
أسامة سلامة
الرقص مع الذئاب
جاء اغتيال الرئيس اليمنى السابق على عبدالله صالح ليؤكد خطورة التحالف مع التيارات الدينية المسلحة، وأنه لا يؤمن جانبها، فهى تريد ممن يتعاون السمع والطاعة، والخضوع لأغراضها، والتعاون معها فى تحقيق أهدافها، أما معارضتها والابتعاد عنها وفض التحالف فثمنه الموت، درس صالح يجب أن يقرأه جميع الفصائل السياسية فى العالم العربى وخاصة فى مصر،
لست هنا أناقش الوضع فى اليمن وما فعله صالح فى تحالفاته المتعددة مع فصائل متناحرة ومتناقضة واللعب على جميع الأطراف حتى إنه وصف نفسه بأنه يرقص على رؤوس الأفاعى، ولكن ما يهمنى هو العبرة مما حدث له عندما أراد اللعب مع الذئاب المتدثرة بعباءة دينية، وإذا كانت هذه المرة العباءة شيعية، فإن تجارب أخرى أثبتت أن بعض الفصائل السنية تماثلها فى الخطورة، والرقص معها يؤدى إلى نفس المصير، ولعل أبرز مثال على ذلك الرئيس الراحل أنور السادات، والذى تحالف فى بداية حكمه مع جماعة الإخوان المسلمين والتى ولدت من رحم أفكارها جماعات مسلحة وإرهابية، أخرج السادات قيادات الإخوان من السجون والمعتقلات وسمح لهم بالعمل فى كل المجالات والبداية كانت من الجامعات، حيث مدهم بالأسلحة عدد من المسئولين المقربين من الرئيس الراحل ليعتدوا بها على الطلاب اليساريين، واستمر فى موالاته للجماعات الدينية متصورا أنه سيقضى من خلالها على اليسار الذى كان يسبب له إزعاجا سياسيا كبيرا، وكان يعتقد أن الجماعات المستترة وراء الدين ستحمل له الجميل وستبقى ممتنة له طوال حياته، ولكن بعد استفحالهم فى المجتمع، بدأوا فى ممارسة إرهابهم على المجتمع وخاصة المسيحيين، ووصل الأمر إلى تكفير السادات شخصيا، وحاول الرئيس الراحل التصدى لهم، وانتهى التحالف بين الاثنين وزج السادات بقياداتهم فى المعتقل، مع سياسيين وطنيين يمثلون قوى سياسية متنوعة فيما سمى بأحداث سبتمبر 1981 أو خريف الغضب كما وصفه الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، ولكن الذئاب التى رقص معها السادات، لم تسكت على فض تحالفه معها واغتالته على يد أحد فصائلها، هذا الدرس لم يستوعبه الكثيرون، وظنوا أنهم فى مأمن منه، وأن تحالفاتهم مختلفة، وأن بعض هذه التيارات تطور سياسيا، وأنها لن تعود إلى طريق الإرهاب، وهو ما حدث عندما ذهب بعض السياسيين إلى الإخوان بعد ثورة 25 يناير وعصروا على أنفسهم الليمون وانتخبوا محمد مرسى رئيسا للجمهورية، فكان أول ما فعلته قيادات الجماعة هى خيانة العهد، وعندما تمكنوا أزاحوا الجميع وانفردوا بالحكم، وحالوا أخونة المجتمع حتى جاءت ثورة 30 يونيو لتنقذ مصر منهم، وبعد إبعادهم عن الحكم، هددوا بحرق البلد وهو ما يحاولون أن يفعلوه منذ أربع سنوات، دول الغرب أيضا لم تسلم عندما رقصت مع الذئاب، فبعد أن استضافت الإرهابيين على أرضها وآوتهم ودافعت عنهم، بل ومولتهم، وسلحتهم مثلما فعلت أمريكا فى أفغانستان، دفعت الثمن، وتعددت العمليات الإرهابية منذ 2011 وحتى الآن، وتكاد لا توجد دولة أوروبية استضافت الإرهابيين إلا ووقع بها حادث إرهابى، مثل بريطانيا وفرنسا والدنمارك وهولندا وألمانيا، وتعددت العمليات الإرهابية من التفجيرات إلى إطلاق النار على المواطنين الأبرياء، وأخيرا عمليات الدهس فى الشوارع والميادين بواسطة سائقى الشاحنات الذين تم تجنيدهم، وهم من يسمون الآن بالذئاب المنفردة، دفع على عبدالله صالح ومن قبله السادات حياتهما ثمنا لتحالفهما مع هذه التيارات بتنويعاتها المختلفة، كما دفعت دول الغرب نفس الثمن من حياة عدد من مواطنيها، فهل يتعلم السياسيون فى بلدنا الدرس ويدركون خطورة الرقص مع الذئاب؟.