
أسامة سلامة
بقلم رئيس التحرير : لماذا يلدغ المواطن من الفلول مرتين؟
اسامة سلامة روزاليوسف الأسبوعية : 02 - 07 - 2011
اقبضوا عليهم.. أو كفوا عن الكلام
لماذا يلدغ المواطن من الفلول مرتين؟
منذ تنحي حسني مبارك عن الحكم.. والإجابة تتكرر كلما وقع صدام بين الثوار والداخلية.. هناك مخطط للإيقاع بين ثوار التحرير والقائمين علي إدارة البلد سواء كان المجلس العسكري أو الوزارة أو الداخلية ويكثر الكلام عن فلول النظام السابق وعبثهم ومحاولتهم إشاعة الفوضي في البلد وإنهاء الثورة قبل أن تحقق جميع أهدافها.. وفي كل مرة يتم التحذير من الوقيعة ومن مخطط الفوضي الذي يستهدف ضرب الاستقرار والانقضاض علي الثورة. لكن ورغم كل هذه التحذيرات المتكررة.. لا الأحداث المؤلمة توقفت ولا الفلول انتهت.. ولأن المؤمن - حسب الحديث النبوي - لايلدغ من جحر مرتين ولأننا شعب متدين.. من حقنا أن نسأل كيف سمحنا لأنفسنا أن نلدغ من نفس الجحر عدة مرات؟ هل لأن ذاكرتنا ضعيفة لدرجة أننا ننسي مكان الجحر وما به من ثعابين وحيات قاتلة؟.. أم أن هناك من يدفعنا في كل مرة نحو نفس المكان وبنفس الأسلوب ولفرط سذاجتنا نقع في «الخية» التي تنصب لنا دون أن نعتبر ونتعظ من المرات السابقة! أم أن هناك أشخاصاً احترفوا اللعب علي نقاط ضعفنا ويستغلون سرعة انفعالنا وحالة السيولة في البلد ليقودونا إلي هذا الهلاك وهؤلاء يدعون أنهم معنا وهم علينا.. نثق فيهم.. ولم ندرك حتي الآن أنهم لا أمان لهم.
أقول هذا بمناسبة ماحدث الأسبوع الماضي في مسرح البالون وميدان التحرير وأمام وزارة الداخلية والتي اعتبرتها أخطر 48 ساعة مرت بالثورة بعد تنحي الرئيس السابق مبارك. الصدامات السابقة كانت أقل حدة والمشاركون فيها أقل عددا.. ولكن الأحداث الأخيرة ذكرتني بيوم 28 يناير والتي لم يحدث من وقتها أن أطلقت قوات الشرطة القنابل المسيلة للدموع علي المواطنين، أو قامت باعتقال الأهالي ولم نشاهد الشباب وهم يتصدون للشرطة برمي الحجارة.
