
أسامة سلامة
«حرق مصر» في سبيل الله!
اسامة سلامة روزاليوسف الأسبوعية : 14 - 01 - 2012
في توقيت واحد أعلن القائمون علي ما يسمي بالدولة القبطية افتتاح قنصليات في عشر دول.. كما نشرت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أخبارا بحصولها علي 1000 عصا كهربائية لاستخدامها في مهامها في الإسكندرية كأول محافظة يطبق فيها هذا النظام. البعض يعتبر مثل هذه الأخبار هزلية وأنها لا ترقي لمناقشتها وإضاعة الوقت في الرد عليها.. فالاثنتان «الدولة والهيئة المزعومتان» مازالتا في المجال الافتراضي وتتم الكتابة عنهما فقط في مواقع الإنترنت.. وقد يقول آخرون من هي الدول التي ستقبل بافتتاح قنصليات لدولة لا وجود لها؟!.. ليس لديها أرض ولا شعب ولا حكومة معترف بها، وأيضا من الذي سيقبل الاعتداء عليه من أشخاص بدعوي أنه أخطأ وأنهم يقيمون ويقومون سلوكه.. وهل يمكن أن تمارس هذه الهيئة المزعومة عملها دون الحصول علي موافقة الحكومة أم أنها ستجبر الأخيرة علي الاعتراف بها وبالتالي التخلي لها عن جزء من مهامها؟!
الحقيقة أنه رغم عدم معقولية الخبرين ومن قبلهما خبرا إقامة الدولة وإنشاء الهيئة، فإنه لا يجوز الصمت إزاءهما.. فحرق البلد يبدأ أحيانا من الهزل ولا يقلل من خطورة الأمر رفض الكنيسة والأقباط في مصر للدولة المزعومة وهجوم الأزهر والمسلمين علي الهيئة الوهمية.. فالأخبار عن الاثنين تتوالي وتتزايد.. واستخدامهما من قبل جهات خارجية وارد جدا وإشعال حرب أهلية من خلال احتمال لا يمكن إنكاره.. في شهر يوليو الماضي تم الإعلان عن إنشاء الدولة القبطية وأنهم يطلبون حكما ذاتيا في مصر بحيث يصبح لها محاكم خاصة وقضاة مسيحيون ومحاكم مدنية وجنائية.. ووزارات مماثلة للوزارات المصرية بما فيها الشرطة والمخابرات وزعموا وقتها أنهم سيعينون سفراء أسوة بدولة الفاتيكان.. وقتها قوبل هذا الكلام بالسخرية من البعض والاستهجان من البعض الآخر، والرفض من الكنيسة.. ولكن الأخبار لم تنقطع من القائمين علي هذه الدولة وهم يبثونها في كل المواقع.
آخر هذه الأخبار افتتاح قنصليات في عشر دول معظمها حسب الخبر المنشور في دول أوروبية بجانب أمريكا فيما عدا جوبا بجنوب السودان.. وهو ما تناقلته عدة مواقع مسيحية.. أما هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي لم تظهر حتي الآن رغم الإعلان عنها منذ عدة أسابيع.. فقد اكتفت ببث أخبارها من خلال ال«فيس بوك» مثل الإعلان عن حاجتها لموظفين برواتب شهرية تصل إلي 500 جنيه أو استخدامها للعصا الكهربائية حتي وصول العصا المستخدمة في معاقبة المخطئين.. وآخرها خبر الحصول علي 1000 عصا كهربائية لاستخدامها في الإسكندرية، حيث تزعم بدء نشاطها هناك، وأنه تم توزيع هذه العصي بالفعل علي المتطوعين.
