الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
حدث فى أكتوبر.. سلام سلاح

حدث فى أكتوبر.. سلام سلاح


مسرحية حدث فى أكتوبر والتى قدمت 1973 من وحى المعركة، والتى يمكن استعادتها لأبرز أعمال المسرح المصرى عن حرب أكتوبر باقية لدى مكتبة التليفزيون المصرى، وهى متاحة على محرك البحث «جوجل» كاملة يمكن مشاهدتها على سبيل المتعة الفنية والتأمل العميق لمسألة الحرب والسلام، وهى تعبير عن مقدرة الفنان المسرحى المصرى على التفاعل الإيجابى العميق مع النصر وذلك عبر فن الارتجال المنظم.
المسرحية رغم أنها من تأليف إسماعيل العادلى فإن فكرتها الأساسية تقوم على فرقة مسرحية تجتمع بعد بدء الحرب لتسأل نفسها ماذا تفعل وما دور الفنان الآن؟.. يظهر فى المسرحية الممثلون بشخصياتهم الحقيقية يبحثون عن دور فى المعركة ويتفق الجميع على أن الفكرة التى تقف وراء الفعل وأنه فى البدء كانت الكلمة.
ولذلك يتحاور الجميع حوارا مهما يمكن للمسرحيين أن يطرحوه على أنفسهم الآن ثم يتفقون على أنه يجب أن تكون الفكرة ليست فقط اعرف عدوك ولكن اعرف نفسك، هكذا يطرحها شفيق نور الدين على الفرقة ليكون السؤال المبكر فى قلب المعركة عن جوهر مصر، فتأتى الإجابة عن جوهر مصر بأنها مصر الحضارة والسلام، وفى هذا المعنى يستعيد إسماعيل العادلى مع المخرج الكبير الراحل كرم مطاوع من عالم عبدالرحمن الشرقاوى حديثه عن الكلمة: مفتاح الجنة فى كلمة ودخول النار على كلمة.. شرف الله هو الكلمة.
ويبدو أن العادلى ومطاوع قد كانا فى قلب التفكير القريب من فشل مبادرة روجرز للسلام قبل حرب أكتوبر 1973، فحديث الكلمة والحق حاضر فى تفكير فريق العمل المسرحى متأسس على بيانات وأرقام تسجيلية تاريخية قبل مذبحة دير ياسين الشهيرة وبعد أن ترك الاحتلال الإنجليزى أسلحته فى يد عصابة صهيونية أخافت العرب والسكان، كان اليهود يملكون %6 من أرض فلسطين فقط قبل الذبح والترويع، وكان عدد سكان فلسطين فى 1948 هو 2 مليون و80 ألف نسمة، ما بين مسلمين ومسيحيين بينهم 23 ألف يهودى، ثم تذكر المسرحية الاعتداءات الصهيونية على الأهداف المدنية عقب 1967 ومنها الاعتداء على أبوزعبل وبحر البقر، ثم يتأمل العمل جوهر مصر عبر استعادة مشاهد رئيسية من مسرحية إيزيس لتوفيق الحكيم للسؤال عن الذات المصرية، فجوهر الشخصية المصرية تعبر عنه الأسطورة المصرية القديمة فى أوزوريس المصرى عاشق الزرع والخصوبة والنماء المحب للإنسان والحياة المؤمن بأن العالم ملك للإنسانية كلها.. ملك للبشر جميعهم، أما (ست) الشرير القاتل فلا يمكن مواجهته فقط بالحضارة والمحبة، فالقيم النبيلة تحتاج لسلاح يحميها ولذلك تنجب إيزيس والتى تمثلها سهير المرشدى حورس الابن، بعد قتل ست الشرير لأخيه فى الإنسانية أوزوريس عبر الخديعة والحقد سعياً للسيطرة على الأرض والنهر والناس، ولذلك تعلم إيزيس حورس والذى يؤديه أشرف عبد الغفور أن يمسك فى يده سيفا وأن يسعى للثأر من قاتل أبيه، وهو ثأر حضارى لأنه ليس ثأر فرد بل ثأر وطن بأكمله.
وبينما يقدم الممثلون تلك المشاهد المسرحية عبر تقنية التمثيل داخل التمثيل يناقشون الأسطورة من منظور نقدى معاصر بشخصياتهم الحقيقية، عبر المسرح داخل المسرح فى رؤية إخراجية مكثفة، وهى الطريقة التى قدم بها مطاوع مسرحيته، القدرة على جمع عناصر مسرحية من مدارس متعددة اعتمدت على المسرحة وإثارة خيال المتلقى،فالمشاهد التاريخية يؤديها الممثلون بملابسهم العصرية والموسيقى فى معظمها تعتمد على إيقاع الطبول وأصوات الغناء البشرى البسيط، والتعبير الحركى الحديث آنذاك فى الخلفية يشرح فى صور تشكيلية المعنى العام وهو تعبير حركى صممه المخرج المسرحى ليجعله حاضرا على مستوى مرتفع فى خلفية المشهد المسرحى ليمتع العين، ولتكون الدائرة الخشبية وكأنها المهمات المسرحية العادية التى تستخدم لتجهيز المناظر المسرحية والمتروكة بطريقة تلقائية مرتجلة لمنح الممثلين إمكانية استخدام النقطة الذهبية فى المسرح لتمثل لحظات الانفعال والرسائل المسرحية المهمة عن الحضارة والكلمة والحرب.
ولذلك فالمسرحية - آنذاك - ولا تزال الآن يمكن تصنيفها فى إطار المسرح الحديث المعتمد على تلقائية منضبطة للارتجال والمتخلص من ثقل المناظر التقليدية لفضاء مسرحى حر يتنفس مع المبدعين الكبار فنا وخيالا وصدقا، ولذلك فالمسرحية تعبر بتوازن شديد وبوطنية عاقلة عن انتصار أكتوبر 1973، والبطل من وجهة نظر المسرحية هو الشعب المصرى العبقرى الذى هو أفراد وعتاد الجيش الوطنى المصرى..ولذلك فالعمل يستمد قيمته من الاحتفال بثقافة الانتصار المعبرة عن شعب مصر، لا يحدد أبطالا أفرادا، بل تؤكد إيزيس لحورس أنه لا يجب أن يكون وحده، لأن انتصاره مشروط بمقدرته على أن يجعل الجماعة كلها معه، لأن الجماعة المصرية كما عبر عنها كاتب أشعار المسرحية سيد حجاب هى تعبير عن أن مصر تحت الشمس فى أشرف مكان، لأنها الحرب قاسية حتى مع الانتصار عند أصحاب الحضارة أبناء أوزوريس الحى الذى من أجل السلام جاء ومن أجل الحياة مات فهو يبعث فى حورس المنتصر من جديد ليقول بالحياة، ولذلك وفى قراءة للمستقبل آنذاك وفى تعبير حى عن الحاضر المعاش الآن، تشرح أشعار سيد حجاب البسيطة السهلة الممتعة القادرة للتعبير عن الأفكار المهمة بسهولة ويسر جوهر مصر.