الثلاثاء 20 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي
المكاشفة والإصلاح بين الفاتيكان والكنيسة القبطية

المكاشفة والإصلاح بين الفاتيكان والكنيسة القبطية


خرج  البابا فرانسيس  «بابا الفاتيكان» ليعتذر عن  الانتهاكات الجنسية التى ارتكبها رجال دين تابعون للكنيسة الكاثوليكية ضد الأطفال. اعتراف البابا بهذه الجرائم هو أول خطوة للإصلاح، واعتذاره يعنى أن الكنيسة تتحمل أخطاء تابعيها، وتؤكد أنها لا تصمت على الجرائم ولن تتهاون فى مواجهتها، لقد ظل الفاتيكان لسنوات طويلة يتستر على فضائح الانتهاكات الجنسية من بعض الكهنة ضد الأطفال، ولأن الجرائم لا يمكن دفنها  فقد تم الكشف عنها فى العديد من الدول من أستراليا إلى تشيلى مرورًا بأمريكا، حيث أعلن المدعى العام فى ولاية بنسلفانيا الأسبوع الماضى عن تقرير انتهى منه بعد تحقيق استمر عامين كشف فيه عن انتهاكات قام بها رجال دين كاثوليك ضد أطفال على مدى السبعين عامًا الماضية..وانتهاء بأيرلندا، والتى كان البابا فى زيارة لها منذ أيام  وهى أول زيارة تتم لأحد باباوات الفاتيكان منذ 39 عامًا، وهناك  قال البابا الذى يتبع كنيسته  أكثر من مليار كاثوليكى فى العالم كله:
 «أطلب المغفرة من الرب عن هذه الخطايا وعن الفضيحة والخيانة التى شعر بها الكثير من الأشخاص فى عائلة الله» هذه الكلمات التى تحمل الندم والاعتذار لم تهز الكنيسة أو تشوهها، بل هى البداية فى التطهير والإصلاح وتحسين صورتها أمام أبنائها  وقبلهم أمام أتباع الديانات الأخرى،  أسر الأطفال الذين ارتكبت بحقهم هذه الانتهاكات  من المؤكد أن ثقتهم بالكنيسة ستزداد بعد الاعتراف والاعتذار، أما قبلها ولسنوات فقد أدى التهاون والتقاعس عن مواجهة الجرائم والاعتراف بها  إلى  اهتزاز ثقة أسر الضحايا بالكنيسة ورجالها من الإكليروس وقادتها، بل وإلى الابتعاد عنها وتركها، لقد أبدى البابا فرانسيس شجاعة كبيرة عندما أعرب عن «خجله وألمه إزاء فشل السلطات الكنسية فى مواجهة الجرائم البشعة للإكليروس بطريقة ملائمة» وقال: «إن هذا الفشل أثار الغضب وكان سببًا للألم والخجل للجماعة الكاثوليكية وأنا شخصيًا أشارك فى هذه المشاعر و لا أستطيع إلا الاعتراف بهذه الفضيحة المدوية الناجمة عن التجاوزات على القاصرين التى ارتكبها أعضاء فى الكنيسة مكلفون بحمايتهم وتثقيفهم» هذه الكلمات المعبرة عن الأحداث داخل الكنيسة الكاثوليكية لم يقابلها اعتراض من أبنائها بزعم أن النشر سيضر بالكنيسة وأن هناك من يتربص بها، وأنه يجب إخفاء هذه الأخطاء ومعالجتها داخل جدران الكنيسة دون الإعلان عنها، ولم يقل أحد من أتباع الكنيسة أن الرهبان ورجال الإكليروس لا يخطئون وأنهم ملائكة يمشون على الأرض، وتعاملوا  مع ما حدث باعتبارها جريمة يتم التحقيق فيها ومعاقبة مرتكبيها، ولم يزعم أحد أنها مؤامرة