
أسامة سلامة
تنظيم الأساقفة الأشرار
اسامة سلامة روزاليوسف الأسبوعية : 29 - 08 - 2009
المقدمات تؤدي إلي النتائج، ما حدث داخل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية خلال الأيام الماضية يدل علي أن هناك شيئاً خطأ تجب معالجته سريعا حتي لا يؤثر علي مستقبل هذه المؤسسة المصرية..
هناك صراع بين أساقفة مقربين من البابا استخدمت فيه أساليب لا تليق برجال الدين ولا يجوز أن يفعلها من زهدوا الحياة وذهبوا إلي الأديرة تاركين مباهج الدنيا بحثا عن حلاوة الإيمان، فهل ما حدث داخل الكنيسة خلال الأيام الماضية يعبر عن روح الرهبنة وانكسار النفوس وسمو الأرواح؟ أم وإن روحا شريرة تمكنت من البعض وجعلتهم يتصارعون من أجل عرض الدنيا.. وأن الشهوات التي تركوها علي أبواب الأديرة حينما قرروا بإرادتهم أن يكونوا رهبانا أصبحت تحركهم وتقودهم وبدلا من أن يسحقوها انتصرت هي عليهم. ولعل السؤال الذي يجب أن يوجه لهؤلاء الذين تمكنت الشرور والشهوات من أنفسهم: إذا كنتم تحبون المناصب وتسعون إليها وتسعدون بنعيم الدنيا وتخططون للفوز بالمغانم والإيقاع بالإخوة والزملاء لماذا تركتم كل ما تملكون وراء ظهوركم؟ ولماذا اخترتم حياة الرهبنة الشاقة وكان بعضكم يملك أموالا كثيرة تركها علي أسوار الدير؟ هل كنتم تخططون لذلك عندما اخترتم الرهبنة باعتبارها الطريق إلي المنصب؟ أم أن الشرور تمكنت منكم بعد أن تركتم الأديرة واختلطتم بالناس مرة أخري وشاهدتم أطايب الحياة وعشتم منعمين ومرفهين تركبون أحدث السيارات وتأكلون أفضل الأطعمة وتجدون تقديساً من الناس أينما ذهبتم؟
هذه الأسئلة أثارتها الأحداث التي وقعت في الكنيسة الأيام الماضية، والتي تنذر بوجود تنظيمات من الأساقفة للفوز بمنصب بطريرك الكنيسة القبطية بعد البابا شنودة أطال الله في عمره؟! وإذا كانت الأزمة التي حدثت انتهت، فإن ما كشفت عنه سيظل محل تساؤل، إن تعبير تنظيمات ليس لي ولا من ابتكاري ولكن ما تدل عليه الأحداث حسبما جاءت في المواقع الإليكترونية القبطية وما نشرته الصحف.
والحكاية أنه انتشرت أقاويل بأن الأنبا يؤانس سكرتير البابا شنودة وواحداً من الأساقفة المقربين له جاءته نبوءة بأنه سيصبح البابا القادم بعد البابا شنودة، الأقاويل أكدت أن العذراء جاءته أكثر من مرة وآخرها عندما كان في كليفلاند بأمريكا مع البابا خلال إجراء الأخير فحوصات طبية، وأكدت له العذراء أنه البابا القادم، بعض الأقاويل زادت أن النبوءة حددت يوم 22 أغسطس لتحقيق هذا الأمر، والأقاويل أيضاً أوضحت أن هذه النبوءة رآها أكثر من راهب وراهبة وأسقف.
والأقوال الأكثر إثارة أن الأنبا يؤانس كتب ذلك في أوراق خاصة به، وأن هذه الأوراق بطريقة أو بأخري وصلت إلي يد البابا، أما بخصوص الطريقة، فإن الأقاويل تعددت بعضها يقول أنه بإيعاز من الأنبا بيشوي وسكرتير المجمع المقدس والأنبا أرميا سكرتير البابا تم اقتحام غرفة الأنبا يؤانس وكسر بابها، وسرقة الأوراق، وأقوال أخري أكدت أنه تم التسلل فقط إلي الغرفة والحصول علي الأوراق خلسة ومن ثم وصلت إلي البابا، أقوال أخري قالت إن الأوراق وقعت من جيب الأنبا يؤانس خلال وجوده في كليفلاند عندما كان مرافقا للبابا خلال علاجه هناك، وأن أحد الأشخاص عثر عليها وأعطاها للبابا شنودة وأنه لا دخل للأنبا بيشوي والأنبا أرميا بالأمر، وأقوال أخري تتحدث أنه تمت مواجهة الأنبا يؤانس بالأوراق الذي اعترف بالأمر وطلب من البابا العفو والسماح.
