الأربعاء 23 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
إنما القادم أحلى

إنما القادم أحلى




اسامة سلامة روزاليوسف الأسبوعية : 31 - 12 - 2011


متفائل أنا بالعام الجديد.. وأتوقع أن يكون عام الخير على مصر.. وذلك على عكس رؤية كثير من المواطنين.. لست من المتشائمين الذين لا يرون إلا نصف الكوب الفارغ، ولا أنتمى إلى من يرتدون النظارات السوداء فلا يشاهدون إلا الظلام، إننى لا أبنى تفاؤلى على الوهم أو الخيالات، لكن على أساس من الواقع، ومن يشاهد عام 2011 بكل أحداثه بعين ثاقبة يدرك أن 2012 يحمل البشرى لبلدنا.
أدر عجلة الزمان للوراء قليلا لكى تتذكر ما كان يحدث.
فى أول العام الماضى 2011 كان التسلط والقهر يحكمان مصر، ومشروع التوريث يمضى فى طريقه مسرعا.. كان هناك برلمان مزور وباطل يستعد لسن قوانين وتشريعات لصالح حفنة تتحكم فى أقدار البلد.
كان جهاز أمن الدولة يحكم قبضته على الجميع ومن يضعه القدر فى طريقه يذهب إلى بحر الظلمات.
كان الخوف يجثم على الصدور، وعدد المتظاهرين الذين يرفعون راية المعارضة الحقيقية والعصيان فى وجه السلطة لا يتجاوز العشرات، وكان النشطاء ومنظمات حقوق الإنسان يحرثون فى البحر.. لا جدوى وتقاريرها حبر على ورق.. تقرأها السلطات وتسخر منها.
كان هناك رئيس يقول على المعارضين الغاضبين من تزوير الانتخابات البرلمانية: «خليهم يتسلوا»، وكأنهم لا قيمة لهم ولا حول ولا قوة.. وكان تلفيق الاتهامات والزج بالأبرياء فى السجون فى قضايا زائفة ومزيفة يتكرر كثيرا.
كان الوريث يطل علينا من صفحات الصحف بوجهه البلاستيكى وكأنه قدر هذه الأمة الذى لا فكاك منه وكان أعوانه فى لجنة السياسات يقتحمون جميع المجالات ويسيطرون عليها ويحتكرون معظم المجالات الاقتصادية.
كانت مصر من أكثر الدول فسادا وتقارير الشفافية الدولية تضعها فى مرتبة متدنية للغاية، وتتفوق فى الفساد على بلاد أقل فى الوزن والحجم الجغرافى والإقليمى والتاريخى!
كان معدل النمو مرتفعا حقيقة، لكن الفقراء فى ازدياد، كانت هناك مشروعات واستثمارات أجنبية وافدة، لكن البطالة تزداد توحشا.
كان معدل الإصابة بأمراض السرطان وفيروس «سى» والالتهاب الكبدى والفشل الكلوى يرتفع يوما بعد يوم.. وكان المشهد أمام مستشفى أورام الأطفال يجرح القلب ويدمى الشعور، لكنه لا يؤثر فيمن سمحوا بالمبيدات المسرطنة تتسرب إلى حقولنا ومنها إلى طعامنا ومن ثم إلى أكباد أطفالنا وأجسادهم!
كان مشهد أطفال الشوارع لا يلفت النظر من تكراره واستمراره لسنوات حتى تعودته العيون ولا تضيق به الصدور.. وكأن قدر هؤلاء الأطفال أن يصبحوا متسولين ومجرمين دون أن ترعاهم يد أو توقف الأسباب التى تلقى بهم إلى الشارع ليكون أرحم بهم رغم قسوته من حكومتهم ونظامهم.
