
هاني عبد الله
حديث الصواريخ!
بشكل شبه دوري؛ يتأزم الوضع أكثر (كلما اقتراب الموقف من الحسم).. ومع بداية العام الذى أوشك على الرحيل (أى العام 2018م)، تزداد حدة الأجندات [الدولية والإقليمية] تنافسًا داخل الأراضى السورية:
قوات أمريكية، متحالفة مع عددٍ من فصائل المعارضة.. باريس تحاول تثبيت أقدامها.. مناوشات مع (تركيا/ أردوغان).. عناصر كردية تحلم بدولتها المستقلة على أنقاض الأزمة، ولا مانع من التحالف مع «واشنطن» فى هذا السياق(!).. يتمدد النفوذ الإيرانى أكثر.. يُحكم «الدب الروسى» نفوذه داخل الإقليم.. أنباء [متلاحقة] عن تشكيل محاور عسكرية للتعامل مع الأزمة.. تزداد إسرائيل عنفًا.. تتجاوز هجماتها الجوية الـ 170 هجمة، منذ العام 2013م(!).. الحجة دائمًا هى «التمدد الإيرانى».
تفرض «واشنطن» حصارًا اقتصاديًا على «نظام الملالى» فى طهران (بعد الانسحاب من الاتفاق النووي).. تعلن «تل أبيب» عن توجساتها [إعلاميًا، ودعائيًا] من الوضع المستقبلى فى سوريا.. وتجدد تخوفاتها من الوجود الإيرانى فى دمشق.. تتناثر تقارير «عبرية»، عن أن هناك «احتضانًا اقتصاديًا» أوروبيًا لنظام بشار الأسد.. تتطاير تصريحات إسرائيلية بأنّ «تل أبيب» لن تقف على الحياد (حول كل ما يتعلق بالوضع فى سوريا خلال السنوات المقبلة).. مسئول سياسى إسرائيلى (رفيع المستوى) يقول: إن «الجيش الإسرائيلى» سيواصل العمل بكل حزم ضد محاولات إيران لنقل قوات عسكرية ومنظومات أسلحة إلى سوريا.
يتنافس كلٌ من إيران وروسيا على الفوز بمناقصات فى إطار مشاريع إعمار سوريا.. جزءٌ من هذه المشاريع سيتم تمويله عبر ما تبقى من آبار نفط فى البلاد.. تتحرك «إيران» بكل قوة للسيطرة على سوق الاتصالات السورية.. يُلمح الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» فى إبريل الماضى باحتمالية انسحابه من الأراضى السورية.. لا أحد يهتم كثيرًا(!)
يُعاد إخراج المشهد بين واشنطن وتل أبيب.. يروج البعض إلى أنَّ أمريكا تدفع إسرائيل إلى استخدام القوة(!).. يحل «بنيامين نتنياهو» على قصر الرئاسة الروسى (للمرة الثامنة فى أقل من عامين) بالتزامن مع تلميح ترامب للانسحاب من سوريا(!).. يمر الأمر مرور الكرام أيضًا(!)
تقول المعلومات إنّ الزيارات [الثمانية] استهدفت تفادى الصراع مع «القوات الروسیة» داخل الأراضى السورية(!).. يتردد أنّ «بوتين» لم يعد «نتنياهو» باحتواء الإیرانیین فى سوریا.. لكنه.. منح الطرفين (الإسرائیلى والإیراني) حریة التصرف كاملة(!).. لا ينتبه عديدٌ من المحللين إلى أنّ «الانسحاب الأمريكى»، و«الحياد الروسى» يُقرِّب من احتمالية التصادم بين «تل أبيب» و«طهران»(!)
يُعلن الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» قرار انسحاب القوات الأمريكية من الأراضى السورية، قبل أن يبدأ العام 2019م بأيام قليلة.. قبل هذا الوقت دار حديث عن مواجهات (سنية/ شيعية) مرتقبة.. دعوات لتشكيل تحالفات عسكرية على أسس مذهبية(!).. ينشغل المهتمون بشئون الشرق الأوسط بـ«الفراغ»(!).. أقصد الفراغ الذى يتركه الانسحاب الأمريكى(!)
تُعلن (تركيا/ أردوغان) أنها هى التى ستملأ الفراغ(!).. يقول وزير الخارجية التركى «مولود جاويش أوغلو» إنَّ أنقرة عازمة على العبور إلى شرق نهر الفرات [فى سوريا] بأسرع وقت ممكن(!).. وسائل إعلام تركية تحاول تصوير الأمر بأنه «انتصار لأردوغان» بعد أن نجح فى إقناع «ترامب» بالانسحاب(!).. ولا ينتبه كثيرون إلى أنَّ «ترامب» نفسه لوح بالانسحاب قبل 8 أشهر(!)