ولكن يبقي السؤال: من الذي أوصل الأمر إلي الإعلام، ومن له مصلحة في إفشاء ما يدور في الكنيسة؟ تعالوا نقرأ ما كتبه موقع "الأقباط متحدون" "هدأت الأمور داخل الكنيسة انتظاراً للتحقيقات السرية التي تجري للتعرف علي مصدر الشائعات التي انفجرت مؤخراً وتتعلق بنبوءة حول قرب وفاة البابا شنودة في ظل تأكيدات كبيرة بوجود ما يريده نيافة الأنبا يؤانس".. أضاف الموقع "الغريب في الأمر أن هذه الشائعة وصلت إلي قداسة البابا قبل أن تصل لوسائل الإعلام وهو ما يؤكد أن هناك مصلحة لنشر هذه الشائعة في ظل تخطيط البعض إلي وجود الأنبا يؤانس في الولايات المتحدة أو العودة إلي الدير مباشرة.
أضاف التقرير الذي كتبه الزميل هاني دانيال "علم الأقباط متحدون أن هناك تنسيقاً بين بعض الأساقفة لتحويل الموضوع إلي لجنة للمحاكمة خاصة أن الأنبا يؤانس يتمتع بعلاقات جيدة مع قداسة البابا، وأن الجلسة التي جمعتهما معا منذ أيام ساهمت في تهدئة الأوضاع بعض الشيء ويتواجد الأنبا يؤانس مع البابا في الإسكندرية للرد علي الشائعة ولو بشكل مؤقت".. في نهاية التقرير قال الموقع "يقوم بعض الأساقفة بالتنسيق مع بعضهم البعض ضد الأنبا يؤانس والدكتور ثروت باسيلي".
إذن موقع "الأقباط متحدون" يري أن هناك تخطيطاً ما جري ضد الأنبا يؤانس للإيقاع به بحيث تظهر الشائعة "حسب وصف الموقع" وسكرتير البابا غير موجود في مصر إذ كان موفداً من البابا للقاء أقباط المهجر في أمريكا، وإقناعهم بعدم إجراء مظاهرات ضد الرئيس مبارك خلال وجوده في البيت الأبيض، وهو ما نجح فيه بالفعل الأنبا يؤانس إذ استطاع إقناع معظم أقباط المهجر بتحسن أحوال المسيحيين في مصر، وأنه من غير المفيد وجود مثل هذه المظاهرات، ويقال أن هذا النجاح أوغر صدر البعض ضده لأنه يقربه أكثر من أجهزة الدولة التي قد تري فيه شخصاً مقنعاً.. ومن هنا ظهرت الشائعة خلال وجوده في أمريكا بحيث تنتشر وتتسبب في ضيق البابا الذي قد يطلب منه البقاء في أمريكا أو يعيده إلي الدير حيث كان الأنبا يؤانس قد ترهب في دير الأنبا بولا بالبحر الأحمر بعد حصوله علي بكالوريوس الطب ورشحه رئيس هذا الدير للبابا شنودة لكي يتخذه سكرتيراً له، وهو المنصب الذي قضي فيه حتي الآن أكثر من عشرين عاماً.
نعود لما ذكره موقع "الأقباط متحدون" "بعض الأساقفة ينسقون بينهم ضد الأنبا يؤانس والدكتور ثروت باسيلي"، والذي يتضح منه أن هناك صراعاً شديداً بين الأساقفة، وأن هناك تنظيماً من بعض الأساقفة غرضه إبعاد الأنبا يؤانس عن موقعه كسكرتير للبابا، وبالتالي إبعاده عن دائرة الضوء وإضعاف فرصه في تولي موقع الباباوية بعد البابا شنودة، ورغم أن الموقع لم يذكر أسماء هؤلاء الأساقفة الذي ينسقون بينهم ضد الأنبا يؤانس إلا أن أقاويل عديدة طالت الأنبا بيشوي والأنبا أرميا باعتبارهما أكبر المنافسين للأنبا يؤانس علي خلافة البابا.
