
أسامة سلامة
الرئيــس والـزعــيم
أمر جيد، بالتأكيد، أن يتذكر الرئيس محمد مرسى الزعيم جمال عبدالناصر فى ذكرى رحيله.. لكن - حقيقة - يحار المرء فى فهم موقف د. مرسى من الزعيم.. هاجمه فى خطابه بميدان التحرير بعد فوزه بالرئاسة قائلا: «وما أدراك ما الستينيات»! ومدحه فى إيران على ملء من العالم فى قمة عدم الانحياز؟!
فهل يحبه بشكل شخصى، ويخاف أن يصرح بذلك حرصا على جماعة الإخوان التى تكره ناصر وسيرته وتاريخه وإنجازاته أم أنه يشيد به عندما تكون هناك فائدة وراء ذلك؟ ولكن يظل ما فى القلب فى القلب.
يدين الرئيس مرسى للرئيس عبدالناصر.. ولولاه ما وصل إلى حكم مصر ومقعد الرئاسة.
الزعيم صاحب فضل على الكثيرين ممن تبوأوا مناصب كبيرة، بعضهم تنكر له، وآخرون مازالوا يحملون له الجميل ويورثون حبه لأولادهم، إيمان عبدالناصر بالعدالة الاجتماعية منح الفرصة لأبناء الفقراء للتعليم والحصول على شهادات مهدت لهم الطريق للارتقاء بأنفسهم والصعود بأسرهم درجات فى السلم الاجتماعى.. د. مرسى واحد من هؤلاء، وهو يفتخر بأنه ابن لفلاح بسيط شريف ومكافح حصل على فدانين من الإصلاح الزراعى الذى أقره عبدالناصر، وبهما استطاع أن يعلم أولاده وأن يحصل واحد منهم على الدكتوراه فى الهندسة من إحدى الجامعات الأمريكية.. وهكذا أعطى ما يملك لمن يستحق، وكانت النتيجة الآلاف من العلماء والأطباء والمهندسين والقضاة وغيرها من المهن التى كانت حصرا لأبناء الأغنياء فقط.. لولا الإصلاح الزراعى ومجانية التعليم ما كان د. مرسى قد واصل تعليمه ولولا اجتهاده العلمى والسياسى وحصوله على الدكتوراه ما كان صعد داخل جماعة الإخوان التى رشحته دون باقى أعضائها لرئاسة الجمهورية.
الإخوان لهم ثأر مع عبدالناصر، زج بهم فى السجون وعذبهم فى المعتقلات بعد صراع سياسى مرير كانت الغلبة فيه لصالحه فى النهاية.. في المقابل فإن قرارات ناصر هى التى منحت الفرصة للدكتور مرسى مع ملايين المصريين لتغيير مستقبله.
ليس مطلوبا من الرئيس مرسى أن يسبح بحمد الزعيم ولا أن يترك الإخوان ويلتحق بالناصريين، فقط يجب أن ينظر إلى تاريخ ناصر ويدرس قراراته ويعرف لماذا أصبح زعيما شعبيا مازالت الناس تحبه بعد وفاته بـ42 عاما، تهل ذكراه فيتحمس المواطنون وتدب فى عروقهم أيام المجد.. ويتذكرون عندما كانت مصر ملء السمع فى كل دول العالم.
ولاء ناصر للجماهير وانتماؤه للمواطن جعل العدالة الاجتماعية على رأس أولوياته، أما فى الاقتصاد فلم يكن فى صحبته رجال أعمال يحاولون الحصول على مكاسب خاصة، ولا تجار مهمتهم عمل سلاسل سوبر ماركت.. كانت قراراته إنشاء مصانع تعطى للاقتصاد قوة.. وللبلد اكتفاء.. وللعاطلين فرصة عمل، ورغم أن هذه المصانع تمت خصخصة معظمها وبيعها لصالح مجموعة صغيرة أحاطت بنظام مبارك، فإنها مازالت تذكر الناس برئيس انتمى إليهم.. كان عبدالناصر كثير الإنجازات كبير الأخطاء مثلما قال عنه الشاعر العراقى الكبير الجواهرى «عظيم المجد والأخطاء».. ولكنه سيظل خالدا فى قلوب المصريين بما أعطاه لوطنه.
الآن أمام د. مرسى طريقان: إما أن ينحاز للفقراء والبسطاء وللوطن فيصبح زعيما تذكره الأجيال، أو أن ينحاز إلى التجار والشطار وأصحاب السوبر ماركت، فيصبح مجرد عدة سطور فى كتاب التاريخ.