الخميس 29 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي
عزيزي الأحمق!

عزيزي الأحمق!


على مخادع «الحب الخشن» بين واشنطن وأنقرة، ربما يُمكننا أن نفهم عديدًا من تقاطعات السياسة (الأمريكية/ التركية) فوق الأراضى السورية.. إذ يبقى الضوء الأخضر للعلاقة، مرهونًا بعبارات العنف أحيانًا (!)
لذلك.. عندما انطلقت «العملية العسكرية التركية» بالشمال السورى فى 9 أكتوبر الجارى،كان أن أرسل الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» لنظيره التركى «رجب طيب إردوغان» رسالة من هذا النوع (!)


قال «ترامب»: «دعنا نعقد صفقة جيدة!.. أنت لا تريد أن تكون مسئولاً عن قتل الآلاف من الناس، وأنا لا أريد أن أكون مسئولاً عن تدمير الاقتصاد التركى - ولسوف أفعل.. لقد قدمت لك بالفعل مثالاً بسيطًا على هذا بقضية القس برونسون.. لقد عملت بجد على حل جزء من مشاكلك، لا تجعل الأمور تنهار، يُمكنك أن تعقد صفقة جيدة.. الجنرال مظلوم [قائد قوات سوريا الديمقراطية]، مستعد للتفاوض معك، وهو جاهز لتقديم تنازلات لم يسبق له تقديمها بالماضى، وأرفق -سرًّا- نسخة من رسالته التى استلمتها للتو.. سيشهد التاريخ إنْ أنت أحسنت التصرف فى هذا الصدد، وستكون شيطانًا للأبد إنْ سلكت طريقًا آخر».
.. وختم ترامب رسالته قائلاً: (لا تكن خشنًا.. لا تكن أحمقًا!).. سوف أتصل بك فى وقت لاحق: [المخلص: دونالد ترامب].

تقتضى القراءة «الواقعية» لرسالة ترامب (مع بدء اليوم الأول للغزو التركى)، ألا نسقط افتراضًا أن التحرك العسكرى لأنقرة فى الشمال السورى، لم يكن خارجًا عن إطار العلاقة الاتفاقية (أو التوافقية) قبل الغزو، بين أنقرة وواشنطن.. إذ تدعم -كذلك- عبارات الرسالة (خصوصًا توجيهات حُسن التصرف) هذا التوجه، من حيث الأصل.
.. كما أنَّ هذا التوجه (نفسه) لم يكن خافيًا عن عديد من الدوائر الأمريكية الأخرى، التى شنت انتقادات مباشرة لسياسات الرئيس الأمريكى، فى سوريا.. إذ واجه الرئيس الأمريكى، بامتداد الأسبوع المنصرم (وحتى كتابة هذه السطور) عديدًا من الانتقادات، حول قراره بسحب القوات الأمريكية من الشمال السورى.. ووفقًا للرؤية الانتقادية ذاتها، فإنَّ قرار الانسحاب، كان بمثابة «الضوء الأخضر» الذى منحه «البيت الأبيض» لتركيا؛ لشن هجومها العسكرى على الأراضى السورية.
ففى تحالف حزبى (وصف بالنادر) بين الجمهوريين والديمقراطيين على السواء، انضم (منتصف الأربعاء الماضى) نحو 129 نائبًا جمهوريًا إلى أعضاء «الحزب الديمقراطى» فى التنديد (رسميًّا) بقرار ترامب، بمجلس النواب.. وطالب القرار المشترك (حصد موافقة 354 نائبًا مقابل اعتراض 60 آخرين) بضرورة وضع حد للتحركات العسكرية التركية بالشمال السورى.
كما شهد أمس الأول (الخميس) مواجهة حادة بين «نانسى بيلوسى» رئيسة مجلس النواب الأمريكى، وترامب.. وفيما وضعت «بيلوسى» (بعد خروجها غاضبة من اللقاء) صورة المشادة بينها وبين الرئيس الأمريكى خلفية لصفحتها على موقع التواصل ( تويتر)، شكك «ترامب» فى تغريدة، على الموقع ذاته، فى سلامة قواها العقلية (!).

