهادية، وخلفاء البغدادى (وقت أن كانت جماعته لا تزال تابعة لتنظيم القاعدة)؛ لتُعيد- بَعد ذلك - التذكير باسم قيادى يُدعى «أبى عبدالله الحسنى».
.. وقالت الصحيفة، ما نصه:
فى أغسطس الماضى (أى قبل شهرين من الإعلان عن مصرع البغدادى)، ظهرت أخبار مزيفة- ولا أحد يعرف مَن قام بتوزيعها- عن حقيقة أنَّ «أبا بكر البغدادى» قد اختار أحد نوابه (عبدالله قرداش) لخلافته.. ولكن.. رُغْمَ أنَّ الخبر كان مزيفًا؛ فإنه- من المحتمل- أن يكون دليلًا فى اتجاه الحقيقة.. وتابعت الصحيفة: يوجد خليفة للبغدادى منذ مايو من العام 2010م (بالفعل!).. وأن نائبه (الذى ظَلَّ مجهولًا) هو أبو عبدالله الحسنى، الذى تمت الإشارة إليه، فى حينه، بأنه «قُرَشى» (مثل البغدادى!).. أى من المنتمين إلى أنساب النبى محمد، وفقًا لزعم التنظيم(!).
وفى الحقيقة؛ فإنَّ الصحيفة الإيطالية، كانت تُعيد بهذا الأمر التذكير بحركة التصعيد الداخلية التى شهدتها أروقة ما كان يُعرف باسم «تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق» (التابع لتنظيم القاعدة)، فى أعقاب تصفية عدد من قيادته بالعام 2010م (على أيدى القوات الأمريكية أيضًا!)؛ إذْ وفقًا لما نشرته «وكالة رويترز» فى 16مايو من العام نفسه، فإن مواقع الجهاديين على الإنترنت، بثَّت أن مجلس الحُكم بتنظيم «الدولة الإسلامية بالعراق» (ISI) اختار «أبا بكر البغدادى» (الحُسينى القُرَشى) كخليفة له.. كما اختار «أبا عبدالله» (الحسنى القُرَشى) نائبًا له ووزيرًا أول؛ إذ حَلَّ القياديان محل كُلٍّ من: «أبى أيوب المصرى» (المعروف باسم أبو حمزة المهاجر)، والقيادى «أبى عمر البغدادى»، اللذين قُتلا فى غارة بشمال بغداد الشهر الماضى (أى إبريل 2010م).
لكن.. بعد هذا الأمر (وفقًا لصحيفة «إيل فوليو» الإيطالية)، تم فَقْدُ مسار «أبى عبدالله الحسنى القُرَشى».. ولم تذكره الجماعة طوال السنوات التسع (الماضية).. ولم يظهر اسمه فى أى وثائق سرية(!).. إلّا أن شهادات بعض المنشقين عن التنظيم أشارت إلى نائب البغدادى تحت اسم «الحاج عبدالله».. ورجحت الصحيفة (بسبب وصفه بالحاج عبدالله) الجمع بينه وبين «قرداش» فى شخصية واحدة(!).
قَبْلَ ساعات قليلة من ظهور «الرواية الإيطالية»، كان أن ظهر اسم «أبو عبدالله الحسنى الهاشمى القُرَشى»، فى رواية (أمريكية) مشابهة.. وإن كانت دلالتها النهائية مُختلفة(!)؛ إذْ كان مصدرها، هذه المَرَّة، هو «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى» (أحد بيوت التفكير القريبة من دوائر المعلومات الأمريكية).
.. فتحت عنوان: (بَعد البغدادى: كيف يجدد تنظيم «الدولة الإسلامية» نشاطه؟)، ذكر كلٌ من: «كاثرين باور»، و«ماثيو ليفيت»، و«هارون ى. زيلين»، ما نصه: [يُعتبر نائب البغدادى، المدعو أبو عبدالله الحسنى (الحاج عبدالله)، أحد الخلفاء المحتملين للبغدادى، لاسيما فى ضوء الشائعات التى تقول إنه من سلالة قُريش، التى من شأنها أن توفر الغطاء الدينى له كخليفة محتمل جديد. كما كانت هناك شائعات بأن «عبدالله قرداش»- الضابط العراقى السابق- سيخلف البغدادى.. لكن الأدلة تستند إلى تصريح مزيف لـ تنظيم «الدولة الإسلامية»، لم يصدره التنظيم فعليَّا].
