الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
استراتيجيات «التلاعب بالعقول»!

استراتيجيات «التلاعب بالعقول»!


تحتفظ لنا ذاكرة التراث «اليابانى» بحكاية طريفة إلى حدٍّ بعيد.. إذ تقول الحكاية؛ إن فأرًا «ذكيًّا» استوطن منزل «ساموراي» ماهر.. إلا أنّ الساموراى - رغم مهارته - لم يجد وسيلة مناسبة لصيد الفأر (!).. فنصحه أحدهم بأن يستعين بقط؛ لحل تلك الأزمة.. إلا أنه بعد مضى الوقت؛ لم يُجد القط نفعًا.. فاستبدله «الساموراى» بآخر أقوى وأكبر.. إلا أنّ قوة القط الجديد أفزعت الفأر.. فأخذ يُراقب القط «الجديد» عن كثب.. وعندما كان ينام القط؛ كان يتجول الفأر - وقتها - بحرية، ثم يهدأ عندما يستيقظ غريمه(!)

أزعجت تلك الحلول (غير المُجدية) الساموراى إلى أقصى درجة.. ومن ثمَّ.. كان أن قرر إرجاع القط (الثانى)، هو الآخر؛ لبائع الق طط (!).. وأثناء عودته؛ التقى «كاهن المعبد».. فنصحه «الكاهن» بالاستعانة بـ«قط المعبد».. وكان هذا القط «سمينًا وبطيئًا».. ساكنا أغلب الوقت (!)
مضى أسبوعان و«قط المعبد» لا يُحرك ساكنًا.. حتى همَّ «الساموراى» بإرجاعه إلى «الكاهن»، هو الآخر.. إلا أن «الكاهن» أخبره بأن نهاية الفأر قد حانت، إذ اعتاد الفأر على أنّ «القط» لا يتحرك من موضعه، بينما يتحرك هو بحرية.. وذات ليلة؛ خرج الفأر مطمئنًا، ومر بجوار القط.. فكان أن انهال عليه «القط» بمخالبه، فأرداه قتيلا.
ومغزى «الحكاية»، هنا: أن التصرفات (المعلنة)؛ لا تعكس - بالضرورة - فحوى الأفكار (غير المُعلنة).   

ففى عالميِّ: «الاستخبارات»، و«السياسة»؛ ثمة استثمار (حقيقى) لحكاية قط المعبد على المستوى الاستراتيجي؛ إذ تفرع عنها عديدٌ من الحيل؛  و«التكتيكات».. فكثيرًا ما تكون أفضل «الحيل»، هى تلك التى يتم تنفيذها فى وضح النهار؛ إذ إنّ التحرك فى «الظلام»، والاختباء خلف الحُجب؛ يثير انتباه الخصوم.. ومن ثمَّ.. يتحسبون من التحركات «المفترضة»، إلى حدٍّ بعيد (!)
وفى «عالم الاستخبارات» أيضًا؛ ثمة تطوير (مُعاصر) لتلك الحكاية، يقول: «تحرك بشكلٍ مُعلن وفكر بشكلٍ غير مُعلن» (Act Visible, Think Invisible).
القاعدة «الأخيرة» تلك تحكم كثيرًا من التحركات «الاستخبارية» على المستوى الدولى.. فعندما يعتقد خصومك أنهم يُمكنهم استنباط خطواتك التالية.. فهذا هو «الوقت المناسب»؛ لتنفيذ هدف «حقيقى» آخر، تم إخفاؤه - أيضًا - عن الجميع (!)
وفى التطبيق (الأكثر حداثة) لتلك «القاعدة»؛ يلجأ عديدٌ من أجهزة الاستخبارات «العالمية» إلى الدفع بتقاريرهم «المعلوماتية» نحو وسائل الإعلام المختلفة.. لكن قطعًا.. لا يُمكن لنا - بأى حال من الأحوال - أن نعتبر هذا الأمر بريئًا، بشكل كامل.. إذ غالبًا ما يتمركز تسريب تلك التقارير إعلاميًّا؛ حول جملة من الأهداف التكتيكية، منها:
(أ)- هدف «حرق السيناريو»:
وهو هدف «رادع» للخصوم، فى المقام الأول.. إذ عادةً ما يستهدف هذا «التكتيك» تأكيد قوة الدولة (معلوماتيًّا)، وقدرتها على استنباط «مُخططات» أعدائها.. وإجهاض سيناريوهات (مُحتملة) يُمكن القيام بها فى القريب.. كما أنّ لهذا «التكتيك» أثره المُطمئن للحلفاء، أيضًا؛ إذ يُزيد من ثقتهم فى قدرات حلفائهم من الناحية الاستخبارية.
(ب)- هدف «استنزاف الخصم»:
وهو هدف يسعى لإرهاق الخصم اقتصاديًّا، عبر توجيه طاقته (المالية) نحو مخاطر بعيدة، تنال من قدراته المالية (فى الوقت الحالى).. إذ غالبًا ما يتم تغذية الخصم (عبر تلك التقارير) بمخاطر «مستقبلية» تتسم بقدر كبير من المبالغة.. ومن ثمَّ.. يدفعه هذا الأمر لتوجيه «موارده المالية» نحو سد ثغرات تلك المخاطر (المحتملة)، من دون أن يلتفت - بشكلٍ كافٍ - إلى أولويات الإنفاق المرحلية.
(ج)- هدف «المعلومات العكسية»:
وهو هدف يتركز - فى المقام الأول - على قياس «رد الفعل»، الناتج عن تسريب تلك المعلومات إعلاميًّا.. إذ غالبًا ما يفوق حجم المعلومات الوارد عن قياسات «رد الفعل» ما يُمكن أن تحتويه التقارير «المُسربة» من معلومات.. كما يُمكن أن يُحفز هذا الأمر أجهزة الاستخبارات الأخرى على نشر ما لديها من معلومات (تأكيدًا، أو نفيًا).. وبالتالي؛ يخلق هذا الوضع نوعًا من التماس بين المعلومات «المعلنة»، وغير المُعلنة.
(د)- توجيه الرأى العام:
وذلك إما بإقناع الرأى العام (المحلى، أو العالمى) بفكرة ما.. أو نزع «قناعة» أخرى لديهم حول قضية أخرى.. وهى لُعبة يُدرك قيمتها جيدًا من يستحوذون على مقاليد «الإعلام الدولى».. إذ يُؤمّن لهم هذا الأمر تمامًا إعطاء صورة «سلبية» عن الدول محل الاستهداف.. أو تغيير قناعات «الرأى العام» نفسه، إذا ما تقاطعت المصالح.

