
أسامة سلامة
الحكومة تحتاج حكومة
اسامة سلامة روزاليوسف الأسبوعية : 14 - 05 - 2011
بقلم رئيس التحرير: متى ننتقل من مجلس الوزراء الطاهر إلى مجلس الوزراء القادر ؟
لا أحد يختلف علي صعوبة المهمة الملقاة علي عاتق د. عصام شرف، والجميع يعلم أن تولي رئاسة الوزارة في هذا التوقيت في مصر هو بطولة وتضحية كبيرة.. فالظروف غير مناسبة لتطبيق منهج علمي بطريقة منظمة، وهناك عراقيل كثيرة تحول دون تطبيق الخطط والرؤي والأفكار التي تدفع البلد للاستقرار والتقدم .
لا أحد أيضًا يختلف علي أن الحكومة بمجملها شريفة الفكر وطاهرة اليد ونبيلة القصد، وأنها تشعر بآلام الشعب وتتألم لمعاناة المواطن البسيط، وأنها تفكر ليل نهار في كيفية إسعاد الفقراء والجماهير، وأنها تحلم فعلاً بإنقاذ البلد مما يواجهه من حوادث تصل إلي حد الكوارث.. والكل يعلم أن الحكومة تضم وزراء مدركين للأزمة التي تواجهها مصر وبعضهم علماء في مجالاتهم، ولهم خبرات عميقة في تخصصاتهم.. ولكن هذا المجلس الذي يتمتع بالطهارة السياسية والمالية عاجز حتي الآن عن القيام بدوره الحقيقي وتوفير الحد الأدني من مصالح الوطن ومتطلبات المواطنين.. ورغم أنها حكومة الثورة، وجاءت بناءً علي طلب الثوار إلا أنها لم تستطع أن تكون علي مستوي حدث الثورة أو تواكبها في قوتها وشموخها وقدرتها علي إنفاذ إرادتها.. وبسبب تقاعس الحكومة في مواقف كثيرة عن اتخاذ إجراءات حاسمة بدأ الناس يتعاملون معها علي أنها مؤقتة وأنها ليست صاحبة قرارات وبالتالي ليست لها إرادة.. وإنه مجرد وقت وستصبح خارج مبني مجلس الوزراء، وأخشي أن يكون هذا الإحساس يلازم أيضًا د. عصام شرف وحكومته، وربما هذا ما يجعله حريصًا علي إرضاء جميع الاتجاهات.. وأحيانًا جميع المواطنين.. إنه لا يريد أن يردع أحدا مهما أخطأ، ولا يريد أن يواجه تيارًا مهما أجرم.. ولا يرغب في أن يكون له معارضون أو غاضبون منه حتي ولو كان ذلك علي حساب هيبة الحكومة ومن ثم الدولة نفسها.. الدكتور عصام شرف فعلاً يتمتع بحب واحترام الناس وكذلك معظم أعضاء حكومته، ولكن الحب وحده لا يكفي للنجاح، فالمفروض أن يشعر المواطن وجميع التيارات السياسية بقوة الحكومة وقدرتها علي تطبيق القانون وحزمها في مواجهة أي انفلات.