أى أن الروايتين (الأمريكية والإيطالية) اتفقتا على كذب الأنباء الواردة بتسمية «قرداش» كخليفة للبغدادى.. إلّا أنهما اختلفتا فى الطريقة النهائية لإعادة طرح اسم «عبدالله الحسنى القُرَشى».. ففيما طرحت «الرواية الإيطالية» شكوكًا حول احتمالية أن يكون «الحسنى» (نسبة إلى الحَسَن سبط الرسول محمد- ص) هو نفسه «قرداش»؛ فإن «الرواية الأمريكية» بصيغتها [القاطعة] تعاملت مع كل من «الحسنى» و«قرداش» على أنهما شخصين مختلفين(!).
لكن.. إن كان الوضع كذلك؛ فإن الخلط لم يزل مستمرًا؛ إذْ عندما طُرح اسم «أبى إبراهيم القُرَشى» أمس الأول، كان أن روَّج البعض إلى احتمالية أن يكون هو «الحاج عبدالله» الذى عرّفته وزارة الخارجية الأمريكية بأنه الخليفة المحتمل للبغدادى(!).
.. فهل هناك أى رابط بين «أبى إبراهيم القُرَشى»، الذى تمت تسميته أخيرًا، و«أبو عبدالله القُرَشى» الذى تحدثت عنه الروايتان السابقتان؟!.. الإجابة سيتكفل بها- يقينًا- الوقت.
ومع ذلك؛ فأيًّا كانت الإجابات (المُرتقبة) وسط هذا الكم من التكهنات؛ فإنَّ أيديولوجية تنظيم الدولة (داعش) وقائده الجديد، ستظل «فاعلة» لفترة من الوقت، وإن أصابها بعض الاضطراب فى الوقت الحالى؛ إذْ يمتلك التنظيم امتدادات (وفقًا لأحدث التقارير الأمنية الدولية) لا تزال قادرة على القيام بعمليات نوعية مزعجة، فى أكثر من منطقة بالعالم.. وهو ما سنعرض له [إجمالًا].
(2)- الوضع بالشام:
وفقًا للتقارير الدولية؛ فإن أولوية «تنظيم الدولة» بَعد الهزيمة الإقليمية التى مُنِىَ بها، تتمثل فى تحقيق أمن ورفاه أعضاء قيادته العليا. ولا تبدى الجماعة اهتمامًا يُذكر بأعضائها العاديين، بمَن فيهم أولئك الموجودون فى المخيمات.. كما عكف التنظيم (خلال الفترة الماضية) على القيام بأنشطة إجرامية جديدة، والاستفادة من الأموال التى يكتسبها من خلال الأعمال التجارية.. ومع انتهاء «دولة الخلافة» فى سوريا، توزع بعض قادة تنظيم الدولة الإسلامية فى الجمهورية العربية السورية على مناطق أخرى فى مختلف أنحاء البلد؛ حيث تسعى الجماعة إلى نقل الأموال إليهم مع إخفاء مواقعهم.. وهذه هى الأولوية بالنسبة للموارد المالية المتاحة للتنظيم.. ويُقَدَّر أن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) لا يزال يحتفظ بمبلغ يتراوح بين 50 مليون دولار و300 مليون دولار من إيرادات «دولة الخلافة». ومواقع هذه الاحتياطيات، وكذلك سُبُل الوصول إليها؛ لاستخدامها فى العمليات غير المعلومة.. وقد توجد مخابئ تضم آثارًا وتُحفًا ثقافية يُزمع بيعها فى المستقبل، رُغْم أنها لا تُشكّل نسبة كبيرة من أصول تنظيم الدولة الإسلامية.