تتابع الاستقالات داخل «الإدارة الأمريكية» احتجاجًا على قرار الانسحاب.. تتجه التحليلات نحو أنَّ هناك انقسامًا بين «الإدارة الأمريكية» ودوائر صُنع القرار الأمريكى.. البعض يصف القرار بأنه «عشوائى»، وأن «ترامب» اعتاد مثل هذه القرارات العشوائية.. لا يلتفت الكثيرون إلى أنَّ القرار لم يكن مفاجأة كاملة(!).. تم التمهيد له قبل 8 أشهر من الآن(!).. ولا يلتفتون – كذلك – إلى أن هناك روافد أخرى تدعم خطة الانسحاب [فى إطار تحرك أكبر(!).. وأنَّ هذا التحرك ربما يكون انحيازًا لسيناريو [الحرب الإقليمية]، بدلاً من سيناريو «الاحتواء»(!)
ففيما قبل توقيع «الاتفاق النووى» بين نظام الملالى [فى طهران] والولايات المتحدة الأمريكية [فى عهد باراك أوباما]، كان «العقل الأمريكى» يدرس (بدأبٍ شديد) إمكانية تطور «الأسلحة الإيرانية» مُستقبلاً، وما يُمكن أن يُمثله هذا التطور (إن حدث) من تهديدات [مُحتملة] للمصالح الأمريكية والإسرائيلية بمنطقة الشرق الأوسط.
.. وكان أن أسفرت تلك الدراسة [التشريحية] عن 6 محاور [أو تساؤلات] رئيسية، يتحتم على صانعى السياسة الأمريكية أن ينظروا إليها بعين الاعتبار، وهم يضعون سياسة واشنطن تجاه إيران.. إذ دارت تلك التساؤلات حول الآتى:
1 - هل سيستخدم الإيرانيون الصواريخ الباليستية؟
اعتبر الأمريكيون أنّ التهديد الأول (والأكثر خطورة)، هو إمكانية حصول إيران على «الأسلحة النووية».. خصوصًا أنَّ عددًا من العروض العسكرية الإيرانية (عروض صواريخ شهاب 3)، كانت تحمل لافتات، كُتب عليها: «يجب محو إسرائيل»(!).. إلا أنَّ «أمن إسرائيل» لم يكن هو «التخوف» الأمريكى الوحيد، فى هذا السياق.. إذ إنّ تطوير الترسانة الإيرانية من شأنه أن يضع «حقول النفط»، و«القواعد العسكرية الأمريكية» بالخليج (إلى جانب الأهداف الأخرى ذات القيمة العالية) هدفًا لصواريخ طهران الباليستية [إذا رغبت إيران فى استخدامها].
2 - هل ستصل الأسلحة النووية إلى أيدى الميلشيات؟
أثارت العلاقات المتشعبة [والممتدة] لنظام طهران، مع عديدٍ ممن يتم توصيفهم بـ«الفاعلين من غير الدول» داخل منطقة الشرق الأوسط، عديدًا من المخاوف الأمريكية [والإسرائيلية] حول وصول التكنولوجيا النووية إلى أيدى تلك الجماعات، إذا ما نجحت «إيران» فى تطوير سلاحها النووى.. وضمت القائمة الأمريكية نحو 80 مجموعة إقليمية، منها: حزب الله فى لبنان (وفى أماكن أخرى حول العالم)، وحركة حماس، والجهاد الإسلامى (فى فلسطين)، وجيش المهدى، أو وحتى «تنظيم القاعدة» (فى العراق)، وحركة طالبان (فى أفغانستان)، وحزب العمال الكردستانى (PKK) فى تركيا.
.. وتركز التخوف – فى المقام الأول – على أسلوب «الحرب بالوكالة».. إذ من الممكن (وفقًا لهذا التصور) أن لا تستخدم طهران نفسها «الأسلحة النووية»؛ خوفًا من الانتقام (الأمريكي/ الإسرائيلي)، وأن تلجأ فى المقابل إلى تصدير تلك التكنولوجيا، على أمل استخدامها من قبل تلك الجماعات؛ لتحقيق أهداف «نظام الملالى» (مع حفاظ طهران على جانب معقول من الإنكار، حول هذا الأمر).
3 - سيناريو «الحرب غير المتكافئة»؟
كان هناك قلقٌ أكثر شيوعًا بشأن امتلاك إيران للأسلحة النووية، يتمركز حول أنه بمجرد امتلاك «طهران» للقدرات النووية، فإنها ستصبح أكثر عدوانية، معتقدة أنها باتت مُحصنة ضد أى انتقام عسكرى من أى دولة أخرى (بما فى ذلك الولايات المتحدة الأمريكية).
