
هناء فتحى
إعلام الناس
فى تلك المسافة الشائهة أحياناً والمعتمة أحياناً كثيرة نقع جميعاً متخبطين فى الرقعة الجغرافية الضيقة هذه.. نقع فى ذلك الالتباس الذى أربك سلوك المصريين-4 سنوات- شعباً وحكومةً وإعلاماً معاً ..فليس الإعلام وحده من يجب أن يحدد مكانه وزمانه وموقفه من أمور تبدو خطيرة «فعلاً».. بل وفاصلةً «حقاً» بين أن تكون مصرياً أو لا تكون.
ثمة عثرة كبرى قد وقعنا فيها جميعاً فى تلك الرقعة المعتمة التى فصلت بين رومانسيتنا - أو جهلنا - يوم 25 يناير وبين واقعيتنا - أو استفاقتنا - يوم 30 يونيو.
يوم أن نعترف بلا خجل أننا خرجنا 25 يناير 2011 جموعاً غفيرة هادرة مزلزلة لإسقاط نظام مبارك وليس لإسقاط الدولة -جيشاً وشرطةً وقضاءً - ونعترف كذلك (أنهم ضحكوا علينا وخطفوها منا) وعدنا فى 12 فبراير وليس فى أكفنا وقبضة يدنا سوى قبض ريح.. ونعترف كذلك أن 25 يناير التى أشعلها الشعب لم تكن ثورة شعب بل خدعة/أمريكان إخوان/ خرجنا فيها كالأطرش فى الزفة.. وأسميناها ثورةً.
يوم أن نعترف بلا خجل أننا خرجنا فى 30 يونيو ملايين «مملينة» كيوم الحشر لنسقط نظامىّ/ مبارك الإخوان/ فى ثورة شعب حقيقية شاركنا فيها الجيش.. وأسماها العالم الحر ثورةً .
هذا استهلال لابد وأن يقال حتى ننير المسافة الطويلة المعتمة تلك .. والتى تقع زمنياً بين 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013، وتقع جغرافياً بين سيناء شمالاً وحلايب وشلاتين جنوباً.. تلك المسافة التى لايحلو للجميع فيها سوى بإدانة الإعلام!!
فليست أى مصيبة تقع فى البلد سببها الإعلام.. وليست هكذا تورد الإبل يا ناس..فالإعلام ليس هو من يترك الآن 12 حزباً دينياً يعمل فوق الأرض -عينى عينك وعلى عينك يا تاجر- فى تخريب الضمائر وتغييب العقول برضا الدولة ومباركة الأمن-مع أنه يقتل من الأمن أكثر ما يقتل من الشعب!! - نعم يجب أن نعترف بأن نجوم الإرهاب الإخوانى السلفى ضيوف دائمين على بعض الصحف والمجلات والفضائيات .. الإعلام-ليس كله بالطبع - من يحارب الإرهاب الداخلى، بل إن بعضه يعمل بضمير مرتاح مع الإرهاب ..ولو وجد الإعلام من الدولة موقفاً واضحاً صارماً باتاً باتراً تجاه حزب النور ومشايخ الفتنة لما ارتبك ولما انقسم ولما سقط فى تلك المسافة الشائهة أحياناً والمعتمة أحياناً كثيرة.. بل لكانت بعض وسائل إعلامنا (اتكسفت على دمها) وقطعت صلتها - المتينة - برجال أعمال يخدمون على الإرهاب.
على الدولة أن تكشف أوراقها كاملة مكتملة تجاه عدة نقاط:
أولاً.. حقيقة 25 يناير ونشطائها وثوارها ومخدوعيها ودور القوات المسلحة منها.
ثانياً.. أن تترك الدولة للإعلام كامل حريته - دون بذاءات أو شتائم أو إلقاء تهم باطلة على هذا أو ذاك- وليختلف معه المختلفون.. فماذا يضيرنا نحنُ جموع المصريين وقد استعدنا فى 30 يونيو دولتنا التى كان قد أهانها نظام مبارك وحاول إسقاطها نظام المرشد وقد صار لدينا رئيس اخترناه بإرادتنا الحرة بل ولانقبل فيه لومة لائم؟ وفوق ذلك قد استعدنا لحمتنا التى كانت مفقودة مع جهاز الشرطة.. واستعدنا قيمة وكرامة وهمة وهيبة جيشنا التى حاول إسقاطها نظام الإخوان؟.. لهذا ينقص الإعلام أن يلعب فى المسافة بين الناس والناس.. التى المسافة التى هى خارج حدود أبناء مبارك وإخوان المرشد.. قولاً واحداً.
نحنُ الآن لدينا دولةً.. نعم ونفتخر.. لكنها لم تعلن موقفاً واضحاً بعد من إرهاب الأحزاب الدينية.. وينقصنا أن يكون لدينا إعلام حر حقيقى يعمل مع الناس ولأجل الناس.. لا تمنحه الدولة صبغتها ولايأتمر بأوامرها.. يحافظ على هيبتها وتماسكها .. ولايتخلى عن اختلافه وخلافه حتى مع نظام الحكم.∎