والتحويلات المالية (بحسب تقرير مجلس الأمن الأخير)، التى تم الكشف عنها خلال الفترة المشمولة بالتقرير (أى حتى يوليو 2019م) جرَى أغلبها بمبالغ صغيرة؛ حيث كان الغرض منها هو تمويل سَفريات عودة المقاتلين الإرهابيين الأجانب.. وأُفيد، وفقًا للتقرير، بأن مقاتلى تنظيم الدولة يعتمدون على مصادر إضافية للمال، بما فيها البطاقات الائتمانية لأفراد أسرهم، وطلبات التبرعات المقدمة على منابر وسائل التواصل الاجتماعى، ومن خلال تطبيقات الرسائل المشفرة مثل تليجرام.. وهذه الأساليب جعلت من الصعب على السُّلطات الربط بين مختلف الأفراد، أو تفكيك الشبكات المنشأة.
كما أوضحت التقارير أن نحو 150 من عناصر تنظيم الدولة لا يزالون فى المناطق الواقعة جنوب دمشق (التى استعادتها حكومة الجمهورية العربية السورية).. وفى شرق الفرات، لا يزال نحو 800 من إرهابيى التنظيم طلقاء فى محافظتَى الرقة والحسكة.. وقد شن مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية هؤلاء ما لا يقل عن 30 هجومًا ضد الولايات المتحدة وقوات التحالف منذ بداية العام 2019م.
(3)- التنظيم فى إفريقيا:
اكتسب نشاط «تنظيم الدولة» فى جنوب ليبيا زَخَمًا نتيجة انشغال الجيش الوطنى الليبى بالمعركة الدائرة حول طرابلس.. ومنذ أن بدأ القتال حول العاصمة فى 4 إبريل من العام 2019م، هاجم مقاتلو التنظيم مرارًا مدن زلة والفقهاء وفزان.. وتمكنوا من الاستيلاء على هذه المُدن لساعات فى كل مرَّة، ونجحوا فى تحرير بعض سجناء التنظيم.. ولا تزال السُّلطات الليبية ناشطة فى الكشف عن الأنشطة ذات الصلة بالتنظيم ومتابعتها.. وفى 13إبريل، ألقت السُّلطات القبض على فرد مرتبط بتنظيم الدولة الإسلامية يُدعى: أنس أبربك الزوكى، ويُعرَف أيضًا باسم «أبو عبدالله الدرناوى»، وكان يُحضِّر لشن هجوم فى العاصمة.
ورُغْمَ أن مقاتلى تنظيم الدولة الإسلامية قد طُردوا فى المناطق الساحلية؛ فإنهم لا يزالون يشكلون تهديدًا كبيرًا فى المنطقة الواقعة جنوب الساحل التى تمتد من جنوب حقول النفط فى الشرق إلى الحدود مع الجزائر فى الغرب. وخلال الفترة المشمولة بالتقرير، كانت أبعد نقطة فى الجنوب سجل فيها التنظيم نشاطًا هى أم الأرانب فى الغرب وتزربو فى الشرق. وقُدِّر أن عدد مقاتلى التنظيم قد انخفض إلى بضع مئات.. وأفادت التقارير أن الشخص الوحيد الذى ليس ليبيًّا فى القيادة العليا لتنظيم الدولة فى ليبيا هو مواطن عراقى يُدعى: «أبو معاذ التكريتى»، فى حين أن بقية أعضاء القيادة مواطنون محليون.
