
هاني عبد الله
خطة «واشنطن».. لإسقاط النظام الإيرانى!
بحلول أغسطس الماضي؛ كان ثمة تقرير [مهم]، فى طريقه نحو «مجلس الأمن القومى» التابع لإدارة «دونالد ترامب»، حول الوسائل التى يجب أن يتخذها «الرئيس الأمريكى»؛ للتخلص من الاتفاق [النووي] الإيرانى.
التقرير كتبه، من حيث الأصل «جون بولتون» (John R. Bolton) سفير واشنطن «السابق» بالأمم المُتحدة؛ بناءً على طلب من كبير الاستراتيجيين السابق «ستيفن بانون» (Stephen K. Bannon) .. إلا أنّ عمليات التغيير التى شهدها، أخيرًا «مجلس ترامب القومى»، حالت دون أن يأخذ التقرير مساره الطبيعى، نحو «المكتب البيضاوى»، حينئذ (!).. ومع ذلك.. ذهب «بانون»؛ وبقيت الرغبة الأمريكية فى نسف [الاتفاق النووى] مع طهران، راسخة داخل عقل الفريق التابع لـ«إدارة ترامب».
تلك الرغبة، تحكمها - بالأساس - معايير «برجماتية» بحتة؛ إذ تصادمت - إلى حدٍّ بعيد - المصالح الأمريكية، بنظيرتها الإيرانية داخل منطقة «الشرق الأوسط»: (ترسخ «النفوذ الإيرانى» تأسيسًا على تعقد «القضية السورية» وتعدد أطرافها/ وفى «اليمن» كذلك/ وتزايد القلق «الإسرائيلى» من جراء تزايد إمكانيات التخصيب الإيراني/ كما باتت الساحة العراقية نقطة صراع «ملتهبة» حول من يتحكم فى مسار النفط بالمنطقة بالنسبة للطرفين).
.. والنقطة الأخيرة، على وجه التحديد (أى: من يتحكم فى مسار النفط بالمنطقة)، تُمثل - فى تقديرنا الخاص - أحد مرتكزات توتر العلاقة بين الطرفين، من حيث الأصل.. إذ إنّ العراق [بثروته النفطية] أصبح هدفًا رئيسيًا على خريطة الصراعات الإقليمية بشكل كبير.. وكان أكثر ما تخشاه «واشنطن» خلال المواجهة مع ما يُسمى بـ«تنظيم الدولة» (داعش)، أن يسقط الجنوب العراقى «الشيعى» [الغنى بالنفط] فى يد النفوذ الإيراني؛ إذ يُمكن أن يؤدى هذا الأمر؛ لسيطرة «طهران» على مسار «النفط»، و«الغاز الطبيعى».. وهو ما يُمكن أن يُلقى بظلاله على نفط «المملكة العربية السعودية»، و«غازها»، أيضًا.. وأن يتسبب هذا فى إعادة تنظيم «المنطقة»، وفقًا لما يريده «آيات الله» (!)
وأيًّا كانت أسباب التوتر.. فإن محاولات التملص الأمريكية المستمرة [من تداعيات] [الاتفاق النووي] الذى عقدته «إدارة أوباما» مع نظام «آيات الله» فى طهران، لا تزال بادية بقوة كأحد مُستهدفات الإدارة الأمريكية الحالية.. ومن ثمَّ.. تجدد العديد من مطالب التخلص من تداعيات هذا الاتفاق، خلال الأيام الماضية.. وأصبحت العاصمة «واشنطن» أقرب لـ«خلايا عمل» لا تهدأ؛ للخروج بحلول مبتكرة من الموقف [المتأزم]، قبل حلول موعد التصديق الجديد على استمرار الاتفاقية فى أكتوبر المُقبل (وفق ما يقتضيه القانون الأمريكى).