ولو صح ما ذكره موقع "الأقباط متحدون" فإن هناك تنظيماً من أساقفة يعد مؤامرات ويخطط لصراعات من أجل الحصول علي منصب البابا، فهل هناك شر أكبر من ذلك؟
نعود إلي ما ذكرته مواقع أخري وبعضها نقل عن الزميل سامح محروس مقاله الذي نشره بجريدة الجمهورية والذي قال فيه "أشاع أسقف شاب بأن العذراء تنبأت له بأنه سيكون البطريرك القادم وتشكلت شلة يحركها رجل أعمال شهير يمتلك قناة تليفزيونية عضو في أحد المجالس النيابية والذي أصدر تعليماته بأن يتم تلميع هذا الأسقف في قناته وتقديمه للشعب القبطي وتخصيص برنامج تليفزيوني له أسبوعي، وعمل بث حي ومباشر لتسبيحة مريم في عيدها من إحدي الكنائس الكبري، الشلة تضم أيضاً مستشاراً سابقاً وعضواً بالمجلس الملي ورجل أعمال لعب دوراً في قضية أبو فانا.. مصدر بالكنيسة قال أنه تم العثور علي أوراق خاصة بهذا الأسقف أوضح فيها أنه سيكون البابا القادم بناء علي نبوءة العذراء وأنه سيتولي المهام في 22 أغسطس.. هذه الأوراق وصلت للبابا وعندما علم الأسقف الشاب بهذا الأمر اتهم أسقفا زميلاً له ومطراناً كبيراً بأنهما قاما بكسر حجرته والاستيلاء علي أوراقه الخاصة علماً بأن الأوراق وصلت من طريق ثالث ولم تتعرض حجرته لأي سطو، وقد تقرر الاحتفاظ بهذه الأوراق في مكان بعيد عن المقر الباباوي حتي تكون وثيقة يمكن الرجوع إليها"، ما كتبه الزميل سامح محروس وتتداوله المواقع القبطية يكشف عن وجود تنظيم آخر يعمل لصالح الأنبا يؤانس وإذا كان المقال لم يذكر أسماء أعضاء التنظيم، فإن الأوصاف والأقاويل تشير إلي الدكتور ثروت باسيلي والمستشار إدوارد غالب ورجل الأعمال عيد لبيب، وهذا التنظيم يلعب دوراً في تقديم الأنبا يؤانس إلي الجماهير القبطية، والعمل علي حصوله علي منصب البابا، فلماذا يرغب هؤلاء في أن يتولي الأنبا يؤانس دون غيره منصب البطريرك، وما هي مصلحتهم؟ ولكن أهم ما قاله المقال أن هناك اتهاما وجهه الأنبا يؤانس إلي الأنبا أرميا والأنبا بيشوي مطران دمياط وسكرتير المجمع المقدس، بأنهما كسرا باب حجرته، وقاما بالاستيلاء علي أوراقه، فهل تم التحقيق في هذا الاتهام، وإذا ثبتت صحته فهل يمكن لرهبان القيام بهذا الفعل الذي يعاقب عليه القانون السماوي قبل القانون الأرضي، وإذا لم يكن صحيحاً فهل يجوز لراهب اتهام رهبان آخرين ظلماً وزوراً؟! إذن حسب كلام موقع "الأقباط متحدون" فإن هناك تنظيماً من أساقفة يعمل ضد الأنبا يؤانس، وحسب كلام مواقع أخري فإن هناك تنظيماً يعمل لصالح الأنبا يؤانس، وهو ما يكشف عن صراع الأساقفة في خلافة البابا واستخدام أساليب لا تتفق مع العقيدة المسيحية ولا القوانين الكنسية ولا التقاليد الرهبانية.
الآن ما هو الموقف داخل الكنيسة؟! هدأت الأمور بعد اصطحاب البابا للأنبا يؤانس إلي الإسكندرية ، بما يعني أنه ليس غاضباً عليه، ويقول البعض أن هذا الهدوء مؤقت وأن البابا سيقوم في المستقبل بإبعاد الأنبا يؤانس إلي إحدي الإبرشيات وربما يتم إبعاده إلي إحدي دول المهجر، ولكن البعض الآخر يقول أن البابا تأكد من براءة الأنبا يؤانس وأنه مازال يثق به باعتباره أقرب الأساقفة إليه، وأيا ما كانت فقد هدأت الضجة ولكن الأحداث تكشف عن كثير.