بحسب عديد من الملاحظات، التى يمكن أن نثبتها فى سياق تتبع أحداث الموقف الأمريكى، لم  يكن المشهد الذى انتهى بمشادة بين «نانسى بيلوسى»، و«دونالد ترامب» (يوم الخميس الماضى) مُستبعدًا عن سياق المواقف (المُربكة) للإدارة الأمريكية الحالية.. إذ فى اليوم التالى لعملية الغزو (10 أكتوبر).. كان ثمة لقاء [مُهم] داخل وزارة الخارجية الأمريكية (فى عصر اليوم ذاته)، دار – فى مجمله – حول تداعيات الموقف داخل الأراضى السورية (مع عديد من وسائل الإعلام، من دون الكشف عن هوية القيادات المتحدثة).
وفى بداية اللقاء، فضَّل مسئول (رفيع المستوى بوزارة الخارجية)، أن يبدأ الجلسة انطلاقًا من تغريدة جديدة لـ«ترامب».. وقال: اسمحوا لى أن أبدأ بتغريدة صدرت للتو من الرئيس بعد ظهر هذا اليوم: «لدينا ثلاثة خيارات: إرسال الآلاف من القوات والفوز عسكريًا/ فرض العقوبات المالية على تركيا/ التوسط لعقد صفقة بين تركيا والأكراد».. وتابع: «هذا هو ملخص موجز للموقف الدرامى والخطير للغاية!».. وأشار «المسئول رفيع المستوى» إلى أن ما حدث جاء بعد مكالمة ترامب وإردوغان؛ إذ أخبره الرئيس التركى بأن الحل الوسط الذى تم التوصل إليه مع تركيا، حول الأوضاع فى شمال شرقى سوريا، لم يعد كافيًا بالنسبة لمصالح تركيا الأمنية.
وبمزيد من الشرح، قال المسئول الأمريكي: أعتقد أن معظمكم يعرف أننا نتفاوض مع تركيا منذ عدة سنوات حول الوضع فى شمال شرق سوريا، لقد كانت وما زالت لدينا مهمة عسكرية كبيرة هناك؛ لضمان هزيمة «داعش»، بالإضافة إلى مهامنا الأخرى فى الشرق الأدنى.. وللقيام بذلك نحتاج إلى شريك على الأرض.. وكان هذا الشريك هو قوات سوريا الديمقراطية، التى كان عنصرها الرئيسى هو وحدات حماية الشعب (الفرع السورى لحزب العمال الكردستانى).. وهذا بالطبع هو مشكلة تركيا.. لذا فإن تركيا لديها مخاوفها الأمنية، وهو ما أشار إليه الرئيس (أى دونالد ترامب) مرارًا وتكرارًا.. ولكن الشعب بشمال شرق سوريا، بما فى ذلك السكان الأكراد،  لديهم مخاوفهم الخاصة أيضًا، كما لدينا مجموعة مهمة للغاية من المصالح الأمنية بالمنطقة ذاتها.. وأدى ذلك إلى التفاوض حول الآلية الأمنية المشتركة، والأنشطة الأخرى التى كنا نقوم بها لضمان ذلك بامتداد يقرب من 30 كيلومترًا، وبما يمكن أن يكون تأكيدًا [أكبر] لتركيا على أن الولايات المتحدة: (أ- لم تشارك فى بعض المؤامرات ضدها مع وحدات حماية الشعب/ ب- عدم وجود تراكم للقوات من شأنه أن يهدد تركيا).