المجلس العسكري حذر من الانسياق وراء دعاوي الفوضي التي تستهدف زعزعة استقرار الوطن والدكتور عصام شرف رئيس الوزراء طالب بعدم الانسياق وراء مثيري الفتن، وقال إن هناك عملا منظما يستهدف إشاعة الفوضي في البلاد.. ود.عماد أبوغازي وزير الثقافة أكد أن فلول الحزب الوطني وراء أحداث مسرح البالون.. وكثير من النخب السياسية أشاروا إلي تورط بقايا النظام السابق في إحداث الفتنة الأخيرة، خاصة أنها أعقبت صدور حكم القضاء الإداري بحل المجالس المحلية التي كان يشغل معظمها أعضاء الحزب الوطني المنحل.. وإذا كان المجلس العسكري ومجلس الوزراء ووزارة الداخلية لديهم تأكيدات أن هناك أيادي تعبث وأن الفلول تحاول الإطاحة بالثورة وأن هناك من يستخدم البلطجية لإثارة الفوضي.. فلماذا الصمت إزاء هؤلاء.. وهل ما يقال عن هذه الفلول هو استنتاجات أم معلومات؟
وإذا كانت استنتاجات فمن المفترض أنها مبنية علي مقدمات تؤدي إليها.. وهنا يبرز السؤال لماذا لم يتم تتبع هذه المقدمات التي تصل بنا إلي المحرك الرئيسي ومن ثم القبض عليه ومعاقبته وإذا كانت التصريحات بناء علي معلومات فلماذا لم تتخذ إجراءات ضد من يثيرون الشغب ويريدون بث الفوضي في البلاد.. ويستخدمون البلطجية من أجل القضاء علي الثورة (إن قطع رأس الحية يجعل باقي الجسد لا حول له ولا قوة ومن هنا فإن المطلوب هو البحث عن هذا الرأس سريعا.. وإذا لم يتم القبض علي هؤلاء الفلول فلا معني لاتهامهم وأرجو أن نكف عن هذا الكلام ونبحث عن أسباب أخري إنني هنا لا أنفي وجود قوي تحاول القضاء علي الثورة ولكني فقط أحاول أن أفهم سبب عدم مواجهتهم حتي الآن، لقد قلت في برنامج صباح دريم عندما استضافني منذ شهر تقريبا أن هناك أولويات في المحاكمات وأن قضايا الفساد المالي سيتأخر الفصل فيها لأن هناك أوراقاً كثيرة يتم فحصها وهي قضايا تحتمل الكثير من الأقاويل فهناك من يجيد ترتيب و«تنسيق» الأوراق مما قد يعطيه حكماً بالبراءة رغم فساده، ولهذا طالبت بالتركيز علي قضايا قتل المتظاهرين لأنها جريمة واضحة ولا تحتاج إلي كثير من التفاصيل التي تؤخر الفصل فيها. هذا التأخير دفع البعض للتساؤل لماذا لم يتم إحالة هذه القضايا إلي القضاء العسكري مثل جرائم البلطجة والتي حكم فيها سريعا مع توافر كل مقومات المحاكمات العادلة... وحتي في ظل نظر القضاء الطبيعي لهذه القضايا فإنه مطالب بأن يسرع وتيرة المحاكمات وأن يتم الفصل فيها سريعا ليس فقط حتي تهدأ أسر الشهداء، ولكن حتي تظهر حقيقة من تورطوا في إصدار أوامر إطلاق النار علي المتظاهرين وأن يحصل علي البراءة من اتهموا دون دليل ومن لم يشاركوا في هذه الجريمة حتي لا يظل سيف الاتهام معلقا في رقبتهم.. إن دماء المصريين أغلي من كل أموال الدنيا وإذا تفرغ عدد من الدوائر في المحاكم المختلفة لنظر هذه القضايا فإن هذا أقل ما نقدمه للشهداء الذين نريد القصاص لهم.
ولعل هذا يغلق أحد أبواب الفتنة، فكثير ممن يرون أن هناك مؤامرة علي الثورة يؤكدون أن وجود بعض المتهمين في قتل المتظاهرين في مواقع قيادية في وزارة الداخلية يجعلهم يعبثون ويحاولون نشر الفوضي من أجل تأخير المحاكمات.. ورغم إيماني أن المتهم بريء حتي تثبت إدانته فإن إبعاد المتهمين عن العمل أمر مهم وأن الإسراع بالمحاكمة بات ضروريا.. ولكن الأهم أيضا أن تتصدي الحكومة ومن يعنيهم الأمر لفلول الحزب وللبلطجية وأن يكشفوا أبعاد المؤامرة التي تحاك ضد الاستقرار حتي لا نفاجأ مرة أخري بصدامات أخري ونعود لنتحدث عن الفلول والمؤامرة.. أؤكد مرة أخري «لا يلدغ مؤمن من جحر مرتين» وكفانا لدغات قد تقتلنا إحداها ذات يوم إذا لم ننتبه سريعا.. وإذا لم تكن هناك فلول فاصمتوا الصمت غالبا أفضل من الكلام في هذه الاحيان.