الإثنين 26 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي
لصوص القرن!

لصوص القرن!


لم تكن– يقينًا– تلك العبارة التى أطلقها الرئيس الأمريكى، قبل أسبوع تقريبًا، نكتة.. وإن كانت فى جوهرها كذلك (!)
ففى 21 مارس الجارى، قال «دونالد ترامب» بإحدى «تغريداته» على موقع تويتر: «بعد 25 عامًا، لقد حان الوقت لكى تعترف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة إسرائيل الكاملة على «مرتفعات الجولان» [السورية]؛ لأسباب استراتيجية وأمنية قصوى بالنسبة لدولة إسرائيل.. والاستقرار الإقليمى!» (وعلامة التعجب الأخيرة من عند ترامب).


يتعجب «ترامب» – إذًا – مما حاول أن يسوقه بنفسه.. لم تصدق يداه– جزمًا– هاتين الكلمتين الواردتين فى نهاية التغريدة (نقصد: الاستقرار الإقليمى).
.. إذ عندما يتحول الترويج للاحتلال بوصفه نوعًا من أنواع الاستقرار، فإننا– بلا شك- أمام حالة كاملة من «اللصوصية» (لا تتوقف عند الاستيلاء على الأرض، بل تتجاوزها لسرقة الذهن العربى ذاته).. وهى حالة يمكن أن تنضم جنبًا إلى جنب مع كل «وعود اللصوصية» الأخرى، التى سلبت حقوق «الشعوب العربية» لحساب الكيان الصهيونى المحتل (ابتداءً من وعد بلفور، وحتى الاعتراف الأمريكى بالقدس كعاصمة لإسرائيل.. واختتامًا بالجولان).
عزفًا على الأوتار نفسها، قال وزير الخارجية الأمريكى «مايكل بومبيو»، يوم الأربعاء الماضى، خلال جلسة بالكونجرس: «إن قرار إدارة دونالد ترامب بالاعتراف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان سيساعد فى حل الصراع «الإسرائيلى/ الفلسطينى».. وذلك من خلال إزالة الغموض».. وقال أيضًا: «نعتقد أن هذا يزيد احتمال توصلنا إلى حل للصراع بين إسرائيل والفلسطينيين»! (وعلامة التعجب من عندى).

قبل أسبوع، تقريبًا، من قرار «سرقة الجولان» (أى فى منتصف مارس).. استوقفتنا (فى روزاليوسف) لغة تقرير وزارة الخارجية الأمريكية الـ43 حول ملف حقوق الإنسان.. وقلنا: [إنَّ تقرير الخارجية الأمريكية (على خلاف المتعارف عليه دوليًّا، وما اعتادت على توصيفه «الأمم المتحدة» تجاهل أن يُشير إلى كلٍ من: الضفة الغربية، وقطاع غزة، ومرتفعات الجولان (السورية) بوصفها أراضىَ مُحتلة]، ليرسخ توصيفها بأنها أراضٍ «تحت سيطرة إسرائيل» (أو السيادة الإسرائيلية).
ونبهنا إلى أن التقرير أتى بعد يومين، فقط، من دعوة السناتور الجمهورى «ليندسى جراهام»، الذى زار الجولان مع رئيس الوزراء الإسرائيلى «بنيامين نتنياهو»، والسفير الأمريكى لدى إسرائيل «ديفيد فريدمان».. من أجل الضغط للاعتراف الأمريكى بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان؛ إذ قال «جراهام»، حينها: هنا.. من فوق جرف يطل على سوريا، حيث يمكن رؤية الأعلام السورية وهى ترفرف فوق المبانى التى لحقت بها الأضرار خلال الحرب الأهلية بالبلاد.. إنها فى يد إسرائيل.. وستظل دائمًا فى يد إسرائيل ... و«هدفى هو محاولة شرح ذلك للإدارة» (!)
وفى الحقيقة.. لم تكن عبارات «جراهام» تعبيرًا عن اتجاه أمريكى مُعين يحاول إقناع «إدارة ترامب» برأى ما.. بقدر ما كانت كلماته– واقعيًّا-  تمهيدًا لقرار [نهائى] تم الاستقرار على اتخاذه بالفعل (!)