ولا يزال يُعتَقد أن لدى التنظيم فى ليبيا موارد مالية كبيرة حصل عليها من مصادرة 50 مليون دينار ليبى من مؤسسات مالية موجودة فى سرت عندما كانت المدينة واقعة تحت سيطرته.. وأنَّ الجماعة تستثمر بعض مواردها فى مشاريع صغيرة ومتوسطة الحجم وفى مؤسسات التحويلات المالية الموجودة فى مُدن ساحلية منها طرابلس ومصراتة والخمس.. وأوضح بعض التقارير أن التنظيم سرق آثارًا من مدينة شحات فى الشمال الشرقى من ليبيا، وأن تلك الآثار قد ظهرت فى إحدى الدول الأوروبية(!).. كما تشمل مصادر الدخل الأخرى ابتزاز المواطنين «إتاوات الحماية» وفرض الضرائب على شبكات الإتجار بالبَشَر.. وبالإضافة إلى ذلك، أفيد بأن مبلغًا (لا يقل عن مليون يورو) دُفع فدية لتحرير العمال المنتمين إلى شركة نفط تعمل فى جنوب ليبيا.. ولم يَعُد التنظيم فى ليبيا بحاجة إلى مبالغ كبيرة من المال(!).
وفى المغرب، جرى تعطيل عدد من الخلايا الإرهابية خلال الأشهُر الماضية؛ ليصل بذلك عدد الخلايا التابعة لتنظيم الدولة، التى تم إلقاء القبض عليها وتفكيكها فى البلد إلى أكثر من 20 خلية فى السنوات الثلاث الأخيرة.. كما شهدت منطقة (غرب إفريقيا) زيادة حادة فى العنف، الذى يُحرِّض عليه المنتسبون لتنظيم الدولة أو تنظيم القاعدة، وزيادة فى الجهود المبذولة من أجل التجنيد.. ومن المحتمل أن يكون تنظيم الدولة الإسلامية فى الصحراء الكبرى قد تعاون مع تنظيم الدولة الإسلامية فى غرب إفريقيا فى هجوم مايو من العام 2019م، على قوات النيجر فى (تونغو- تونغو)، ومن المحتَمل أن يكون التنظيمان بصدد وضع قاعدة لوجستيات فى مدينة سوكوتو النيجيرية.
وتُعَد ولايتا بورنو ويوبى فى نيجيريا منطقتيْن رئيستَيْن للعمليات التى ينفذها «تنظيم الدولة» فى غرب إفريقيا، بمنطقة حوض بحيرة تشاد؛ حيث انصب تركيز الضغط فى الآونة الأخيرة على قوات النيجر للدفاع والأمن فى منطقة ديفا.. كما يوجد لتنظيم الدولة الإسلامية فى غرب إفريقيا نحو 4 آلاف مقاتل (متنافسًا بذلك مع تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام)، بوصفها أكبر مجموعة منتسبة للتنظيم خارج المنطقة الرئيسة.
وفى شرق إفريقيا لم يَدُم طويلًا الهدوءُ الحَذر الذى ساد بين عناصر تابعة لحركة الشباب وعناصر تنظيم الدولة الإسلامية فى الصومال عند اقتراب نهاية العام 2018م؛ حيث اندلعت اشتباكات بين الجماعتين فى مقديشيو، وبونتلاند؛ حيث حقق تنظيم الدولة الإسلامية مكاسب متواضعة.
وفى إبريل من العام 2019م، رفعت قيادة «تنظيم الدولة» راية ولاية التنظيم فى (وسط إفريقيا) إلى جانب رايات الجماعات المنتسبة لها، وقد زاد هذا الأمرُ من جرأة جماعة مدينة التوحيد والجهاد، التى بدأت تنشط تحت لواء ولاية تنظيم الدولة الإسلامية فى وسط أفريقيا.
(4)- الوجود الأوروبى:
وفقًا للتقرير الأخير الصادر عن «مجلس الأمن»، أيضًا.. فقد أبلغت الدول الأعضاء فى أوروبا عن تراجُع فى عدد الهجمات الناجحة، ولكنها ترَى أن المخاطر لا تزال مرتفعة، فالدعاية عَبْرَ الإنترنت التى تشجع على تنفيذ هجمات مستوحاة من التنظيم، وتَعتمد وسائل تكنولوجية بسيطة لا تزال متوافرة.. ويسعى تنظيم الدولة (الأم) إلى تطوير المهارات التقنية للمهاجمين المحتملين.. وهو ما يتم أحيانًا من خلال نشر برامج تعليمية على الإنترنت تخص كيفية صُنع أسلحة كيميائية وبيولوجية محلية الصُّنع، ومع ذلك؛ فإن الخطر الكيميائى والبيولوجى والإشعاعى والنووى الذى يشكله تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) يبقى منخفضًا؛ بسبب تعقيد صُنع هذه الأجهزة، وصعوبة إيصالها من دون أن تكتشفها السُّلطات.
