
محمد جمال الدين
المنصب العام والكسب غير المشروع!
انتهى جهاز الكسب غير المشروع من فحص ملف (فلان الفلاني) المتهم باستغلال النفوذ وتضخم الثروة، بعدما سدد هو أو ورثته قيمة مستحقات الدولة (وبمعنى أصح ما نهبوه) مقابل انقضاء الدعوى الجنائية، ديباجة قانونية معتادة، يستفاد منها جل من قبل على نفسه أو على أسرته مال وأراضى الدولة، حينما شغل منصبا عاما فى الدولة المصرية، التى أصبحت الثروة فيها حكرًا عليهم فى وقت من الأوقات،
وهؤلاء تحديدًا هم من صدعونا فى يوم من الأيام بكلمات وجمل معسولة عن الشرف والكفاح والأمانة، رغم استحلالهم المال العام وجهد وشقى الغلابة من عموم المصريين البسطاء، واستفادتهم بشكل أو بآخر من التعديلات التى أجريت على المادة 14 مكرر، من القانون رقم 62 لسنة 1975 بشأن الكسب غير المشروع والتى تنص على «يجوز طلب التصالح من المتهم أو ورثته أو الوكيل الخاص به لأى منهما فى مرحلة التحقيق بإدارة الكسب غير المشروع، برد ما تحصل عليه المتهم من الكسب غير المشروع فى أى صورة كان عليها»، بالمناسبة ما رده هؤلاء للدولة ليس بقليل، فنجد من بينهم من رد 5 مليارات جنيه (رجل الأعمال حسين سالم)، والبعض الآخر قدم طلبا باستعداده التنازل عن 4 قطع أراض بمنطقة (أبو سلطان) بلسان الوزراء بالإسماعيلية مقدرة بـ34 مليون جنيه وقطعة أرض (بسيدى كرير) قيمتها 10 ملايين جنيه كعرض تحت حساب التصالح بإجمالى 44 مليون جنيه إلا إن جهاز الكسب غير المشروع لم يبت فى طلبه هذا لحين انتهاء عمل اللجان المشكلة لتقييم ثروته التى كشفت عن وجود زيادة ضخمة بها تقدر بـ304 ملايين و674 ألف جنيه (صفوت الشريف)، ناهيك عن أسرة رئيس وزراء سابق تنتظر قرار النيابة العامة بالطعن من عدمه على قرار طلب التصالح الذى تقدمت به لجهاز الكسب غير المشروع ، بعد تحويل ما حصل عليه مورثهم دون وجه حق للجهاز وقيمته 4 ملايين جنيه (عاطف عبيد)، وتم حفظ التحقيق مع أسرة وزير سابق، بعد تأكد النيابة العامة من سداد ورثته مستحقات الدولة، والتى حددها الخبراء بقيمة 32 مليون جنيه، فضلاً عن قيام أولاده بالتنازل عن قطعة أرض لصالح الدولة قيمتها 15 مليون جنيه لثبوت بنائها بمحمية قارون الطبيعية بالفيوم بالمخالفة للقانون، بجانب قطعة أرض أخرى واقعة بأراضى طرح النهر والمقدر قيمتها بنحو 10 ملايين جنيه، وتنازلوا عنها لصالح الدولة أيضا (كمال الشاذلي)، بالطبع هناك العديد من طلبات التصالح قدمها رموز الحكم السابق تنتظر البت فيها، من أمثال أحمد عز أمين التنظيم وعضو لجنة السياسات فى الحزب الوطنى المنحل، ووزير المالية الأسبق (يوسف بطرس غالي) الهارب فى لندن، كما ينظر خبراء الجهاز قضايا الكسب غير المشروع للرئيس الأسبق (مبارك) لاتخاذ قراره فيها عقب تسديده هو وأسرته فى وقت سابق لقيمة الهدايا التى حصلوا عليها من بعض المؤسسات الصحفية القومية، وقضية (زكريا عزمي) رئيس ديوان رئاسة الجمهورية الأسبق، القائمة تضم الكثير والكثير من الأسماء، أغلبهم مسئولون كبار وللأسف جميعهم استغل منصبه العام فى الحصول على ما ليس من حقه، ولم ينقذهم من الحساب أمام الشعب إلا طلب التصالح عن طريق جهاز الكسب غير المشروع، الذى لم يقنعنى أو يقنع غيرى، بتصالحه مع من استحل لنفسه المال العام مستغلا سلطته ونفوذه، خصوصًا لو علمنا أن أغلبهم من عناصر نظام الرئيس الأسبق مبارك، الذين تورطوا فى شراء أراضى الدولة بأسعار بخسة أو حصلوا على هدايا ومميزات وحقوق غير مستحقة لهم، وهم من أوكل لهم الشعب إدارة البلاد فى المرحلة السابقة، ولكنهم تنصلوا لهذه الوكالة وخانوا الثقة التى منحت لهم وطوقت أعناقهم، فسارعوا بعد انتهاء نظامهم وأفول نجمهم، إلى التصالح مع الدولة لرد ما حصلوا عليه دون وجه حق حتى ولو بأضعاف ما حصلوا عليه، حدث هذا مع من يتواجدون داخل مصر، وجار حدوثه أيضا مع من يتواجدون خارجها، وسيحدث مستقبلا مع من يستحلون المال العام، لذلك لا يعنى طلب التصالح ودفع الغرامة بالنسبة لى على الأقل أنهم أصبحوا مواطنين شرفاء وغير مدانين، لأنهم سيظلون فى نظرنا نحن الشعب مدانين ولصوص ثروات، لأن ثروة هذا الوطن هى حق لكل مواطن شريف يعمل بأمانة وبشرف ويحكم ضميره فى الأعمال التى يتولى إدارتها، لأنه بدون ذلك فنحن نقدم دعوة مجانية لكل مسئول بضرورة أن يستغل سلطات المنصب المتواجد فيه لتحقيق الكسب السريع وغير المشروع.