الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
فرصة سعيدة لـ «مرتضى»

فرصة سعيدة لـ «مرتضى»


تلك التى شاهدتها فى مسرحية «فرصة سعيدة» إنه «مرتضى» , تلك الشخصية الدرامية التى بدأ عرضها منذ أيام على خشبة مسرح السلام.
إنها شخصية مدهشة يقدمها المسرحى صاحب التجربة الإنسانية والفنية الفنان القدير أحمد بدير، بعد نضج خاص مصدره الإخلاص للعمل المسرحى رغم ابتعاد الكثيرين عنه لتوتراته ومحدودية موارده المالية، إذ يحرص بدير على البقاء على خشبة المسرح لأنه يعرف أنها موطنه الفنى الأصلى.
أما مصدر الإدهاش فى شخصية مرتضى فيأتى كما كتبه المؤلف صلاح عربى وهو جديد موهوب لأنه يعود بتلك الشخصية للواقع المعاش ليصنع لها تاريخا منذ الطفولة يبدأ من عهد الملكية فى مصر قبل ثورة 1952 ليمتد بها فى مراحلها المتعددة ويعرضها فى اشتباكها مع أحوالنا الاجتماعية فى تاريخنا الحديث القريب منه والمعاصر، ويجمع لها ملامح متكررة متشابهة من شخصيات عديدة فى الواقع.
إنه انتهازى بالفطرة صاحب رغبات قوية للسيطرة عبر المال والسلطة والشهرة والنفوذ الاجتماعى، مناور صاحب إرادة حديدية فى تحقيق المصلحة والقوة، لا يرى هدفا فى الحياة إلا ذاته، أما الغاية عنده فهى تبرر الوسيلة.
والمسرحية تأتى فى بناء درامى مبسط يستعرض عبر تقنية الاسترجاع flashback تاريخ حياة الشخصية الرئيسية منذ الطفولة حيث كان يحب أجمل فتاة بالمدرسة ويسيطر على الزملاء فى الفصل ويخيفهم بالضرب، ثم استخدامه للحيل المتعددة فى مرحلة الجامعة لادعاء النضال السياسى الوهمى وترأسه اتحاد الطلاب بالكلية ثم زواجه من أغنى فتاة بالكلية بعد دفعها لسرقة مجوهرات والدتها الثرية، ثم ترقيه فى مساره الوظيفى ليصبح وكيلا مهما لوزارة ما، ويقيم شبكة علاقات فاسدة يسيطر من خلالها على المحيطين به ويؤذى أصدقاء الطفولة والدراسة ثم يحاول عبر المصاهرة أن يزوج ابنتيه لولدى وزير فى حكومة ما قبل 25 يناير / 30 يونيو، كما تشير أحداث المسرحية وتنهى الحفلة التى أعدها لذلك نهاية ساخرة سوداء بفشل الخطة وطرده لزوجته وابنتيه من المنزل، ثم البقاء وحيدا، لتمر السنون ونراه فى مشهد محزن بعد تقاعده، حيث تعود المسرحية لتنتهى بمشهد بدايتها بعد استعادة واسترجاع تاريخ حياة الشخصية الرئيسية، لنراه وهو يحتفل وحيدا بعيد ميلاده فى شتاء بارد وهو يسير منحنيا على عصاه، ويتأمل تاريخ حياته وصورته فى المرآة ليخرج له منها شخص آخر يرتدى ذات الملابس، إنه نصفه الآخر الذى يمثل الحقيقة لرجل عاش حياته كلها بأوجه مستعارة، هو ضميره تقريبا، إنه هواجسه التى يقدمها مخرج العرض الشاب محمد جمعة بطريقة بسيطة ولكنها موحية، ملابس مماثلة فى كل مشاهد تاريخ حياته لهذا الشخص الضمير، وأداء يشبه هواجس الانفصام النسبى فى الشخصية التى تعانى من تأثير ضاغط لمشاعر الذنب، ولذكريات مؤلمة تسيطر على العقل والقلب.
إنها لحظات الحصاد فى نهاية العمر..
إن المسرحية تتحدث عن غياب مشاعر الفرح والسعادة والنقاء وعدم القدرة على الاستمتاع ببساطة الحياة، وتسأل كيف يستعد الإنسان للسفر الأخير وقد مات فيه قلبه مصرا على إنكار البراءة الإنسانية الأولى.
المخرج تناول مادته الدرامية تناولا مرحا وكان اختياره للأسلوب (الكاريكاتيري) القائم على المبالغة الضاحكة اختيارا فنيا شديد الحساسية لأن كل هذا الشر أمكن للمشاهد أن يراه عبر المبالغة الضاحكة كمصدر للضحك العميق القائم على إدارك المفارقة، ويبقى للفنان أحمد بدير خصوصيته فى مسألة الإضحاك المسرحى وخبرته التاريخية فى صناعة الشخصيات المسرحية ذات الطابع الكاريكاتيرى، ولذلك فهو يمنح شخصية الانتهازى مرتضى حيوية خاصة وكأنها خلاصة لمجموعة شخصيات انتهازية يمكن لكل منا أن يكون قد صادف بعضها فى حياته اليومية.
الضحك فى المسرحية يأتى فى وقت يحتاج المشاهد له، ولذلك يبقى للفنان أشرف طلبة مدير المسرح الحديث حساسية خاصة فى رؤيته للماضى القريب فى المجتمع المصرى عبر دعمه للسخرية والبساطة والإمتاع، وإنتاج مسرحية «فرصة سعيدة»، كى يستعيد للجمهور العام دورا كاد أن يغيب عن المسرح المصرى، وهو السخرية والمتعة فى حد ذاتها، مع الإشارة لأمراض اجتماعية متوطنة، عن الانتهازية والانتهازيين. 