الأربعاء 23 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
بقلم رئيس التحرير : جبل الجليد الذي يهدد الثورة

بقلم رئيس التحرير : جبل الجليد الذي يهدد الثورة




اسامة سلامة روزاليوسف الأسبوعية : 18 - 06 - 2011


أخطر ما كشفت عنه قصة الجاسوس الإسرائيلي ليس وجود جواسيس كانوا في ميدان التحرير وقت الثورة.. فهذا أمر متوقع.. فعندما ينفجر حدث هائل في دولة بحجم مصر لابد أن يكون محل اهتمام كل أجهزة المخابرات في العالم.
وهو أمر لا يوصم ثورة يناير بشيء ولا يجعل هناك غبارًا علي شباب التحرير.. بل علي العكس إن وجود مثل هذا الجاسوس يعني ببساطة أنه لا توجد أي شبهات حول دور أمريكا أو أيدٍ خارجية في الثورة، وأن ما يحاول البعض أو عدد من الجهات الخارجية إثارته حول تدريب بعض الشباب في أمريكا أو دول أخري ليس إلا محاولة لإلقاء بعض السواد علي الثوب الناصع البياض للثوار.
الخطير في قصة الجاسوس أنها فتحت الملف الذي يخشي البعض الاقتراب منه، وهو الشك الموجود منذ فترة بين شباب 25 يناير والمجلس العسكري.
أعلم أن هناك من يحاول التقليل من هذا الشك بدافع من الخوف علي البلد وعلي الثورة، حتي أن هناك ضجيجًا يوميًا بأن الجيش والشعب إيد واحدة.. ولكن هذا الشعار الجميل والحقيقي يجب إن يترجم أيضًا إلي أن المجلس العسكري وشباب يناير إيد واحدة.. وأخشي أن أقول إن تردد هذا الشعار بكثرة يعني أن الأمر عكس ذلك.. وأن هناك شيئاً ما يجب الانتباه إليه، وإن كنا نريد فعلاً الحفاظ علي الثورة فيجب أن نناقش العلاقة بين الطرفين الفاعلين فيها بجدية وبشفافية وبدون تجميل.. لا أحد ينكر أنه لولا الشباب ما قامت الثورة ولولا الجيش ما نجحت.
ولهذا فإنه من الضروري أن نعيد بناء جسور الثقة بين الطرفين.. قضية الجاسوس كشفت علي أن بذور الشك الموجودة بين الشباب والمجلس العسكري بدأت تؤتي ثمارها الخطرة.. وتجلي ذلك في عدم تصديق عدد غير قليل من الثوار في كون القضية حقيقية، ويتشككون في أن «إيلان تشايم» ضابط مخابرات إسرائيلي وهناك آراء تري أن هذه القضية حتي لو حقيقية فإن الغرض منها فرقعة للتغطية علي أشياء أخري.. هذا الأمر أراه مؤشرًا خطيرًا للغاية، ولا أعني هنا أنني أصدق أنه جاسوس أم لا؟ رغم أن لدي من الهواجس التي تجعلني أميل إلي كونه ضابط مخابرات إسرائيلي، فلا يجب مثلاً أن ننسي أنه أمريكي أصر علي الحصول علي الجنسية الإسرائيلية، وهو ما يعني أنه مؤمن بالدولة العبرية. وأمثال إيلان هم أشد الإسرائيليين حماسًا لتحقيق الأهداف الصهيونية.. أيضًا اشتراكه في الحرب علي لبنان لابد أن يلقي بظلاله عليه، فإذا كان بالفعل ناشطًا سياسيًا أو حقوقيًا فإنه كان سيرفض الاشتراك في حرب غير شرعية أو علي الأقل كان قد تم معرفة نشاطه السياسي من قبل مثل العديد من الناشطين السياسيين والحقوقيين الإسرائيليين الذين أعلنوا موقفهم الرافض للجرائم الإسرائيلية، إنني هنا لا أجزم بكونه جاسوسًا أم لا خاصة أن الأمر مازال في طور التحقيقات والتي أتمني أن تزيل أي لبس في هذا الشأن، وأن يتم الإعلان عنها سريعًا وبواسطة جهات التحقيق المسئولة حتي لا يترك الأمر للتكهنات والاجتهادات.
