السبت 13 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
سجن.. اسمه «التقاليد»

سجن.. اسمه «التقاليد»


أعتقد أن من أسباب تخلّف مجتمعاتنا الرئيسية، هى أنها أسيرة مجموعة من العادات والتقاليد «الشاقة»، و«المؤبدة»، يُطلق عليها اسم «الإرث المقدس».
 الخطوة الثانية، الأكثر خطورة، هى القول بإن هذا الإرث المقدس، من العادات، والتقاليد، هو «هوية الوطن»، و«خصوصية المجتمع».
 النتيجة الطبيعية «المنطقية»، أن أى مواطنة، أو مواطن، يطالب بتغيير هذه العادات والتقاليد، حتى تلائم تغيرات الحياة، والبشر، وتساعد على النهضة، وعلى التقدم، والمزيد من الحريات، والعدالة، يُتهم، بأنه يريد «مسح» هويتنا، و«تدمير»، خصوصيتنا، وأنه «عميل» للغرب الاستعمارى الكافر المنحل أخلاقيًّا، و«ترس» صغير، فى مؤامرة عالمية كبرى، وأجندة مشبوهة الغرض والتمويل، للنيل من الإسلام والمسلمين والمسلمات.
 كل هذه الاتهامات الأخلاقية، من دون أدلة تثبتها. غاية الأمر، أن هناك مواطنة، أو مواطنًا، «تجرأ»، على إرث العادات، والتقاليد، الشاقة، المؤبدة، ويريد تحريرنا من سجونها المحكمة، العتيقة. بل على العكس، فالأدلة المادية الملموسة، والمقروءة،  والمسموعة، والمرئية، هى التى تثبت وعلى الملأ، أننا مازلنا نستهلك عادات، وتقاليد، الموتى، على مر الأزمنة. وما نشهده من ردة ثقافية، ونكسة حضارية، وتأخر فكرى، وتعصبات دينية، وعداوات طوائفية، وتضخمات ذكورية ضد النساء، هى نتيجة مباشرة للجمود، وعدم التفاعل مع تغيرات الحياة، والتوقف عند أزمنة تخاصم التجديد، وانتهت تاريخ صلاحيتها.
وأنا لا أفهم مقولة: «نتغير من دون المساس بالعادات والتقاليد، التى تربينا عليها». هذه المقولة، هى صلب، وقلب، الإرهاب الفكرى، والإرهاب الدينى، والإرهاب الثقافى، الذى يستخدم لتكفير
الناس، وتشويه سمعتهم، والتشويش على آرائهم الجديدة، المهددة «لأكل عيش» البعض.
 أنا لا أفهم، كيف نتغير، من دون المساس بالعادات والتقاليد؟. إن العادات والتقاليد، هى التى «تشكل» الحياة، بكل تفاصيلها، وفى جميع مجالاتها. العادات، والتقاليد، هى التى تعكس أفكارنا، ومعتقداتنا، وقناعتنا، ومشاعرنا، وأخلاقنا، وتحيزاتنا الوجدانية. وهى التى تنتج الأحكام، والإدانات، والعنصريات.
أنا أومن، بأن ما يسمى بالتقدم، أو الرقى الحضارى، أو النهضة الفكرية، والثقافية، هو بالتحديد الخروج من سجن العادات والتقاليد، التى ورثناها من الموتى، والتى نمنحها من دون مبرر، «القدسية»، و«الثبات».
العادات والتقاليد الموروثة، ليست مقدسة، وليست ثابتة. والدليل على ذلك، أن البشر على مر العصور، قد قاموا فعلًا، بتغيير عاداتهم، وتقاليدهم، أكثر من مرة، وفى كل المجتمعات.
 هل مثلًا، العادات والتقاليد المصرية، فى القرن السابع عشر، هى نفسها العادات والتقاليد المصرية، فى القرن الحادى والعشرين؟. هى نفسها العادات والتقاليد المصرية، التى كانت، قبل ثلاثة آلاف سنة؟.
إن الحياة نفسها، ما هى إلا «عمل»، دءوب مستمر متجدد، فى جميع المجالات، لتحسين نوعيتها، لتحقق قدرًا أكبر من سعادة البشر، وتخفيف آلامهم.
نحن نرفض أن يتحكم الأحياء فى مصير الأحياء، كيف إذن نقبل أن يتحكم الموتى فى مصير الأحياء؟!
لقد علمتنا الفلسفة، أنه لا شىء «ثابت»، إلا «التغير».
وعلى عكس ما يُشيعه أنصار الجمود، فإن أكثر الناس حبًا لأوطانهم، هم الذين يصرون على التغيير، والتجديد.
إن البشر الذين صنعوا العادات والتقاليد، هم أنفسهم، يتغيرون.كيف إذن يتغير الأصل ولا تتغير الصورة؟. كيف يتغير الصانع، ولا يتغير المصنوع؟. كيف لمنْ يرقد تحت التراب، أن يكسر أجنحة منْ يريد التحليق للسماء؟.
 أن نغير، وأن نتغير، وأن نستكشف بالتخيل، وبالتجربة، وإعادة الأسئلة، ما يحررنا أكثر، وما يسعدنا أكثر، وما يقوينا أكثر، وما يبهجنا أكثر، وما يخفف أعباءنا أكثر، وما يجعل الحياة رحلة أسهل، وأمتع، وأعدل، ليس فقط من «حقوقنا». ولكنه أيضًا، واجبنا الإنسانى، والأخلاقى، والحضارى.■