الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
هزيمة الثقافة الشفاهية فى معرض الكتاب

هزيمة الثقافة الشفاهية فى معرض الكتاب


مصر الحية المبهجة ترسل لمعرض القاهرة الدولي للكتاب (28 يناير– 10 فبراير 2018) أجيالًا جديدة من مختلف الأعمار، شبابًا وفتيات رجالاً ونساءً، أما الظاهرة المتكررة منذ أعوام فهي حضور الأسر المصرية مصطحبة أطفالها بهدف البهجة ومتابعة الفعاليات الفنية المتعددة، مما يؤكد أن الكتاب والصناعات الإبداعية الجادة لا يزال لها جمهورها الكبير، ذلك رغم الازدياد المطرد للثقافة الشفاهية المتمثلة في الشاشات اللانهائية الفضائية والرقمية الأخرى في الشبكة الدولية للمعلومات، إذ تمثل ثقافة المسموع المرئي مع تطور إمكانيات حفظها وإعادة بثها ونشرها وتصنيفها سمة أساسية فى صناعة الثقافة، إلا أن الكتاب لا يزال رغم ذلك هو الممثل الأساسي للثقافة الكتابية. 

كما يؤكد معرض القاهرة الدولي للكتاب الذي يقف كبيرًا في المنطقة العربية والإقليمية رغم كل التوترات وبحضور جماهيري حاشد يشبه احتفالات الأعياد الكبرى في مصر، مما يؤكد ثبات المصريين وشعورهم بالاستقرار والأمان. اللافت للنظر والمزعج لأصحاب دور النشر الكبرى الخاصة هو وجود مجموعة من بائعي سور الأزبكية في أماكن مخصصة لهم، وإن كان وجودهم سببًا لتوافر كتب بأسعار ميسرة، وقد لاقت كتبهم إقبالًا واضحًا في الشراء، بينما بقيت الإصدارات الجديدة لدور النشر الكبرى ذات أسعار مرتفعة، وظلت إصدارات وزارة الثقافة وعلى الأخص الهيئة العامة للكتاب قابلة لأن تكون مناسبة لميزانية الأسر المتوسطة والشباب.
بعض من الناشرين طرح أسئلة عن تزوير الكتب بمعنى إعادة طباعتها طبعات إضافية بعيدًا عن الناشر الأصلي بأسعار أقل، مما يهدد صناعة النشر الجاد، ومهنة الكتابة التي تتراجع عوائدها المالية بشكل ملحوظ، وهو السؤال الذي يحتاج لإجابة في ضوء المسئولية القانونية للملكية الفكرية، وحقوق الطباعة والنشر، كما يمكن ملاحظة أن الندوات الرئيسية تبدأ مبكرًا في الحادية عشرة صباحًا، وهو موعد مبكر للقادمين من أطراف القاهرة الكبرى مستهدفين البهجة والتنزه والمعرفة، ثم يتم استئنافها من السابعة مساء للتاسعة، وهو موعد متأخر للعودة المسائية في شتاء القاهرة، ولذلك فهي تحتاج للنظر لتبدأ وتكتمل مع النصف الثاني من النهارات المصرية الدافئة المشمسة في معظمها، أما الفعاليات الفنية المتنوعة فهي تحتاج لضبط تتابعها الزمني، لأن لها هي والندوات جمهور خاص يأتي من أجلهما خصيصًا، أما الجناح المخصص لكتب التراث الإسلامي، والذي أشار البعض لعرضه إصدارات جديدة لكتب قديمة تحتاج لإعادة تأويلها في ضوء تجديد الخطاب الديني، وأشار البعض لإمكانية منع بعضها من البيع، فإن تلك الإشارة تأتي مضادة لحرية التعبير، ذلك أن الأفكار يتم تصحيحها بالأفكار وبتركها متاحة، لأن المنع سبب مباشر لتكاثرها السري، هكذا تؤكد بورصة تداول الكتب السرية في مصر والعالم.
كما أن مظهر الشباب الملتحين بجوار الشبان الأحدث موديل، والمحجبات مع صاحبات الشعر المتروك للهواء مع الأطفال والفتيات في معرض الكتاب لا يزال دالاً منذ سنوات طويلة وحتى الآن على قدرة المصريين على جمع الاختلاف في نسيجهم الواحد، وهو الجمع الذي كان يحرص د. سمير سرحان رحمه الله على إدارته بخيال مثقف وبمناظرات عميقة وبحوارات هامشية للمسكوت عنه، كانت تدار في المقهى الثقافي، وقد كان البوح كاشفًا دالاً معبرًا عن طريقة تفكير العقل المصري بتعدده واختلاف حساسية أجياله، وهو الأمر الذي يمكن للمعرض أن يفكر في كيفية استعادته في الفرص المتاحة القادمة.
يبقى أن د. هيثم الحاج قد حافظ على حيوية المعرض وصفته الدولية وميقات انعقاده، وقيمته التاريخية، وإن بحث الجمهور وهو يتجول عن دليل مطبوع ولوحات إرشادية تشير لأرقام الصالات وأماكن دور النشر، ذلك أن خريطة المعرض المنشورة على صفحة الهيئة العامة للكتاب بالشبكة الدولية للمعلومات لا تغني عن وجودها الواقعي بمداخل المعرض مدعومة بكتيبات إيضاحية شارحة.
كما أن تراث المعرض المصور من الفعاليات والندوات والحوارات يمكن طرحه وإتاحته للتداول عبر موقع الهيئة العامة للكتاب المنظمة للمعرض، وأيضا ما هو جديد منها، مع انتظار اقتحامها عالم النشر الإلكتروني المنتشر في العالم الغربي وحواضر عربية فاعلة، وإن كان النشر الإلكتروني في معظم التقديرات الجادة لم يتجاوز العشرين بالمائة من إجمالي النشر العام، ولذلك يظل للكتاب المطبوع السيادة في عالم النشر، ولذلك تبقى صناعة النشر والطباعة صناعة إبداعية مهمة، ويبقى معرض القاهرة المنارة للكتاب أهميته ودوره المحلي والإقليمي والدولي الآن وللمستقبل بالتأكيد.