اللافت أن كل الأخبار تأتي من صفحة الهيئة علي «الفيس بوك»، وهي صفحة لم يكشف أصحابها عن أنفسهم حتي الآن.. ورغم أن كل الأحزاب الإسلامية وعلي رأسها النور السلفي رفضوا تماما وجود مثل هذه الهيئة أو ارتباطها بهم، إلا أن الصفحة مازالت تواصل بث أخبارها حيث تتلقفها المواقع الإخبارية.. وكأن المقصود هو نشر هذه الأخبار ومعرفة ردود الأفعال حولها.. إذن هناك افتراضان: الأول أن تكون المجموعة التي أعلنت عن قيام الدولة القبطية تدرك جيدا استحالة وجود هذه الدولة، وأن هدفها هو إثارة البلبلة واستخدام المتطرفين الإسلاميين هذه الأخبار تكأة لاتخاذ موقف ضد المسيحيين في مصر وذريعة لاتهامهم بالخيانة وعدم الوطنية، وبالتالي التصعيد ضدهم والقيام بأحداث عنف، ثم تأتي الخطوة الثانية وهي الشكوي للأمم المتحدة بوجود اضطهاد ممنهج ضد المسيحيين في مصر، في المقابل فإن الإعلان عن هيئة الأمر بالمعروف المزعومة دون وجود حقيقي لها يعطي الفرصة للمتطرفين المسيحيين لكي ينشروا في العالم الأخبار عن الاضطهاد القبطي وإجبار المسيحيات علي ارتداء النقاب والمسيحيين علي إطالة اللحية، وهو ما يؤدي إلي نفس الطريق وهو الشكوي إلي الأمم المتحدة ثم صدور قرارات ضد مصر وربما تقسيمها.. الإلحاح الإعلامي من القائمين علي الجهتين رغم استحالة إنشاء الدولة القبطية أو قيام الهيئة المزعومة بمهامها الوهمية يعني أن الهدف هو الزعزعة واستخدام التخويف في المجتمع المصري حتي يصدق وجودهما ثم تأتي بعد ذلك الخطوات التالية في المخطط الخطير حتي نصل إلي طلب فرض الحماية أو تقسيم البلد.
هذا هو الافتراض الأول، أما الافتراض الثاني فهو أن هناك خطة بالفعل لإنشاء دولة قبطية، وقد تعترف دول بحكومتها في المنفي، وذلك بعد افتعال أحداث تؤدي إلي العنف الطائفي.. وأيضا قد توجد بالفعل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتظهر في أماكن وتعتدي علي المواطنين الذين سيردون بعنف مقابل، ومن ثم تشيع الفوضي في المجتمع أو يستسلمون لها فيصبح البلد ملكا لهؤلاء المتطرفين.. كلا الافتراضين يؤدي إلي حرق مصر.. والمتطرفون من الجانبين الإسلامي والمسيحي يسعون إلي ذلك باسم الدين ويزعمون أنهم يفعلون ذلك في سبيل الله وإعلاء لكلمته.. رغم أن الدين منهم براء، حقيقة إن الأزهر والكنيسة تبرآ من الطرفين المتطرفين، لكن هل يكفي هذا أم أننا يجب أن ننتبه لهذا المخطط الشيطاني؟.. إنني أطالب هنا وزارة الداخلية والجهات المعنية بالكشف عن هذه الهيئة والبحث عن المسئولين عن صفحتها، وكشف حقيقتها أمام المواطنين، وإذا كانوا أشخاصا حقيقيين فيجب محاكمتهم سريعا لاغتصابهم سلطة الحكومة وترويع المواطنين، وإذا كانوا أشخاصا عابثين فمطلوب الإعلان عنهم وكشفهم، كما أطالب وزارة الخارجية والجهات المعنية بمتابعة القائمين علي الدولة القبطية المزعومة وتطوراتها.. فلا يوجد ممثل للأقباط سوي الدولة المصرية باعتبارهم مواطنين مصريين.. ولا يوجد ممثل ديني لهم غير الكنائس المصرية بطوائفها الثلاث.. البعض قد يري أن الأمر بسيط وأنها مجرد عبث ولهو في العالم الافتراضي، لكن كم من الحرائق نشبت بسبب اللعب!.. وما أقسي الحرائق إذا كانت باسم الله!.. فأعظم النار من مستصغر الشرر.