وسر تأزم الموقف؛ أن «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» [المنوط بها مراقبة البرنامج النووى الإيراني]، اعتبرت - مجددًا - أن «نظام آيات الله» يفى بالتزاماته بموجب «خطة العمل المشتركة الشاملة» (وهو التوصيف الدبلوماسى المُعتمد للاتفاقية بين الطرفين).. وبالتالى.. فإذا لم تصادق «إدارة ترامب» على [التزام إيران]، فى أكتوبر المُقبل، كخطوة تمهيدية؛ للانسحاب من الاتفاق؛ فإنّ هذا الأمر سيسبب حرجًا شديدًا لـ«واشنطن» من الناحية الدبلوماسية (خصوصًا أمام «الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، والدول الأخرى التى شاركت فى المفاوضات النووية مع إيران).
وفيما كان يسعى العديد من الدوائر الأمريكية؛ للبحث عن استراتيجية [مُحكمة] للخروج بواشنطن من أزمتها الدبلوماسية تلك، وبما يحافظ على المصالح الاستراتيجية الأمريكية بالمنطقة.. كان أن ظهر على السطح [مُجددًا] تقرير «جون بولتون»، وبات العديد من الدوائر (المتداخلة مع صناعة القرار الأمريكى) يدفع به نحو الدراسة مرة أخرى.. إذ يتجاوز مضمون التقرير فرض عقوبات رادعة على «النظام الإيرانى» إلى صياغة استراتيجية «شبه كاملة» [لإسقاط النظام] نفسه، ووضعه فى «عزلة سياسية» من قبل النظام الدولى (من دون استبعاد الخيار العسكري!).
.. وبشكل تفصيلي؛ فإنّ مكونات الاستراتيجية [المُقترحة]، ترتكز على أربعة عناصر أساسية:
-1 إشراك الأطراف ذات المصالح الاستراتيجية بالمنطقة: (بريطانيا/ فرنسا/ ألمانيا/ إسرائيل/ المملكة العربية السعودية) فى الأمر، وإعلامهم بأنّ «واشنطن» بصدد إلغاء الاتفاقية؛ نظرًا للسلوك النووى الإيرانى «غير المقبول».. وأن الولايات المتحدة، تسعى للحصول على دعمهم فى هذا الأمر.
-2 إعداد استراتيجية «موثقة» للانسحاب، عبر تجهيز «ورقة بيضاء» (white paper) توضح أنّ الاتفاقية أضرت كثيرًا بمصالح الأمن القومى الأمريكى، نظرًا لتصاعد السلوك الإيرانى منذ توقيعها.. كما يُمكن الاستعانة فى تلك الورقة (حسب الحاجة) بعددٍ من التقارير والمعلومات الاستخبارية من الوكالات المختلفة.
-3 يجب أن تبدأ تلك التحركات بحملة دبلوماسية [فورية]، لاسيما فى أوروبا والشرق الأوسط.. وأن تتكفل «واشنطن» خلال تلك الحملة باستمرارية التركيز على «التهديد الإيرانى» كأولوية دبلوماسية، واستراتيجية [كبرى].
-4 استثمار جهود «الكونجرس» والدبلوماسية الشعبية، فى بناء دعم محلى [وأجنبي] للاستراتيجية الجديدة.
وتحت عنوان: [مفاهيم وتكتيكات التنفيذ]؛ ذكر التقرير أنه يتعين على واشنطن:
- إجراء مشاورات «مبكرة» مع اللاعبين الرئيسيين، وبذل جهد عالمي؛ لإقناع حلفائنا، وشركائنا [وغيرهم] بأنّ سلوك إيران بات «غير مقبول».. (ورغم أن هذا الجهد يمكن أن يتسرب إلى الصحافة)؛ فإن «البيت الأبيض» يجب ألا يقود الأمر بمعزل عن هؤلاء الشركاء.. وأن يتبنى (عند الاقتضاء) إسهاماتهم، ومقترحاتهم.. بما يُرسى الأساس؛ لفرض عقوبات جديدة تحول دون نقل التكنولوجيا النووية والصاروخية [أو تكنولوجيا الاستخدام المزدوج] إلى إيران.. وبالتعاون مع «إسرائيل» (والشركاء الآخرين)؛ [يُمكننا دراسة الخيارات العسكرية!].. ومع الشركاء الآخرين بمنطقة الخليج؛ يُمكننا - أيضًا - مناقشة آليات ووسائل معالجة مخاوفهم من «الخطر الإيرانى».. كما يُمكن أن تبدأ المشاورات المسبقة بدعوة خاصة من الرئيس، ثم تليها مناقشات موسعة بالعواصم الكُبرى.
