
هاني عبد الله
إحنا أبطال الحكاية!
مُلفت هو المشهد.. غير مُعتاد فى مضمونه.. عميق فى ظاهره، وباطنه.. إذ ربما تكون تلك هى [المرَّة الأولى] التى يقف خلالها «رئيس دولة»؛ ليصفق لشعبه
[لا العكس!].. كان تصفيق الرئيس خلال مؤتمر «حكاية وطن» صادقًا.. صفّق «السيسى» لمن صبروا على غلاء الأسعار (الجوع)، حدَّ الشبع.. ولمن ازداد صبرُهم؛ فارتووا من عطش (ولايزالون على العهد باقين).. فطوبى للصابرين.
آمن الرئيس- إذًا - بما أُسنِد إليه من شعبه.. يُجل الرئيس، قطعًا، ما قدمه الشعب، ويقدره.. يحترمه كل الاحترام.. فطوبى لرجلٍ صدق ما عاهد «أهله» عليه.
بين مُتخللات كلمة الرئيس- وهو يُقدم كشف حسابه فى نهاية ولايته الأولى- كثيرٌ من الإنسانيات.. قطع الحديث أكثر من مرَّة؛ ليشير إلى عددٍ من الإشراقات، والإضاءات.. إشراقات كان فيها «الشعب» هو البطل، من دون منازع.
استدعى الرئيس ما كان من «وعى شعبى» عندما دعت [قوى رجعية] للتظاهر احتجاجًا على رفع الشريحة الثانية من دعم المحروقات.. قال بملء فيه: «رفعتم، جميعًا، رأسى أمام العالم».. كان المتربصون [حينئذ] كُثْرًا.. والراغبون فى الشماتة أكثر (!).. إلا أنّ «وعى الشعب» أجهض ما كانوا يمكرون.. ويمكرون ويمكر الله، والله خير الماكرين.
لا يفهم «جينات التفكير المصرية» سوى مصرى [حتى النخاع].. مصرى من طين البلد.. بلدٌ أمين.. أقسم به رب العالمين فى كتابه الحكيم.. لذلك.. يبقى «الشعب المصرى» [دائمًا وأبدًا] صُداعًا فى رأس الكائدين، والمتربصين، ومن كانوا بيننا لبضع سنين (!)
قال الرئيس: نجتمع هنا اليوم ونحن على مشارف إنهاء فترة رئاسية [أو فترة تكليفكم لى بمهمة قيادة هذا الوطن العزيز]، أو كما اعتبرتها «مهمة إنقاذ وطن والحفاظ على حاضره ومستقبله»، خضناها [سويًا] وسط أجواء عاتية تعصف بالإقليم، ودوامة من سقوط وانهيار لدول المنطقة، وأخطار جسيمة تحيط بالوطن .. من الاتجاهات كافة.
يؤمن الرئيس [يقينًا] بأن الشعب عندما يكون فى ظهر قائده، تتحقق المُعجزات.. يتواضع القائد أكثر.. يقطع حديثه مُجددًا: «لا أريدكم خلفى.. أريدكم إلى جانبى.. أريدكم أمامى».
يضع الرئيس «الشعب» فوق رأسه.. مُخلص فى اعتقاده.. لا يبتغى شعبية جماهيرية، تعتمد على مُسكنات موضعية.. يسعى نحو حلول [جذرية] لمشاكل اقتصادية امتدت جذورها لنحو 40 عامًا.
إرثٌ صعب، وتركة ثقيلة.. لكنه اعتبر «عدم المواجهة» خيانة (جملة اعتراضية أخرى، لها دلالة).. قرر أن يحمل الأمانة، ويكتب سطور الحكاية.. «حكاية وطن»، وإرادة أمة.. حكاية «شعب عظيم» استطاع فى أربع سنوات [بتماسكه، وتلاحمه، ووحدته] أن يقف صامدًا متحديًا التحدى ذاته.
قال الرئيس: «إن ما نحياه اليوم هو الناتج لما قمنا به أمس.. وعلى مدار 50 عامًا مضت تعرضتْ أمتنا لضربات عنيفة ومتتالية.. ودعونى أُذكركم بتلك اللحظة التى كادت أن تنكسر فيها إرادتنا الوطنية حين تعرضتْ لحرب يونيو 67 [والذى مازلنا حتى اليوم نعانى من آثاره وتداعياته].. ثم كان العبور للنصر فى أكتوبر، والذى أعاد «الكرامة الوطنية» قبل الأرض.. وتوحدت الأمة العربية كلها تحت لواء النصر».
.. ومن روح النصر [ومواجهة الانكسار]؛ سطر الشعب «نفسه» سطور عبوره الجديدة، نحو المستقبل.
