الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
شادية.. الحضور الدائم وتنوع الإبداع

شادية.. الحضور الدائم وتنوع الإبداع


فاطمة أحمد كمال شاكر تلك التى امتدت حياتها لتتداخل مع حياة أجيال عديدة من الناس فى مصر.
إنها الفنانة الكبيرة شادية التى هى الأوجه المتعددة للمرأة المصرية فى مشروع التنوير والحداثة.
هى التعبير الملموس عن مصر التى ترى الفن طاقة نور وجمالا وقيما إنسانية.. هى فتاة السينما المصرية فى عصرها الذهبى، البراءة والبهجة وجمال الروح والصوت بالغ الحساسية، هى فتاة الأحلام والأخت والابنة، تمنحها التجربة الإنسانية والسنون نضجاً يجعلها سيدة على عرش الأنوثة الواثقة فى قيمة وأناقة ومعنى وصفاء ما تقدمه للجمهور من أعمال فنية، فى مسافة طبيعية ما بين البراءة فى فيلم «شباب امرأة»، إلى قمة الأنوثة المتحققة بوهج الإبداع وعمق التجربة الإنسانية فى «اللص والكلاب»، هى المرأة الحلم فى «معبودة الجماهير»، هى صوت الموسيقى والغناء من صفاء وخفة الروح إلى عمق الشجن، غناء قصص الحب الجميلة وغناء للوطن.
صورها فى حياتها اليومية خارج العالم الخيالى للفن هى صور لمصر الجميلة فى الأزياء، فى البهجة وفى حضور حر للمرأة المحمية بسياق مجتمعى يحتفل بها وبما يصدر عنها من بهجة وإنسانية وإبداع. هى صاحبة الوجه الذى أوجعته سنوات العمر فى فيلم «لا تسألنى من أنا»، ولكنه كان جميلا بالإبداع، وعندما بدأ الفن فى مصر مع منتصف الثمانينيات وبدأ المجتمع أيضاً يعلن تخليه عن قيم الحداثة والتنوير، وعندما شعرت أن دور الفنان وجوهر وجوده قد بدأ يتغير، عندما بدأ الصوت الجميل تطارده ضوضاء القبح، وعندما أصبح الحضور الأنثوى الذى هو روح الحياة محاصراً بالاتهامات، وعندما أضحت الشهرة سجناً للحرية محاطة بأسوار حديدية من الحلال والحرام، والمرأة التى تترك شعرها لأنغام الهواء والغناء والمحبة كانت قد تجاوزت الستين ربيعا، ونظرت حولها فلم تجد فى محيطها الفنى والاجتماعى ما يمكنها من استكمال المسيرة المهنية الحافلة بالقمم الإبداعية والقطع الغنائية الخالدة لصوت مصرى خاص، وبالنماذج التمثيلية المدهشة الصادرة عن سحر الموهبة الكبيرة، والتى تجعل إبداع صاحبها متفرداً، له ملامحه الخاصة وجوهره النقى الذى يجعل من أعمال المبدع نماذج وقطعاً أصيلة عن نفسها، معبرة عن الناس فى مصر، نادرة فى القيمة والخلق والمعنى والإمتاع والإحساس.
وهنا كان قرار الاعتزال النهائى الذى يقف خلفه تراث كبير فى التمثيل والغناء، يعيد إنتاج شادية كل يوم رمزا مصريا للبهجة والأنوثة والاحترام والإبداع.
وقد كان للمسرح المصرى حظ من هذه الموهبة، فقبيل اكتمال المسيرة الإبداعية الثرية استطاع المنتج المثقف الموهوب فى الإنتاج الفنى مكتشف النجوم وصانع السعادة المؤلف سمير خفاجى أن يجتذب شادية للمسرح، وجاء لها بالفنانة الكبيرة سهير البابلى ذات التاريخ المسرحى الثرى، وبالفنان الكبير المسرحى المصرى صاحب الأسلوب الخاص فى فن المسرح عبدالمنعم مدبولى، ليشاركهما البطولة وبالنجم الجديد آنذاك أحمد بدير لتقدم فرقة الفنانين المتحدين مسرحية «ريا وسكينة»، من تأليف بهجت قمر الذى عالج حكاية ريا وسكينة من منظور اجتماعى نفسى جديد يجمع بين الضحك والبكاء، ويمزج مجموعة من العناصر المسرحية المعبرة عن فنون المسرح الشعبى التاريخية من المبالغة العاطفية (المليودراما) القائمة على المصادفات الكبرى واختفاء وظهور الأبناء، ويد القدر التى تقيم العدل، واستخدام الغناء والموسيقى والاستعراض، وهى هنا للعبقرى بليغ حمدى ومحمود رضا والإخراج لحسين كمال، والأشعار لعبدالوهاب محمد، والمناظر لنهى برادة، مما يجمع للعرض خبرات كبيرة فى القدرة على التواصل مع الجمهور العام، وفى جعل فنون المسرح الممتعة المبهجة القادرة على مخاطبة أفق توقع وترقب الجمهور، ممكنة للإمتاع والتسلية مع الرقى الفنى والمتعة الجمالية، واستدعاء تقاليد الكوميديا المرتجلة الشعبية التى كانت شادية فى قمة حضورها ورسوخها وهى تمارسها كممثلة مسرحية، رغم أنها تجربتها الوحيدة، لكنها كانت قادرة على صناعة الضحك مثل الخبراء الذين تقاسموا معها البطولة، عمق مأساة ريا التى جسدتها شادية فى علاقتها بابن البك، البرنس الذى كانت تعمل عنده والذى أنجبت منه ابنة غير شرعية، كبرت وتفرقت بها وبأمها السبل بعد أن أخبروها أن ابنتها ماتت، وطردوها من العمل بعد الولادة خشية الفضيحة ولكن كانت هذه الفتاة هى آخر ضحايا ريا وأختها سكينة، شادية أدت مشهد الصدمة بمقدرة مسرحية شديدة الحساسية، بهدوء وبمقترب تمثيلى معاصر، رغم كل المرح والغناء والرقص والمبالغة المثيرة للضحك والشفقة طوال المسرحية، إنها ممثلة مسرحية قديرة بلا شك فى تجربتها الوحيدة أما أدوارها السينمائية والدرامية الأخرى، تجعل الناقد فى موقف محير للغاية هل هى ممثلة أم مطربة أم صاحبة قدرات استعراضية؟ حقيقة الأمر أن شادية هى تلك الفنانة الشاملة التى تراها تجمع بين قدرات التمثيل والغناء والاستعراض، أما على صعيد التمثيل والغناء بالتحديد لها فيهما إبداع ثرى لا يجعلنا نراها ممثلة كبيرة، حتى نراها مطربة كبيرة، حتى ندرك أن تعدد المواهب والقدرة على الإبداع المتنوع علامة نادرة غابت عن أجيال معاصرة، بينما يبقى لقب الفنانة الكبيرة لشادية حاضرا، حضورها الدائم الممتد لأجيال قادمة، المعبر عن حضور تاريخى مشرف للمرأة المصرية، ودورها فى مشروع الحداثة والتنوير المصرى، أدوار تستحق التأمل والاستعادة، وللفنانة الكبيرة شادية كل التقدير والمحبة والاحترام فى قلوب المصريين والعرب من مختلف الأجيال، ولأيام قادمة.