الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
دراما يأس الشرفاء!

دراما يأس الشرفاء!


البناء الدرامى هو المصطلح الدال على الكتابة الدرامية، هو يدل إلى النص فى المسرح، والسيناريو فى السينما ولذلك يمكن استخدامه للإشارة لنص الحلقات (السيناريو) ككل متصل الحلقات. فهل حدث فى مصر الآن تغيير جوهري فى البناء الدرامى للدراما التليفزيونية؟
بالتأكيد حدث هذا بشكل جذرى، وهذا التغيير فى فن الكتابة لا يمكن  وصفه  وصفًا معياريًا  بالقيمة  قبل رصده وتحليله وتفسيره وصولًا لأحكام التقييم.
 
وذلك بعيدًا عن مسارين متناقضين الأول يحمل طابعًا يشبه الإعلان فى عدد من صفحات الأخبار الفنية والبرامج ذات الصلة، والثانى يحمل هجومًا حادًا من كل اتجاه على المسلسلات الدرامية، حتى دخلت لجنة الدراما بالمجلس الأعلى للإعلام على ذات النهج وخرج تقريرها عن النصف الأول من دراما رمضان متهمًا صناع مسلسلى (كلبش ونسر الصعيد) بالإساءة لصورة ضباط الشرطة وتصويرهم فى حالة عنف وخروج على القانون،  ودعم لفكرة  الحصول على الحق باللجوء  للقوة.
جدير بالذكر أن الدراما التليفزيونية المصرية عندما بدأت كان البناء الدرامى  لها يتأسس فى معظمه  على   حبكة اجتماعية  كانت تناقش مشاكل الطبقة المتوسطة المصرية التى كانت -آنذاك - كبيرة وكثيفة العدد ومؤثرة فى مسألة تذوق الفنون، حدث هذا فى الستينيات وصاحب البناء الدرامى الاجتماعى  للدراما التلفزيونية (البرجوازية) آنذاك بعض قليل من الحبكات التاريخية ذات الطابع الدينى الإسلامى فى معظمها.
ومع السبعينيات والثمانينيات ظل التراث حاضرًا فى ألف ليلة وليلة مستمدًا من السرد العربى الإسلامى التراثى، وامتد ذلك  ببعض من الوعى السياسى فى دراما  جحا المصرى ليسرى الجندى فى العقد الأول من القرن الحادى والعشرين.
إلا أن حركة المجتمع التى خرجت فيها الطبقة المتوسطة من معادلة التأثير الفاعل، ساهمت فى ظهور تلك الأنواع الدرامية الجديدة التى خضعت لسيطرة النجم الممثل ولشركات الإعلان، حيث دراما  الهزل الخشن (الفارس) كما هو ماثل فى دراما (سك على إخواتك) هذا العام، أو دراما الانتقام والجريمة كما هو متواتر ومتكرر، ولعل أبرزها دراما الأسطورة العام الماضى، وظلالها المتناثرة فى معظم درامات هذا العام، وأيضًا دراما الجاذبية ذات الصلة بقصص الحب والغرام فى باب السيطرة على الرجال أو إخضاع النساء، وليس فى باب الحب الإنسانى النبيل الذى هو التراث المهم فى تاريخ الدراما المصرية، ولذلك ولأن الدراما فى مصدرها الأول وهو البناء الدرامى تعمل لخدمة الفرد الواحد فهى لن تحقق أهدافًا مطلوبة ولن ترسم صورًا ذهنية ولن تحقق إلا إرضاء الفرد الواحد الذى يعمل لصالح شركات الإعلان، ويدور حوله دائرة مغلقة بملايين كبيرة تحيطها علامات استفهام عديدة عن مصادرها وحسن إدارتها وتحديدها للقيمة الفعلية لحساب التكلفة والأرباح.
وهي المسألة التى يجب أن تنتبه إليها رؤوس الأموال التى دخلت عبر شركات استثمارية تمت بصلة قوية للدولة، فهى يجب أن تعيد التقديرات الفعلية لطبيعتها العادلة.
هذا ورغم ظهور مجموعة عمل الكتابة وهو تعبير عن العمل الجماعى فى ظاهره، فإن  المهنة الغائبة عن الدراما التلفزيونية والتى تسببت فى اعتراض العديد من أرباب المهن وآخرهم أعضاء بالبرلمان كانوا ضباطًا  بالشرطة المصرية، هى مهنة المستشار الدرامى والفنى لفريق العمل، هى موجودة بشكل نسبى فى الفرق المسرحية الكبرى فى هيئة المكاتب الفنية وفى الفرق العالمية  بمسمى (الدراماتورج) وهو المشارك المراقب فى الإبداع لفريق العمل ككل، هو مسئول عن الدعم العلمى بالدراسات لطبيعة المهن وللأمور القانونية والتاريخية وطبيعة اللهجة ودراسة الأزياء وسلوك الشخصيات وما إلى ذلك، وأيضًا يبدى الرأى فى البناء الدرامى وعناصر العملية الفنية ككل، وحاضر فى السينما العالمية بمصطلح، المنتج الفنى إنه صاحب رأى، بعض من هؤلاء يمكن تسميتهم بالمدير الفنى،عرفتهم الدراما المصرية فى السنوات الأخيرة بالمنتج الفنى، لكنه يقف عند حدود إتمام التعاقد مع النجوم ومتابعة أماكن التصوير وينحو نحو الخدمات الإنتاجية بعيدًا عن دوره المهم الفنى والفكرى،  وهى مهنة  مهمة يحتاجها كل كاتب ومخرج جاد ومهنى، لأن المبدع الحقيقى   يحتاج للإجابة عن أسئلة لا يعرفها ويحتاج لعين خبير تشاركه وتراقبه من الداخل أثناء انغماسه فى فعل الإبداع، إنه المستشار الغائب الضرورى عن الدراما التليفزيونية، التى غادرت جمهورها من المتوسطين المصريين ولم تعد تمتعهم أو تعبر عنهم، آخرها تلك الخدعة التى أظهرت براءة خيالية للمواطن المتوسط أيوب، فى دراما أيوب التى هى فرصة ضائعة لرصد أحوال الطبقة المتوسطة المصرية تحولت إلى باب يدعو ليأس الشرفاء، فقد كان دخول أيوب السجن بابًا سحريًا لصناعة عصابة ولمحاولة إنتاج أسطورة جديدة تدعو المتوسطين  للتخلى  عن أعمالهم المهنية الجادة والتفكير فى حلول سحرية كالتخطيط لسرقة بنك على سبيل المثال الإجرامى،إنه تغيير جذرى فى البناء الدرامى وغياب للقضايا الحقيقية للشعب المصرى وغياب للممارسة المهنية العلمية للدراما، وفى ذلك الشأن هذا هو التغيير الذى يبدأ منه استعادة الدراما المصرية  للمصريين، واستعادتها كفن جميل بمسافة أكبر وبحياد إيجابى ابعد عن عالمى الإعلان والإعلام... فيجب التذكير المبدئى بأن الدراما حقًا هى فن جميل قبل وبعد أى شيء آخر.>