شرح الرئيس [فى تسلسلٍ واضح] ما كان يُحاك لمنطقة «الشرق الأوسط» عن بكرة أبيها من مُخططات.. قال: ما لبثتْ المنطقة أن تستقر حتى تفجرتْ الحرب «العراقية- الإيرانية» التى امتدت على مدار 8 سنوات كاملة.. ولم تكد الأمة أن تخرج من أُتون هذه الحرب؛ حتى تعرضت لهزة أكثر عنفًا، حين فوجئنا جميعا بالغزو العراقى للكويت فى العام 1990م.. وعلى مدار عقدين من الزمان عصفت الحروب بالعراق، وجرى ما جرى من تدمير لمقدرات الشعوب، وإراقة لدماء الملايين، وإهدار غير مسبوق للموارد العربية.. وقبل أن تتبدد سحب الحروب من سماء منطقتنا العربية حل العام 2011م بأحداث ألمّت بالمنطقة، انفجر خلالها الغضب المكنون فى الصدور.
وتابع: وجدتْ القوى صاحبة المخططات [والأطماع فى الثروات والمقدرات العربية] ضالتها فى «انتفاضات الشعوب» وما آلت إليه من وصول الجماعات حاضنة التطرف، وراعية الإرهاب إلى السُلطة.. ووجدتْ الفرصة سانحة؛ لإسقاط «الدول العربية»، والإجهاز على مقدرات الأوطان، وتفكيك أوصالها.. وكانت الخسائر الناجمة عن الأحداث التى شهدتها مثل سوريا والعراق وليبيا واليمن هائلة وضخمة.. ومن قبلهم كانت أفغانستان والصومال ومعاناتهما من ويلات الحروب والاقتتال الداخلى.
أوضح الرئيس أنه لا يتحدث عن «مؤامرات متصلة»؛ لكنه ينبه إلى أن «الغفلة» هى التى «تصنع المؤامرة».. والضعف يبعث على العدوان، والتفكيك، والانقسام، والتشرذم فى معاونة الهدم الذى نهديه بأيدينا لأعداء الأمة؛ لتحقيق أطماعهم.. مضيفًا: إننى منذ أن بدأت ممارسة حياتى العملية والمهنية كنت أراقب مقدمات ما يجرى فى منطقتنا، وأتابع عن كثب إرهاصات ما يحدث على أرض مصر خلال العقود الماضية.. وفى مرحلة معينة كنت قد توقعت مبكرًا، وأدركت أن مصر هى «الهدف الرئيسى» [والجائزة الكبرى] لمن أراد بهذه الأمة شرًا.. فحين تنهض مصر، وتستقر؛ تنهض «الأمة العربية» بأثرها وتستقر.. وتتوارى الدول من حولها إن هى توارت.. [غير أن هذا «الشعب العظيم» كان بالمرصاد لما يدبر لبلاده، وكانت إرادة الله داعمة لمصر وللمصريين، وظلت عنايته تظلل أرضها الطيبة التى تجلى بنوره عليها].
يؤمن «السيسى»- من كل قلبه - بعظمة الشعب المصرى، وعبقريته.. ولولا تلك العظمة والعبقرية، ما كان لأى رئيس أن يُحقق ما تحقق خلال 4 سنوات خلت.. إذ ارتفع الاحتياطى النقدى إلى نحو 37 مليار دولار، بعد أن كان 16 مليار دولار بالعام 2014م.. وانخفض «ميزان العجز التجارى» فى العامين السابقين بمقدار 20 مليار دولار، (منها 4 مليارات دولار زيادة فى الصادرات المصرية بالخارج)، بالإضافة إلى انخفاض الواردات بمبلغ 16 مليار دولار.. كما انخفضت معدلات البطالة من 13.4 % إلى
11.9 % .. وانخفضت معدلات التضخم من 35 % إلى 22 % خلال يناير الجارى.. وتراجع «عجز الموازنة العامة» كنسبة للناتج المحلى الإجمالى من 16.7 % بالعام 2013م إلى 10.9 % بالعام 2017م.. وارتفع تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة بنسبة 14 % فى العام المالى (2016م/ 2017م).. وهو ما كان مُحصلة [جزئية] لعديد من مشاريع التنمية، والبنية الأساسية، وشبكات الطرق، ومشاريع الإسكان، ومستهدفات الإصلاح والتنمية الزراعية.. فضلاً عن تأسيس العديد من المناطق الصناعية، والمشاريع الاستثمارية.
فإلى كل أبطال الحكاية من أبناء الشعب المصرى: [تحيا مصر].. وإنه لقول فصل.