ولكن الحقيقة أن المواطن لديه اعتقاد بأن الحكومة عاجزة عن هذه المواجهة.. وهناك أمثلة كثيرة تشير إلي أن التعامل مع الحكومة يتم باعتبارها غير موجودة، مثلاً المواطن الذي أشعل الفتنة في إمبابة، وقال إن زوجته خطفت وموجودة داخل الكنيسة كان من المفترض أن يذهب إلي وزارة الداخلية لتقديم بلاغه ولكن إحساسه بأن الحكومة غائبة دفعه إلي الذهاب إلي السلفيين لمساعدته في إعادة زوجته.. السلفيون أنفسهم قرروا أن يطبقوا أحكامهم بأنفسهم، مرة يقطعون أذن قبطي في قنا وأخري يحرضون علي قطع الطريق في قنا من أجل تأكيد أن إرادتهم فوق إرادة الحكومة، ويمنعون المحافظ القبطي من أداء عمله رغم حلفه اليمين، ولأن الحكومة ضعيفة ولا تريد إغضاب أحد تصل إلي الحل الأسوأ وهو منح المحافظ القبطي إجازة 3 شهور.. وكأنما د. عصام شرف وهو يتخذ هذا القرار لا يدرك أنه يوقع أيضًا علي قرار بأن حكومته في إجازة هي الأخري.. السلفيون الذين قرروا اقتحام الكنيسة في إمبابة والتفتيش عن الزوجة التي قالت في حوارات تليفزيونية أنها أسلمت، كانوا وهم يفجرون الموقف يدركون أن الحكومة لن تفعل شيئًا سوي إجراء المصالحات مثلما فعل د. شرف عندما زار قنا ولم يقنع أهلها بقبول المحافظ القبطي، فما كان منه إلا أن قال كل ما يطلبه شعب قنا سيتم تحقيقه، في إشارة إلي أنه لن يتخذ قرارًا ضد رغبة الرافضين للمحافظ القبطي.. هذه الإرادة المسلوبة جعلت الكثيرين يتجرأون علي الحكومة ويعتبرونها مغلولة الأيدي، ولعل هذا ما دفع عددًا غير قليل من المواطنين لاقتناء أسلحة نارية دفاعًا عن أنفسهم في مواجهة البلطجة.. والذين تابعوا ما حدث في إمبابة يدركون حجم الأسلحة التي دخلت مصر خلال الفترة الأخيرة.. ويعرفون أن الاحتكاكات اليومية بين المواطنين وزيادة جرائم القتل في الفترات الأخيرة، وإن جانبًا من حوادث الفتنة الطائفية سببها غياب الأمن، هذا الواقع الأمني المؤلم أحد تجليات طريقة اختيار مجلس الوزراء.
د. عصام شرف حين اختار وزراءه وضع مبدأ الأمانة والشرف والقبول العام ولكنه لم يضع مبدأ القدرة علي المواجهة والقوة التي تصنع الهيبة من خلال تنفيذ القانون بالعدل، ورغم أن المبدأ الأخير هو أول وأهم شروط الحكومة الناجحة.
حقيقة بدأت حكومة د. شرف بعد حادث إمبابة في اتخاذ مجموعة من القرارات المهمة، وقامت بمساعدة الجيش بإلقاء القبض علي عدد غير قليل من المشاركين في أحداث الفتنة وإحالتهم لجهات التحقيق والمحاكمة ولكن مازال الإحساس بأن هذا الحزم وقتي ولن يستمر، ولذلك فإن البعض لم تسعده تصريحات الحكومة بقرب إصدار قانون دور العبادة الموحد وتجريم التمييز وغيرها من القوانين، فالأهم من وجهة نظرهم هو تطبيقها والإحساس العام الآن لدي أغلبية المصريين هو أن الحكومة غير قادرة علي التطبيق.
أمام د. عصام شرف وحكومته الآن فرصة ذهبية، فالمجلس العسكري يدعمها الآن أكثر من ذي قبل ويجب أن يدعمها أكثر، وكثير من المواطنين والتيارات السياسية علي استعداد لمعاونتها.. وحادث إمبابة أعطاها الفرصة لكي تستعيد هيبتها، فهل ينتهز د. شرف الفرصة ويصبح بجانب رئيس الوزراء الطاهر.. رئيس الوزراء القادر أيضًا.. إن الحكومة الحالية إذا لم تستطع أن تملي إرادتها علي المواطنين وعلي جميع الاتجاهات الدينية والسياسية وأن تشعرهم بقوتها فعليها أن ترحل وأن تترك مكانها لحكومة قادرة وقوية.. د. عصام.. الحرص علي حب الجميع لك أمر جيد، ولكنه لا يصنع رجالاً تنفيذيين جيدين، وإذا- لا قدر الله- فشلت في مهمتك.. فلن يذكر الناس أنك كنت محبوبًا وسيذكرون فقط أنك ساهمت في الوصول بالبلد إلي كارثة.