
أسامة سلامة
صورة مبارك في ميدان التحرير!
اسامة سلامة روزاليوسف الأسبوعية : 22 - 10 - 2011
أفاق أهل حي «حلق الوادي» بالعاصمة التونسية صباح يوم الأربعاء الماضي علي صورة عملاقة للرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي وهي تتصدر واجهة مسرح «الكراكة»، وحسبما ذكر موقع البديل، فإن الأهالي وقفوا مذهولين وهم ينظرون إلي الصورة التي أعادت إلي الأذهان ذكري 23 عاما من حكم الاستبداد والفساد، وتساءلوا: هل عاد فعلا؟ وبعد برهة من الوجل والتشتت تشجع عدد من المارة ونزعوا الصورة وسط تصفيق المواطنين ليجدوا تحتها لافتة أخري تقول: «أفق الديكتاتورية يمكن أن تعود» «يوم 23 أكتوبر امشي صوت» وتكشفت الحكاية أن جمعية تونسية اسمها «التزام مواطنة» قامت بهذا الأمر في إطار حثها للتونسيين علي الذهاب إلي صناديق الاقتراع في أول انتخابات بعد ثورة الياسمين التونسية التي سيتم خلالها انتخاب أعضاء مجلس وطني تأسيسي مهمته صياغة دستور جديد لتونس.
تري ماذا سيكون رد الفعل في الشارع المصري لو حدثت نفس الواقعة وصحا المواطنون ليجدوا صورة مبارك بطول جدران مجمع التحرير؟! هل سيقوم البعض بتمزيقها أم أنهم سيتركونها بمنطق «وأنا مالي» الذي كان سائدا قبل ثورة يناير؟ أم أنها ستجد من يسعد بها ويقول: «أين أيامك يا مبارك»؟! وهي نغمة يرددها البعض ويحاول فرضها إعلاميا في ظل الانفلات الأمني المروع والركود الاقتصادي الحاد الذي يعاني منه الجميع! وأيضا في ظل الخلافات الطاحنة بين جميع الاتجاهات السياسية واتهامات التخوين التي كادت تطول الجميع!
إنني شخصيا موقن أن صورة الرئيس السابق علي جدران بناية بميدان التحرير تستطيع أن توحد الشعب مرة أخري وحتي البسطاء الذين يعانون الآن من شظف العيش وانعدام الأمن سيفزعون من شبح عودة نظام مبارك بنفس آلياته وقواعد حكمه وسيرهبهم أن يعودوا خائفين من الشرطة وتعدي بعض أفرادها عليهم في الأقسام، وتسلط المخبرين وأمناء الشرطة، سيغضبهم عودة تدخل أمن الدولة في الجامعات واختيار المعيدين والعمداء!
لن يقبلوا بعودة تلفيق التهم وتعذيب المواطنين وإجبارهم علي الاعتراف بجرائم لم يرتكبوها ولن يوافقوا علي أن تكون الرشوة والمحسوبية هي الطريق للحصول علي الوظائف مرة أخري، لن يسعدهم أن تعود مصر تدار بطريقة العزبة ويخطط لتوريث حكمها، وكأن شعبها لا إرادة له، لن يسكتوا علي عودة الفساد ليحكم اقتصاد البلد الذي نعاني بسببه من كل الأمراض الاقتصادية التي أدت إلي تدهور وضع مصر وجعلها بين أفقر الدول وتذيلها ترتيب الدول الأقل شفافية ومواجهة للفساد.
لن يفرحوا بعودة تزوير الانتخابات وتسلط الحزب الواحد الذي يسيطر عليه رجال الأعمال والذين خلطوا مصالحهم بالسياسة فخرجت علينا قوانين لصالح أفراد بأعينهم «ربما تساعد الآن الفاسدين في طرة للحصول علي البراءة من التهم الجنائية».
لن يبهجهم أن يروا آلاف المصريين وهم يعانون من أمراض الكبد وأورام السرطان ولا يجدون مستشفيات للعلاج.. ولا أموالا لشراء الأدوية.
لن يسرهم ألا يجدوا تعليما حقيقيا لأبنائهم، ولا مدارس تسعهم أو مناهج تساعدهم علي التعلم والحصول علي وظائف بعد تخرجهم.
لن يبهجهم أن يموت أولادهم في عرض البحر وهم يهربون بحثا عن سراب في بلاد الغربة فيغرقون أثناء المغامرة ومن ينجو منهم يجد نفسه في السجن أو الضياع في شوارع أوروبا.
إنني متأكد أن الشعب المصري يمكنه الصبر حتي تستقر الأوضاع في البلاد وأنه قادر علي أن يتحمل ما يلاقيه الآن من تجرؤ البلطجية، وضيق في الرزق من أجل الحصول علي حريته التي ضاعت منه منذ سنوات بعيدة.
إنني علي يقين أن المصريين لن يضيعوا الفرصة التي جاءتهم بعد الثورة.
أمامنا الآن اختبار حقيقي في الانتخابات، فهل نترك مستقبلنا بيد الفلول الذين دافعوا عن فساد النظام السابق أم نتركه للتيارات المتطرفة أم نختار من يستطيع الدفاع عن الدولة المدنية الحديثة ويدفعنا في طريق المستقبل بدلا من الذين يريدون أن يجرونا إلي الخلف؟.. هؤلاء الذين يرون بناء الكنائس حراما، والمسيحيين كفارا، وغير المنتقبات في النار، والفنون فسقا وفجورا!
نحن الآن بين خيارين: إما أن نختار بين المستقبل المنير أو بين الماضي المظلم، وإذا كان اختيارنا هو الأخير فسنجد صورة مبارك في ميدان التحرير فعلا لا رمزا ووقتها نستحق كل ما جري لنا طوال 30 عاما!.