.. وأجمل المسئول (رفيع المستوى) موقف إدارة دونالد ترامب من الغزو، قائلاً:
أولاً: لن تؤيد الولايات المتحدة هذا الغزو؛ ولن تعطيه الغطاء السياسى المطلوب.
ثانيًا: لن تقدم الولايات المتحدة أى دعم عسكرى.. رُغم أن الأتراك طلبوا هذا الأمر على مستويات متنوعة، وفى أوقات مختلفة.
ثالثًا: لن تعارض الولايات المتحدة الغزو عسكريًا، إذ إن تركيا حليف لها بـ«حلف الناتو».
أخيرًا: إذا تصرفت تركيا بطريقة غير مناسبة أو تجاوزت الحدود التى فى ذهن الرئيس، فإن الولايات المتحدة مستعدة لفرض عقوبات باهظة التكاليف، وهذا ما قاله الرئيس فى تغريدته (!).
وفى مواجهة الأسئلة، حاول مسئولو وزارة الخارجية الأمريكية (أكثر من مرة) نفى الاتهامات بوجود: (ضوء أمريكى أخضر للغزو/ أو أن هناك انتقادات من قبل «البنتاجون» لطريقة إدارة الموقف بشمال سوريا من قبل ترامب).. وهو ما لم يكن -بدوره- مقنعًا لعديد من المراقبين.
.. وفى مقابل هذا الأمر جدد مسئولو وزارة الخارجية الأمريكية الإشارة إلى أنه إذا اتخذت تركيا إجراءات «غير متناسبة» والأهداف التى أعلمت بها الولايات المتحدة قبل العملية، قد يفرض عليها «ترامب» عقوبات كبيرة».. ومن المحتمل أن تنشأ هذه التحذيرات من واقع ضغط الكونجرس على الإدارة الأمريكية؛ لعقوبات على تركيا بسبب إطلاقها العملية، من حيث الأصل.. وأن هناك نافذة محدودة أمام أنقرة لتحقيق أهدافها الأساسية (!).
ورُغم ما حاول المسئولون الأمريكيون الترويج له إعلاميًّا، مع بدء عمليات الغزو التركى لشمال سوريا (وما قاله بيان البيت الأبيض حول مسئولية أنقرة عن مسجونى داعش، قبل الغزو بـ 3 أيام).. إلا أن عددًا من التقارير أفاد بهروب عناصر تنتمى لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) من سجن فى «القامشلى» خلال الأيام الأولى من التوغل نتيجة القصف التركى القريب من سِجنهم (!).. ومع ذلك، بدا أن هناك تمسكًا من قبل المسئولين الأمريكيين بأن الإدارة الأمريكية لن تؤيد الغزو أو تساعده، إلّا أنها لن تعارضه عسكريًا أيضًا (!).
وبحسب أنباء متناثرة.. فإنَّ الموقف الأمريكى [ربما] قبل بالسماح باستمرار العملية العسكرية التركية حتى منتصف نوفمبر المقبل.. أى حتى اللقاء المرتقب بين ترامب وإردوغان بالعاصمة الأمريكية «واشنطن» (!).