وأعرب عدد من دول أوروبا عن قلقهم المتزايد من احتمال شن مواطنيها لهجمات إرهابية (ناشئة محليًّا)؛ نتيجة الصعوبات التى تواجه التنظيم فى إرسال عناصر إلى أوروبا.. ولاحظت أجهزة الأمن فى أوروبا وجود معدل مرتفع نسبيًا من الهجمات المعطلة بسبب افتقار المهاجمين المحتملين إلى المهارة واستخدامهم أساليب بسيطة.. ولا يزال نشر الفكر المتشدد لدَى المجرمين داخل نظام السجون يشكل مصدرَ قلق بالغ فى أوروبا؛ إذْ توفر السجون حيزًا يتأثر داخله السجناء الذين يعانون من الفقر والتهميش والإحباط، وتدنى احترام الذات والعنف بالأيديولوجيات المتشددة.. ومن المتوقع أن يتم فى العام المقبل (أى العام 2020م)، إخلاء سبيل بعض من السجناء الذين شكلوا الموجة الأولى من العائدين من «دولة الخلافة».
وتُقدر الدول الأوروبية أن ما يتراوح بين 5 آلاف و 6 آلاف إرهابى (أجنبى) سافروا من أوروبا إلى منطقة النزاع فى العراق والجمهورية العربية السورية.. وقد انضم 75 % من هؤلاء إلى تنظيم الدولة.. وتبلغ نسبة القتلى الذين تم الإبلاغ عنهم ما بين 30و40 %، بينما لا يزال 10 إلى 15 % محتجزين فى المنطقة.. فيما نقل 10 إلى 15 % منهم إلى أماكن أخرى، وعاد 30 إلى 40 % منهم إلى أوروبا.. ولا يزال مصير الكثيرين منهم مجهولًا.
(5)- التواجد الآسيوى:
تُقدر الدول الأعضاء فى آسيا الوسطى (بحسب مجلس الأمن) أن أكبر تهديد إرهابى لديها يأتى من مواطنيها الذين سافروا إلى الجمهورية العربية السورية والعراق، وبدرجة أقل، إلى أفغانستان؛ حيث ينتسبون إلى عديد المنظمات الإرهابية، ويواصل المقاتلون الإرهابيون الأجانب محاولة السَّفَر إلى منطقة النزاع، وإن كان ذلك على نطاق أصغر بكثير مما كان عليه الحال فى الأعوام السابقة. ويتم استهداف العمال المهاجرين الأوزبك والطاجيك فى جمهورية كوريا والاتحاد الروسى وتركيا وفى بِلدان أخرى حيث توجد جاليات كبيرة من المغتربين من خلال الدعاية والتجنيد عبر شبكة الإنترنت.
وفى الجمهورية العربية السورية والعراق، انضم نحو 1500 مقاتل من طاجيكستان إلى الجماعات الإرهابية القائمة، ويُعتَقد أن 600 منهم لا يزالون على قيد الحياة، ويُعتبر «جول مراد خاليموف» قائدهم.. وقد فَقَدَ منصبه كوزير للحرب فى تنظيم الدولة الإسلامية.. ويُقال إنه يوجد فى إدلب، ويستهدف المواطنين من آسيا الوسطى فى الجمهورية العربية السورية الأوزبك والطاجيك بلغاتهم الأم من خلال التجنيد عَبر شبكة الإنترنت.. وتشجعهم هذه الدعاية على السَّفَر إلى منطقة النزاع وجمع المال، وإنشاء خلايا نائمة فى بِلدانهم الأصلية.. وفى العام 2019م أسفرت عمليات مشتركة قادتها دوائر خاصة ببِلدان المنطقة عن إلقاء القبض على 26 عضوًا من أعضاء تنظيم الدولة الإسلامية، كان بعضهم من العائدين.. ووفقًا لتقارير الدول الأعضاء، يملك (تنظيم الدولة الإسلامية/ ولاية خراسان) قدرة قوية للحصول على إيرادات من استغلال الموارد المحلية من المعادن والأخشاب والطلق. وتعمد الجماعة أيضًا إلى ابتزاز السكان المحليين والاختطاف طلبًا للفدية.