4- ابحث عن الاستفزاز الإسرائيلي؟
وجهات النظر الإسرائيلية اشتركت (مع الأمريكيين) فى جميع المخاوف السابقة.. ورُغم وجود مجموعة من السيناريوهات المعدة للتعامل مع التهديد الإيرانى [المُحتمل]؛ فإن سيناريو «الاستفزاز الإسرائيلى» كان أحد الخيارات المطروحة – بقوة – خلال تلك الفترة.. وأنه إذا كان القادة الإسرائيليون يدركون جيدًا عيوب شن غارة جوية (إسرائيلية) ضد المواقع النووية الإيرانية؛ فإنه لا يمكن لأحد (وفقًا للتصور الأمريكي) أن يفترض أنهم لن يحسبوا أن العائد [يمكن أن يكون يستحق التكلفة!].
5 - هل تشتعل حرب التسليح النووي؟
إن القليل من جيران إيران سيكونون سعداء برؤيتها تمتلك أسلحة نووية، أو حتى القدرة على إنتاج مثل هذه الأسلحة.. وبالتالى قد تقرر دول أخرى أنها بحاجة إلى السلاح نفسه؛ لضمان قدرتها على ردع طهران (بمفردها)، من دون الحاجة إلى الاعتماد على أى بلد آخر (للقيام بذلك نيابة عنها).. وهو احتمال يبدو [واقعيًا] فى ضوء الثروات النفطية التى تذخر بها المنطقة.. كما قد تقرر بلدان أخرى [بمنطقة الشرق الأوسط] السير بالطريق ذاته، وهو ما من شأنه أن يجعل جميع الأزمات بـ «الشرق الأوسط» أكثر خطورة مما هى عليه بالفعل.
6 - هل تموت معاهدة منع الانتشار النووي؟
لأن الكثير من جيران طهران يرونها كتهديد، فإنَّ محاولة البعض للحصول على أسلحة نووية خاصة بهم لتحقيق التوازن أو الردع، من شأنه أن يكون أحد المسامير فى نعش [نظام عدم الانتشار العالمي]، ومعاهدة منع الانتشار النووى.. وعلى كل حال، إذا كانت دولة مثل إيران (ينظر إليها على أنها دولة مارقة)، لا يجب السماح لها بالحصول على القدرات النووية، إلا أنها تتحرك فى هذا الاتجاه.. فإنها (بحسب التصور الأمريكي) يجب ألا تفعل ذلك من دون دفع الثمن [وبسعر باهظ].. وإلا سيتكرر هذا الأمر مع البلدان الأخرى، التى يمكنها أن تتصور القيام بالشيء نفسه، ومواجهة عقوبات دولية أقل(!)
اعتبر الأمريكيون أنَّ النقاط [من 3 إلى 6]، الخاصة بالمشاكل المحتملة عن امتلاك إيران للسلاح النووى، تُمثل – فى حد ذاتها - تحديات صارخة لـ «دبلوماسية واشنطن» فى الشرق الأوسط [وسياستها العسكرية]، أيضًا.. وأنَّ على «واشنطن» أن تختار بين سياستين: [سياسة الاحتواء]، أو [سياسة الإغواء].. والأخيرة، تقتضى توجيه إسرائيل للدخول فى مناوشات مع «طهران»، يتبعها عملية استدراج لضربة عسكرية(!).. وفيما اختارت الإدارة الديمقراطية (السابقة) الأولى؛ يبدو أنَّ «إدارة ترامب» قررت الانحياز إلى الأخيرة(!)
قبل 8 أشهر من الآن، أشرنا (على تلك المساحة) إلى تصاعد نبرات «الخيار المسلح» (إقليميًا) فى التعامل مع إيران داخل دوائر صُنع القرار الأمريكى.. وقبل ما يقترب من 4 أشهر أخرى، وضعنا عديدًا من التفاصيل، حول الدور الإسرائيلى [المرشح بقوة] لتأجيج صراع إقليمى بمنطقة الشرق الأوسط فى العام 2019م.. وخطورة وجود صراعات (من هذا النوع) فى الوقت الحالى، هو أنَّ اللعب على «الوقود المذهبى» (من الناحية الإقليمية) من شأنه أن يدفع بـ«كرة اللهب» إلى حيث يُمكن أن تُخطئ الحسابات.. وتتساقط التوقعات.
ومع ذلك.. يبقى التدخل [العاقل]، من الأطراف الإقليمية كافة، هو المسئول الأول عما يمكن أن يشهده العام 2019م من أحداث.
.. وهو ما شهدنا له بوادر جيدة قبل نهاية العام 2018م، إذ بدأ المحور السنى فى استعادة علاقته بدمشق.. وهى خطوة يجب أن تتبعها خطوات أخرى بالتأكيد.