- يجب على «البيت الأبيض»، أن يُنسق مع جميع الوكالات الاتحادية (ذات الصلة)؛ ليبين بوضوح الأبعاد المتعلقة بمصالح «الأمن القومى» فى الولايات المتحدة.. وأن تكون «الورقة البيضاء» التى سيتم اعتمادها فى هذا السياق، نقطة الانطلاق «الأولى» للمناقشات الدبلوماسية، ولماذا يتعين على الإدارة إلغاء الاتفاقية، ولماذا يجب حرمان إيران من الحصول على التكنولوجيا النووية إلى أجل غير مسمى (وفقًا للمعلومات الاستخبارية المتاحة)؛ لضمان توفر أكبر قدر ممكن من المعلومات حول السلوك الإيرانى، لدى الرأى العام الدولى (وبما يتفق مع حماية مصادر الاستخبارات وأساليبها).
- وأن يكون تدشين الحملة الدبلوماسية [الموسعة]، مُعتمدًا على خطة [تكتيكية] يُستخدم خلالها جميع الأدوات الدبلوماسية المتاحة لبناء الدعم لقرار «البيت الأبيض».
- يجب أن يكون للإدارة خطة مدروسة مع «الكابيتول هيل»؛ لإبلاغ أعضاء الكونجرس [المعنيين] بشأن إيران بتفاصيل التحركات، واستثمار «حالة الزخم» التى سيفرزها هذا الأمر؛ لفرض عقوبات واسعة ضد إيران [أكثر شمولاً بكثير من العقوبات التى فضّلتها الإدارات السابقة]؛ إذ سيكون دعم الكونجرس [القوي] أمرًا حاسمًا.. كما ينبغى أن نكون على استعداد لتقييد السلوك الإيرانى بجميع أنحاء العالم (بما فى ذلك علاقته بـ«كوريا الشمالية»، وأنشطتها الإرهابية).. وعلينا أن نبرهن على الصلة بين السلوك الإيرانى وأن مقتضيات «الأمن القومى الأمريكى» لا تتماشى مع الاتفاقية.
واقترح «التقرير» - فى هذا السياق - جملة من التحركات السريعة، منها:
(أ) - إنهاء جميع حقوق هبوط الطائرات الإيرانية، أو رسو سفنها بجميع «الموانئ» الحليفة.
(ب) - إنهاء جميع التأشيرات الخارجية للإيرانيين، بما فى ذلك «رجال الدين»، و«الطلاب»، و«البعثات الرياضية»، وغيرها.
(ج) - التقدم بطلبات لتحديد موعد نهائى للأحكام القضائية الفيدرالية الأمريكية المتعلقة بدعم إيران للإرهاب، بما فى ذلك أحداث 11 سبتمبر.
(د) - الإعلان عن دعم الولايات المتحدة للمعارضة الإيرانية الديمقراطية (أى: الدفع - أيضًا - فى اتجاه تغيير النظام من الداخل).
(هـ) - الإعلان عن دعم الولايات المتحدة للتطلعات الوطنية الكردية (بما فى ذلك الأكراد فى: إيران والعراق وسوريا).
(و) - تقديم المساعدة للبلوشيين وعرب خوزستان والأكراد وغيرهم.. وللمقاومة الداخلية (النقابات العمالية/ الطلاب/ المجموعات النسائية).
أما إلى أى مدى يُمكن أن تتحول تلك الاستراتيجية إلى واقع ملموس.. فهذا ما ستكشف عنه الأيام القليلة المُقبلة.