يقينًا (لمن لا يُدرك)؛ يلعب «الإعلام» هنا دورًا محوريًّا (ومُهمًّا) فى تمرير هذه السيناريوهات، وأهدافها كافة.. تُصبح الغلبة فى هذا الأمر (برمته) لمن يمتلك تصدير الصورة (التى يُريدها) على النطاق الأوسع.. الأمثلة - قطعًا - كثيرة، ومتعددة.. لا يمكننا أن نفصل - كذلك - أيًّا من الأهداف الأربعة السابقة، عما تشهده الساحة العالمية (إعلاميًّا)، من تجاذبات، وتسريبات، وتقارير تستهدف دولاً بعينها.
باتت سيناريوهات توظيف «وسائل الإعلام» عالميًّا (خلال فترات ماضية؛ أقرب لجرس إنذار يجب أن نتنبه إليه جيدًا، ونحن نخطو نحو المستقبل.. آليات التوظيف، هنا «غير مُستبعدة» إلى حدٍّ بعيد.. تحمل فى بعض جوانبها وعدًا ووعيدًا.. وما شهدته منطقة «الشرق الأوسط» بالأمس، غير بعيد(!)
ما يعنينا على مستوى التقاطعات الدولية - قطعًا - هو سلامة «الحالة المصرية».. فتأمين البيت من الداخل (أولوية وطنية).. تجابه «مصر» واقعيًّا، أنواعًا شتى من الاستهداف.. لا يُمكن أن يتم التعامل مع هذا الأمر بأى نوعٍ من الاستخفاف.. فالإرهاب المتربص على الحدود لا يحتاج أكثر من عينين.. ومحاولات استهداف «النسيج الوطنى»، وخلق سيولة أمنية (داخلية) لا يُمكن التعامل معه بحسن نية (!).. كما أنّ هناك محاولات (خارجية) لاستنزاف الشرعية السياسية (!).. والمُحصلة «النهائية» لكل هذا؛ هى خلق «دولة فاشلة»، وفقًا للمعايير الدولية (!)
صناعة «الدول الفاشلة» أصبحت سوقًا (رائجة) لقوى الهيمنة.. وقوى الهيمنة نفسها، تمتلك آلة إعلامية (جبارة).
أغلب دول المنطقة (نفسها) تحول، بمضى الوقت، إلى زبون «شبه دائم» داخل تلك السوق.. مثّلت الحالة المصرية (استثناءً) من تلك الصناعة فى أعقاب ثورة 30 يونيو.. يقينًا.. هناك من لا يريد لنا استثمار هذا الاستثناء.
الحفاظ على مكتسبات استقلال القرار الوطنى فى أعقاب 30 يونيو (ضرورة قومية).. ضرورة تقتضى التنبه لما يُمكن أن يُحاك لنا فى ظل أوضاع إقليمية مزقتها الأجندات الخارجية.. وإنّا لمنتبهون.