على الفاتيكان والمسيحية، فقد رأوا أن رجال الدين بشر يخطئون ويرتكبون المعاصى والآثام مما يدفعهم إلى الاعتراف بأخطائهم أمام آباء اعترافاتهم، وبعضهم يرتكب جرائم، لقد وضعوهم فى مكانهم الصحيح، هم ليسوا قديسين بل بشر يحاولون بكل جهدهم  أن يسيروا فى طريق الله معظمهم يواصل الطريق وبعضهم يضعف ويغير مساره، وآخرون منهم يقعون فى الخطيئة، وأقلية تنجرف نحو الجريمة والرذيلة، وهؤلاء لن يؤثروا فى دور الكنيسة فى رعاية أتباعها، لم يحاول أحد أن ينصح الفاتيكان بالمهادنة وتهدئة الأمور والتستر على الجرائم، بل أرادوا مناقشتها بجدية وشفافية، ولم يقل أحد إن  الأساقفة فوق المساءلة أو أنهم لا يقعون فى الأخطاء وأنهم ربانيون يستمد منهم الناس البركة، ولم ينزعجوا لتورط عدد من كبار رجال الكنيسة فى الانتهاكات، فهم يعرفون أنه مهما ارتقت المكانة الدينية فهذا لا يمنع من الوقوع فى الزلل، ولم يطالبوا أبدًا بإبعاد أساقفة عن التحقيق معهم، بل وصل الأمر  بأحد الأساقفة السابقين الذى استقال بعد فضيحة جنسية  إلى مطالبة البابا بالاستقالة وأن يضرب مثلًا للكرادلة والأساقفة الذين تستروا على الانتهاكات وأن يستقيل معهم،  ولم يتهمه أحد بالخروج على الكنيسة أو يشكك  فى دينه وإيمانه، وليت المهتمين بأمر كنيستنا القبطية الأرثوذكسية يقرأون رسالة البابا فرانسيس التى وجهها إلى رعيته الكاثوليك منذ أيام ، واعترف فيها «بالإهمال الذى بدر من الكنيسة فى التقصى وملاحقة المذنبين، وتأخر المسئولين عن القيام بالإجراءات الضرورية وتطبيق العقوبات بحق المذنبين» وأدان بشكل أساسي«فصل المؤسسة الكنسية عن رعيتها» واعتبره من «الأسباب الرئيسية لوجود تلك الممارسات».. وقال البابا فى رسالته: «كلما حاولنا استبدال أو إسكات أو تجاهل أو تقليص «شعب الله» إلى نخب صغيرة، كلما انتهى بنا الأمر إلى خلق مجتمعات ومشاريع ونُهُج لاهوتية وروحانيات بلا جذور ولا ذاكرة وبدون هوية ولا جسد، وفى النهاية بدون حياة»، وتعهد البابا فرانسيس ببذل أقصى الجهود «للتوصل إلى الوسائل الضرورية لضمان سلامة وحماية الأطفال والبالغين الضعفاء، وتنفيذ سياسة عدم التسامح فى حق جميع من يرتكبون تلك الجرائم وسيحاسبون عليها» وتعهد أيضًا بتنفيذ ما أسماه «تجديد من الداخل سيطال كافة أنحاء المؤسسة الدينية الكاثوليكية» ونوه إلى أن هذا التغيير يتطلب تعاونًا كاملاً من قبل الرعية والجميع ممن سماهم شعب الله،  ولو طبقنا ما قاله البابا فرانسيس وما عبر عنه البابا تواضروس فى كلماته بعد حادث مقتل الشهيد الأنبا إبيفانيوس رئيس دير أبو مقار والإجراءات التى اتخذها لعرفنا أن المكاشفة والشفافية هى أولى خطوات الإصلاح، لقد شهد التاريخ  جرائم لبعض الرهبان ورجال الدين ولم  تسقط الكنيسة، وهى لن تسقط  أبدًا أو يصيبها  الضعف أبدًا طالما تطهر نفسها.