نعود للقضية الأخطر وهي الشك بين الشباب والمجلس العسكري والذي يطرح العديد من الأسئلة.. هل هو شك مصطنع أم أن له ما يبرره؟ وهل هو من طرف واحد أم من الطرفين؟ الواقع أن خلال الفترة الماضية كان الشباب بمثابة ممثل الادعاء بينما كان المجلس في موقع الدفاع وساهم في ذلك أن استجابات المجلس لبعض طلبات الشباب تزامنت مع المظاهرات المليونية مما أعطي الإحساس بأنه لا يستجيب إلا تحت الضغوط.. وتزيد بعض الشباب بسبب حماسهم الجارف ورغبتهم في تحقيق أهداف الثورة في أسرع وقت بأن رأوا أن المجلس جزء من النظام القديم، أما المجلس فربما يري أن شباب الثورة لديهم نقاء وطني ولكن ليس لديهم مشروع متكامل قابل للتطبيق، كما أنه ليست لديهم قيادة واحدة يمكن التعامل معها.. وبالتالي فإن المجلس يتعامل مع الحالة العامة بكل أطرافها وأطيافها، وهذه الأطياف تضم عددًا من الكيانات والشخصيات المرتبطة بشكل ما مع النظام السابق.. وهو الأمر الذي يزيد الفجوة بين الشباب والمجلس، وأعتقد أنه من الضروري استبعاد الشخصيات التي ارتبطت بالنظام السابق واستفادت منه لأنها لن تكون مخلصة للثورة.. حقيقة هناك أمور أخري زادت من الشك بين الطرفين مثل قضية الكشف علي عذرية بعض الفتيات التي تم القبض عليهن في ميدان التحرير بواسطة الشرطة العسكرية، وكذلك محاكمة بعض المدونين والنشطاء أمام محاكم عسكرية، وأيضًا الموقف الغامض من محاكمة حسني مبارك، وعدم تطبيق العزل السياسي علي رجال النظام السابق رغم المطالبة به من قوي سياسية عديدة والبطء في محاكمة قتلة المتظاهرين، وأعتقد أن المجلس قادر علي حل هذه الإشكاليات، فيجب أن يتم التحقيق في الاتهامات الخاصة بالكشف علي عذرية الفتيات ومعرفة ملابسات ما حدث ومحاكمة المتسبب فيها إن كانت حدثت بالفعل، وأيضًا إلغاء الأحكام ضد المدونين والنشطاء وإعادة محاكمتهم أمام القضاء العادي، ومطلوب أيضًا الإعلان بوضوح عن الحالة الصحية لمبارك، من جهة ذات صلة مباشرة بالأمر ونقله إلي مستشفي طرة إن كان هذا ممكنًا، أو الكشف عن أن حالته لن تسمح بنقله من شرم الشيخ مطلقًا.. العزل السياسي واجب للحفاظ علي مستقبل هذا البلد، فلا يمكن الاطمئنان لمن زوروا إرادة المواطنين في الانتخابات وأفسدوا الحياة السياسية أن يشاركوا في صنع مستقبل البلد.. وأعتقد أن الإسراع بمحاكمة قتلة المتظاهرين واجب خاصة أنها لا تحتاج تحقيقات مطولة وواسعة مثل قضايا الفساد المالي التي قد تغرق النيابة والمحكمة في تفاصيلها وأوراقها.. علي الجانب الآخر الثوار يجب أن يتوحدوا، وأن تكون لهم برامج واضحة ومحددة، وأن تكون لهم قيادات غير متنافرة، فلا يعقل أن يصل عدد الائتلافات لأكثر من مائة وكلهم يتحدثون باسم الثورة، إنني أدرك جيدًا أن المجلس يثمن شباب الثورة ونقاءهم ووطنيتهم، والأخيرون يعرفون أن الجيش قد اتخذ قراره بالانتصار إلي الشعب بدلاً من النظام كان بدافع وطني ودون إجبار من أحد.
إذن الطرفان كان لهما الدور الرئيسي والأهم في نجاح الثورة، ولابد من إنهاء بذور الشك حتي تكتمل الأهداف.. وإذا كانت قضية الجاسوس مثل رأس جبل الجليد فإن الحوار أصبح ضروريا حتي يمكن إذابة الجليد والقضاء علي ثورة الشك بدلاً من القضاء علي ثورة يناير.. أعلم أن الحوار الأول فشل، ولكن لابد من وجود جولات أخري علي أن تكون بقواعد واضحة تساعد علي نجاحه.