وفى جنوب شرق آسيا.. كان أخطر هجوم تم تنفيذه ذاك الذى نُفذ فى 27يناير من العام الجارى فى جولو (على الطرف الجنوبى الغربى من مينداناو فى الفلبين)؛ حيث انفجرت قنبلتان بفارق دقائق قليلة فى كاتدرائية الروم الكاثوليك خلال قداس يوم الأحد، ما أسْفَر عن مقتل 23 شخصًا وجرح أكثر من 100 شخص. ونُسب الهجوم إلى جماعة أبو سياف (إحدى الجماعات المنتسبة إلى تنظيم الدولة).. وظل العنف فى جنوب الفلبين المرتبط بجماعة أبو سياف ثابتًا فى النصف الأول من العام 2019م.. وكثيرًا ما تشتبك قوات الأمن الفلبينية مع جماعة أبو سياف، وتبلغ بانتظام عن اشتباكات تتسبب فى وقوع إصابات فى كلا الجانبين.
ولا تزال السُّلطات الإندونيسية تواجه التحديات المرتبطة بالجماعات المنتسبة إلى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).. ففى مارس من العام الجارى، قامت زوجة أحد قادة جماعة أنصار الدولة (ألقى القبض عليه أخيرًا)، هى وأطفالها بتفجير أنفسهم أثناء مواجهة مع الشرطة فى منزلهم بجزيرة سومطرة، وفى مايو، أحبطت السُّلطات الإندونيسية مؤامرة إرهابية لخلية منشقة عن جماعة أنصار الدولة. واتهم عضو فى الخلية بصُنع قنابل فى مختبر منزلى باستخدام بروكسيد الأسيتون، وكان من المقرر تفجير هذه القنابل بالتزامن مع الإعلان عن نتائج الانتخابات فى البلد.. وخلال شهر مايو، أيضًا، أفاد المسئولون المعنيون بمكافحة الإرهاب بإندونيسيا بإلقاء القبض على 41 شخصًا ينتسبون إلى جماعة أنصار الدولة ومن بين العائدين من المقاتلين الإرهابيين الأجانب، بالإضافة إلى مصادرة خمس قنابل غير منفجرة ونحو 350 كيلو جرامًا من المواد المتفجرة.
كذلك، كشفت السُّلطات الماليزية أنشطة إرهابية مرتبطة بـ«تنظيم الدولة»، وقامت بتعطيلها.. وفى فبراير ومايو الماضيَيْن، أعلنت الشرطة عن سلسلة من عمليات القبض على عدد من الأفراد، كان البعض منهم قد تَلقَّى تدريبات فى صُنع القنابل من جماعة أنصار الدولة.. وكانوا يسعون إلى استهداف أماكن للعبادة لغير المسلمين.. وسَلطت إحدى الدول الأعضاء (بحسب تقرير مجلس الأمن) الضوء فى فبراير من العام الجارى على عمليات القبض على مواطنين سنغافوريين، كان أحدهم يتخذ من ماليزيا مقرًا له.. وكان قد قدَّم دعمًا ماليًا لمقاتل ماليزى بارز فى تنظيم الدولة الإسلامية بالجمهورية العربية السورية يُعرف باسم «عقيل زينل»، ويساور الدول الأعضاء القلق من أن استهداف أماكن العبادة فى جنوب شرق آسيا وسريلانكا قد يتحول إلى اتجاه سائد فى عمليات «تنظيم الدولة».
(6)- نقطة نظام:
مَن يصنع «الإرهاب».. لا يحاربه!.