كان مشهد الجامعات المصرية المزرى وهى تخرج من قائمة أهم 500 جامعة فى العالم حزينا ومشهد خريجيها الذين لا يجيد معظمهم القراءة والكتابة الصحيحة رغم حصولهم على المؤهل العالى مثيرا لليأس والاكتئاب والإحباط وربما كان أحد عوامل زيادة المرض النفسى لدى المصريين!
كانت حوادث الفتنة الطائفية واستهداف المسيحيين تتكرر.. والانقسام بين أبناء الوطن الواحد يزداد حدة دون أن يواجهه أحد، وربما كانت تتم تغذيته لصالح نظام يفضل أن يحرق بلده ويرقص على أطلاله من أن يتخلى عن السلطة!
كانت الوجوه التى تطل على الناس ملتصقة بمقاعدها منذ سنوات بعيدة حتى إن بعض الشباب ولد وتخرج فى الجامعة وتزوج وأنجب وبعض الوزراء رابطون فى أماكنهم ومناصبهم.
كانت الواسطة والرشوة والمحسوبية هى الطريق الوحيد للحصول على الوظائف والحقوق.
كل هذا كان يحدث وأكثر.. ولم يكن أحد من المتفائلين يتوقع أن يصحو الشعب المصرى وأن يثور من أجل كرامته.. وأن يصبح الهتاف «حرية.. كرامة.. عدالة اجتماعية»، هو الوقود الذى حرق النظام السابق.
المشاهد السابقة هى أسبابى للتفاؤل بالعام الجديد.
وقد يقول البعض ولكنه لا يوجد الآن أمان والبلطجية ينتشرون فى كل مكان يهددون المواطنين والاقتصاد ينهار.. والسياحة تتراجع والاستثمارات الأجنبية تهرب والبورصة تموت والسلفيون والإخوان يسيطرون على البرلمان والأقباط يؤكدون فى الهجرة.
وأعترف أن هذا يحدث بالفعل، لكن الشعب الذى ثار من أجل كرامته لن يقبل أبدا بعودة الدكتاتورية ولا أن يهان مرة أخرى ولن يقبل بوجود أجهزة قمعية وسوف يتصدى لتلفيق التهم.
أعرف أن عودة الأمن للشارع تتطلب جهودا كبيرة، لكننى متأكد أننا سنتجاوز هذه المرحلة سريعا وسيتم القضاء على البلطجية والقبض عليهم.
انظر إلى المشهد الآن لدينا انتخابات ديمقراطية وبرلمان منتخب دون تزوير ورغم سيطرة الإسلاميين كلية إلا أننا يجب أن نخوض التجربة والشعب الذى قهر ديكتاتورية مبارك قادر على انتزاع حقوقه من أى تيارات تحاول أن تفرض عليه أفكارها، أمامنا انتخاب رئيس الجمهورية وإعداد دستور، أتمنى أن نجعله مدنيا وأن تتوافق جميع القوى السياسية عليه، وإذا نجحنا فى ذلك فإن الاستثمارات ستتدفق والسياحة ستنتعش، ومع الديمقراطية سينتهى الفساد، وستواجه مافيا المبيدات وسيجد أطفالنا علاجا وتعليما جيدين وسيعود لجامعاتنا بريقها، وسيجد الخريجون فرصة عمل دون واسطة، وسينال كل مواطن حقه وستصبح الشرطة فى خدمة الشعب، وسيكون لدينا تداول فى السلطة.
لست متفائلا فقط، ولكننى متأكد أن الشعب الذى ضحى بأبنائه بعدد غير قليل من الشهداء لن يتركوا حريتهم تضيع،والشعب الذى خرجت فيه المرأة للدفاع عن الحرية والديمقراطية والكرامة لن يعود إلى المهانة أبدا ولن يجعلوا الثورة المضادة تأكل ثورتهم الحرة.
وأيًا ما كانت التضحيات التى نقدمها من أجل مستقبلنا فإننا سنهتف ونغنى «إنما القادم أحلى» مع الاعتذار لتحريف أغنية سيدة الغناء العربى أم كلثوم.