أولاً: ليست هناك شفافية داخل الكنيسة وكان يجب أن تتعامل مع أمر يهم الأقباط بل الشعب المصري كله بوضوح وأن تعلن علي الجميع ما حدث، وإذا كان البعض يقول أن هذا أمر خاص بالكنيسة. فالرد عليه أن الكنيسة مؤسسة مصرية أمرها يهم الجميع واستقرارها لصالح المجتمع كله واضطرابها يؤثر علي البلد كله، وعدم الإعلان عما حدث ترك للأقاويل أن تتناثر وتتزايد وأن يلعب الخيال دوراً فيها بجانب الحقائق.
ثانياً: إن هناك صراعاً علي خلافة البابا كان مكتوماً بين الأساقفة ولكنه ظهر مؤخراً علي السطح وأصبح علنياً.
ثالثاً: هذا الصراع تستخدم فيه وسائل لا تليق برجال الدين، وهناك تنظيمات تكونت تعمل بشر من أجل إبعاد المنافسين والفوز بالمنصب، وهذه التنظيمات لا تضم أساقفة فقط ولكنها تضم أيضاً رجال أعمال يروجون لهذا أو ذاك من خلال القنوات التليفزيونية التي يملكونها. رابعاً: قد يتساءل البعض هل هناك جريمة اسمها تنبأت أو حتي أتمني أن أكون البابا..
والحقيقة أنه ليس جريمة ولكن المعروف أن الرهبان طلقوا الدنيا ولا يسعون إلي مناصب بل كان الباباوات السابقون يهربون إلي الصحراء حتي لا يتم اختيارهم للمنصب، وكانت تتم مطاردتهم وإجبارهم من قبل الرهبان والأساقفة علي قبول الباباوية ولهذا فإن السعي للمنصب خطأ ويصل إلي حد الخطيئة الدينية.
خامساً: الأخطر من السعي إلي المنصب الوسائل الأخري التي استخدمت ضد الأنبا يؤانس فسواء تم كسر باب حجرته وسرقة أوراقه، وهي جريمة كبري، أو تم العثور صدفة علي هذه الأوراق، فما كان ينبغي أن يتم التشهير به، ولو كان من عثر عليها صادقاً في إيمانه ورهبنته لأعادها إلي صاحبها طالما لا يطمع هو في المنصب ولنصحه وطلب منه أن يبتعد عن شهوات الدنيا، أيضاً بث الشائعات مثل أن النبوءة تقول أن الأنبا يؤانس سيتولي منصب الباباوية يوم 22 أغسطس "الذي مر ولم يحدث شيء" فمن غير المعقول أن يتوفي البابا - أطال الله في عمره - ويفتح باب الترشيح وتجري انتخابات وتتم القرعة الهيكلية وينصب البابا الجديد وكل ذلك خلال عدة أيام، إذن الغرض من هذه الشائعة هو إصدار حكم سريع بإبعاد الأنبا يؤانس.
سادساً: إن هذه التصرفات الشريرة من الأساقفة ينبغي الوقوف أمامها حتي يعود الرهبان إلي طبيعتهم الحقيقية التي طلقت الدنيا وزهدت في الشهوات، وهو ما يعني أن منظومة الرهبنة تحتاج إلي دراسة لإعادة تنظيمها، فجميع المصريين يعتزون بالرهبنة ذلك الاكتشاف الرائع الذي قدمته مصر للعالم كله.
سابعاً: مطلوب وعلي وجه السرعة تعديل لائحة انتخاب البابا بما يواكب العصر وربما يهدئ ذلك من الصراع بين الأساقفة.
ثامناً: إننا عندما نقول بوجود تنظيمات لأساقفة أشرار، فإننا لا نهين أحداً ولا نهاجم أحداً ولكن نكشف أن هناك تجمعات تسعي لمنصب البابا وهو أمر لا يليق بهم ويؤكد أن نفوساً شريرة تمكنت منهم، ويجب عليهم أولاً محاربتها والعودة إلي الرهبنة الحقيقية.
وأخيرا اعتذر مسبقا إذا كانت كلمة الأشرار قد جرحت مشاعر البعض إزاء قيادات كنسية ولكن أليس ما فعلوه أيضا جرح مشاعر ملايين المصريين وأكد أن الشرور قد تغلبت عليهم وتمكنت من نفوسهم.ا نهاجم