الثلاثاء 20 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي
أخلاق للبيع!

أخلاق للبيع!


فى فيلم «أرض النفاق» المأخوذ عن رواية «أخلاق للبيع» للكاتب الراحل يوسف السباعى، يعانى الموظف البسيط مسعود من اضطهاد رئيسه فى العمل، وسوء معاملة زوجته، وعدم تقدير جيرانه له وسخريتهم منه، وهو غير قادر على ردهم أو الدفاع عن نفسه فيستسلم لمصيره دون أى رفض أو اعتراض، وبالصدفة يعثر على دكان فى مكان منعزل يبيع الأخلاق، فيشترى منه حبوب الشجاعة، وعندما يسرى مفعولها فى دمه، ينتصر للفقراء والغلابة، وينحاز للمضطهدين، فيمنع زوجته بالقوة من ضرب الخادمة الصغيرة المسكينة، ويضرب معلم القهوة بسبب اعتداء الأخير على الصبى  الذى يعمل عنده فى القهوة، ويواجه رئيسه فى العمل ويقف أمامه رافضًا الخنوع، ويكسب احترام جيرانه الذين أصبحوا يهابونه ويخافون منه، ولكن الشجاعة وحدها لم تكن كافية لإصلاح أوضاعه، بل أضرت به، فزوجته تريد أن تطلقه، ورئيسه أحاله للتحقيق ويرغب فى رفته، ومعلم القهوة قدم فيه بلاغًا إلى الشرطة وأصبح مهددًا بالسجن، ويلجأ إلى صاحب الدكان لإنقاذه طالبًا منه منحه حبوب النفاق حتى يصلح ما أفسدته الشجاعة، وبالفعل تتبدل أحواله بعد تناولها، ويصبح من الأثرياء ويترقى فى عمله بل إنه أصبح فى مكان رئيسه فى العمل الذى صار يعمل تحت يده، ويستخدم زوجته وجارته الحسناء فى زيادة أمواله من عمليات الفساد  عن طريق عمل حفلات لعلية القوم تغازل فيها المرأتان رجال ذوى نفوذ وأثرياء كبار فى السن والمقام، بينما يستخدم هو مهارته فى النفاق فى الإيقاع بالسيدات المسنات متغزلًا فى جمالهن، ولكن يتبدل الأمر عندما يتناول بطريق الخطأ حبوب الصراحة، وينهار كل ما صنعه ويعود إلى وضعه السابق، ضعيف جبان عديم الشخصية، فيسرق أجولة الأخلاق والمروءة والصراحة والصدق من صاحب الدكان، ويلقى بها فى النيل وتتغير أحوال الناس، ويتحدثون بصراحة ويمتنعون عن الكذب، وتنتشر المروءة ، ولكن عندما  ينتهى مفعول الحبوب، يعود الناس إلى ما كانوا عليه، النفاق والكذب والجشع والاعتداء على الضعفاء والفقراء والمساكين وكل الشرور الأخرى، ويعود مسعود المسكين الغلبان المضطهد  من رئيسه وزوجته وجيرانه، أما الدكان فقد أغلق أبوابه لعدم وجود أخلاق، تذكرت هذا الفيلم الرائع والقصة الجميلة الموحية والمعبرة عندما شاهدت منذ أيام ما قام به بعض أعضاء البرلمان بتوجيه  انتقادات إلى الحكومة فى افتتاح دورة انعقاده الأخيرة، وقالوا إنهم سيوجهون رسائل خشنة إلى الحكومة إذا اقتضى الأمر، بل إن بعضهم قال إن أغلب الوزارات لا تقوم بدورها، وأنهم سينتصرون للغلابة والفقراء، ويطلبون العمل على رفع المعاناة عن كاهلهم، بل إن شجاعتهم وصلت إلى حد مطالبتهم  بمنح الإعلام مساحة أوسع من الحرية، وضرورة وجود الرأى الآخر والسماح به،  وتحريك الحياة السياسية  وتقوية الأحزاب، ومصدر الدهشة أن البرلمان لم يعترض على أى إجراء اتخذته الحكومة خلال أعوامه الأربعة السابقة، ولم يتم مناقشة أى استجواب خلال دورات انعقاده من قبل،  فما الذى جعل هؤلاء الأعضاء يغيرون موقفهم؟، وأخشى أن يكتشف هؤلاء النواب أنهم أخطأوا بتناول حبوب الشجاعة، أو تناولوها بطريق الخطأ، وينتهى مفعولها سريعًا، ووقتها سيبادرون بتناول حبوب النفاق لكى يستعيدوا ما خسروه، وسيبحثون عن دكان يعلق لافتة أخلاق للبيع .