بامتداد ما يتجاوز 200 ساعة (حتى مساء الخميس الماضى) من جرائم الحرب، التى ارتكبها سفاح أنقرة «رجب طيب إردوغان»، كان ثمة عديد من المؤشرات، التى تُضعف -بدورها-  من نبرة التهديدات الأمريكية؛ إذ تم حمل الأمر على أنه نوع من أنواع امتصاص «حالات الغضب» الممتدة جراء الغزو التركى للشمال السورى.
ففى أعقاب لقاء نائب الرئيس الأمريكى (مايك بينس) بالتركى «رجب طيب إردوغان»، مساء أمس الأول (وهو اللقاء الذى قبلته أنقرة رغم إعلانها رفضه قبل أيام!)، كان أن أصدر مكتب «بينس» بيانًا يتضمن تفاصيل ما تم وصفه بـ«اتفاق وقف إطلاق النار فى شمال شرق سوريا»، وتعليق العملية العسكرية التركية (خلال 5 أيام).. وجاءت بنود الاتفاق فى 13 بندًا، كانت كالآتي:
(1)- تعيد الولايات المتحدة وتركيا تأكيد علاقتهما كحليفين فى الناتو، وتتفهم الولايات المتحدة المخاوف الأمنية المشروعة لتركيا على حدودها الجنوبية.
(2)- توافق تركيا والولايات المتحدة على أن الظروف على الأرض -ولاسيما شمال شرق سوريا- تتطلب تنسيقًا أوثق على أساس المصالح المشتركة.
(3)- تظل تركيا والولايات المتحدة ملتزمتين بحماية مناطق الناتو وسكان الناتو من جميع التهديدات بفهم متين لـ«واحد للجميع والجميع لواحد».
(4)- يؤكد البلدان التزامهما بدعم الحياة الإنسانية وحقوق الإنسان وحماية المجتمعات الدينية والعرقية.
(5)- تلتزم تركيا والولايات المتحدة بمحاربة أنشطة داعش فى شمال شرق سوريا، وسيشمل ذلك التنسيق بشأن مرافق الاحتجاز والمشردين داخليًا من المناطق التى كان يسيطر عليها داعش / قبل ذلك، حسب ما يقتضيه الوضع.
(6)- تتفق تركيا والولايات المتحدة على أن عمليات مكافحة الإرهاب يجب أن تستهدف الإرهابيين وحدهم ومخابئهم ومآويهم ومواقعهم والأسلحة والمركبات والمعدات.
(7)- أعرب الجانب التركى عن التزامه بضمان سلامة ورفاهية سكان جميع المراكز السكانية فى المنطقة الآمنة التى تسيطر عليها القوات التركية (المنطقة الآمنة)، والتأكيد من جديد على أنه سيتم ممارسة أقصى درجات الحرص حتى لا تقع أى أضرار للمدنيين، والبنى التحتية المدنية.
(8)- يؤكد البلدان التزامهما بوحدة سوريا السياسية ووحدة أراضيها والعملية السياسية التى تقودها الأمم المتحدة، والتى تهدف إلى إنهاء النزاع السورى وفقًا لقرار مجلس الأمن رقم 2254.
(9)- اتفق الجانبان على استمرار أهمية إنشاء منطقة آمنة ووظيفتها «معالجة شواغل الأمن القومى لتركيا»، بما فى ذلك إعادة جمع الأسلحة الثقيلة من وحدات حماية الشعب وتعطيل تحصيناتهم وجميع مواقع القتال الأخرى.
(10)- ستنفذ القوات المسلحة التركية المنطقة الآمنة فى المقام الأول وسيزيد الجانبان تعاونهما فى جميع أبعاد تنفيذها.
(11)- سيوقف الجانب التركى عملية «نبع السلام» من أجل السماح بسحب وحدات حماية الشعب من المنطقة الآمنة خلال 120 ساعة، وسيتم إيقاف عملية «نبع السلام» عند الانتهاء من هذا الانسحاب.
(12)- بمجرد إيقاف عملية «نبع السلام»، توافق الولايات المتحدة على عدم مواصلة فرض العقوبات بموجب الأمر التنفيذى الصادر فى 14 أكتوبر 2019،  بحظر الممتلكات وتعليق دخول أشخاص معينين يساهمون فى الوضع فى سوريا.. وستعمل وتتشاور مع الكونجرس، للتأكيد على التقدم المحرز لتحقيق السلام والأمن فى سوريا، وفقًا لقرار مجلس الأمن رقم 2254.. وبمجرد إيقاف عملية «نبع السلام» وفقًا للفقرة 11،  تُرفع العقوبات الحالية بموجب الأمر التنفيذى المذكور.
(13)- يلتزم الطرفان بالعمل معًا لتنفيذ جميع الأهداف المحددة فى هذا البيان.

وفى الواقع.. فإنَّ التعامل [بحذر] مع بنود هذا الاتفاق، يقتضى -فى المقابل- التنبه جيدًا إلى أن ثمة ضوء أخضر (جديد) للإبقاء على الجزء الشمالى من الأرض السورية (العربية) تحت سيطرة داعم الإرهاب التركى لأجل غير معلوم (فى الوقت الحالى)، بزعم تنفيذ المنطقة الآمنة (!).. لكن.. إلى أى مدى يُمكن أن يستمر فرض سياسات الأمر الواقع على الشمال السوري؛ فهذا -قطعًا- ما ستجيب عنه الأيام القليلة المقبلة (سريعًا).