وفى الحقيقة، أيضًا.. لم تكن هذه هى المرة الأولى التى تضرب فيها «واشنطن» (حامية الحريات!) بكل قرارات الشرعية الدولية عُرض الحائط (ولا نحسبها– كذلك– الأخيرة).
ففى سياق القانون الدولى (كما يعرف كل من يحترمون القانون)، ثمة 10 حقوق أساسية للشعوب (تدخل- بجملتها- فى سياق حقوق الإنسان) تقتضى الإلزام، بالنسبة لأعضاء المجتمع الدولى كافة.. إذ إنَّ تلك الحقوق، حصرًا:
(1)- الحق فى تقرير المصير والاستقلال.
(2)- الحق فى المساواة مع الشعوب الأخرى.
(3)- الحق فى الدفاع الشرعى.
(4)- الحق فى المقاومة ضد الاحتلال الأجنبى، والاستعمار، والسيطرة غير الوطنية.
(5)- الحق فى السلام.
(6)- الحق فى الأمن.
(7)- الحق فى التنمية ومكافحة الفقر.
(8)- الحق فى السيادة الدائمة على موارد الثروة والأنشطة الاقتصادية بإقليم الدولة.
(9)- الحقوق «البينيَّة» داخل المجتمع.
(10)- الحقوق المتعلقة بالتراث المشترك للإنسانية.
وواقعيًّا.. يمكننا أن نُدرك، ببساطة بالغة (سواء أكنا ننظر إلى قرار الجولان أو غيره) أن «العم سام» وأولاده فى «تل أبيب» لا يعنيهم أىٌّ من تلك الحقوق فى مقابل ترسيخ آليات الاستعمار، وسياسات الهيمنة، واستنزاف الثروات.

تاريخيًّا.. يُمكن لقائمة الانتهاكات الأمريكية ألا تنتهى، إذا أردنا لها تعدادًا.. إذ تراوحت تلك الانتهاكات تارة بين توظيف «المجتمع الدولى» وتوجيهه لحساب الأجندة الأمريكية، أو تجاوزه تارة أخرى، لحساب السياسات «البراجماتية» ذاتها.. وفى هذا السياق، يمكننا أن نرصد الآتى:
 (أ)- وسط أجواء الدعاية المثالية عن الاحترام الأمريكى للقانون الدولى وحقوق الإنسان، لم يتنبه الكثيرون إلى أن «الولايات المتحدة الأمريكية» لم تنضم إلا لاتفاقيات دولية محددة، هي: المعاهدات الشاملة للأمم المتحدة، وميثاق منظمة الدول الأمريكية، واتفاق هلسنكى الخاص بالأمن والتعاون الأوروبى.. كما لم تنضم إلى الاتفاقيات والمعاهدات الخاصة بحقوق الإنسان، باستثناء: الاتفاقية المتعلقة بأوضاع اللاجئين بالعام 1951م، واتفاقية الحقوق السياسية للمرأة بالعام 1952م، والاتفاقية التكميلية لإبطال الرق بالعام 1956م.. وأسست–  فى المقابل– مجموعة فوقية (من القوانين الداخلية) لتجاوز إطار الشرعية الدولية إجمالاً.
(ب)- ابتدعت الولايات المتحدة الأمريكية– كذلك- ما أطلقت عليه «حق التدخل الإنسانى»؛ لفرض سيطرتها وتدخلها فى عديد من الشئون الداخلية للدول (سياسيًّا وعسكريًّا).. ووظفت فى هذا المضمار عددًا من الكيانات الدولية (حلف الناتو نموذجًا).
(ج)- مرورًا بعديدٍ من الإدارات الأمريكية المختلفة (سواء أكانت ديمقراطية أم جمهورية)، لم تتحرك «واشنطن» فى أى وقتٍ من الأوقات نحو تحصيل «الحقوق العربية» بقدر ما كانت تتحرك لحماية إسرائيل؛ إذ كثيرًا ما عرقلت مشاريع القرارات الدولية، التى لم تكن فى صالح تل أبيب (حق الفيتو بالأمم المتحدة نموذجًا).. ولعل ما تمارسه «إدارة ترامب»، الآن، هو الوجه الأكثر فجاجة، فى هذا السياق.
.. إذ عندما ملأوا الدنيا ضجيجًا بالحديث عن «سلام القرن»؛ كانت أياديهم تمتد لسرقة صفحات جديدة من جغرافيا الوطن العربى (!)