الخميس 16 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الهاربون مــن جحيم الكنيسة!

الهاربون  مــن  جحيم الكنيسة!
الهاربون مــن جحيم الكنيسة!


الانسلاخ هو المسكوت عنه فى الكنيسة وهو من القنابل التى تهدد بالانفجار فى أى لحظة ونحن هنا ندق ناقوس الخطر ونتمنى أن يسمعه قداسة البابا تواضروس الثانى حتى يضع «المنسلخين» على قائمة الأولويات فى لائحة الأحوال الشخصية الجديدة.

«المنسلخون» هم مسيحيون أقباط أرثوذكس يحبون كنيستهم جداً، هم فى الأصل شمامسة (رتبة كهنوتية) فى الكنيسة ومن بين خدامها والعاملين بها، يربطهم حبل الوريد بالكنيسة، ولكن شاءت أقدارهم التعسة أن يفشلوا فى زيجاتهم ويصلوا إلى مفترق الطرق فى حياتهم العائلية، ولم يعد أمامهم مفر غير الانفصال عن شريك الحياة، وقد اختاروا أن يلجأوا إلى القضاء ليفصل لهم فى قضاياهم، وكانت صدمتهم عندما أخبروا أنهم أمام خيارين: إما أن يثبتوا زنى الطرف الآخر وهو شرط غير متوافر، أو أن يقوموا بتغيير الملة، وهو الأمر الأسهل، ولكنهم لا طاقة لهم بتغيير الملة، فهو مكلف جداً لأن الطوائف الأخرى تعلم أنهم لم يأتوا إليها حباً فيها أو قناعة بها، وإنما للحصول على شهادة تساعدهم فى الحصول على الطلاق والتى يدفعون مقابلها مبلغاً من المال يتعدى أحياناً 100 ألف جنيه وهو ما لا طاقة لمعظمهم به وهم لم تسمح لهم ضمائرهم بجحد إيمان الكنيسة الأم وتغيير الملة إلى كنيسة أخرى، وقرر الجميع أنهم لا يكرهون عقيدتهم الأرثوذكسية ولا يتمنون اعتناق ملة أخرى ولكن مشكلتهم هى فى القائمين على نظام الكنيسة الأرثوذكسية، فقرروا جميعاً التمرد على النظام الكنسى والخروج منه دون اعتناق مذهب آخر أى «الانسلاخ» من الكنيسة ولتبق  العقيدة فى القلب.
ذهب «المنسلخون» إلى ساحات القضاء ليعلنوا أمام قضاتهم أنهم تركوا الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ولم يعودوا بعد من رعاياها وأنهم مسيحيون غير محسوبين على مذهب أو ملة وهو ما يعد مسوغاً قانونياً للطلاق لأنهم لم يعودوا بعد على ملة أزواجهم، ولكن تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن، فلقد طالبهم القضاء باستخراج شهادة رسمية من الكنيسة القبطية تفيد إخراجهم من الملة، وذهب «المنسلخون» إلى المجلس الإكليريكى يبحثون عن ضالتهم المنشودة وسلمهم كاهن إلى كاهن ومن لجنة إلى لجنة وطلب منهم فتح ملفات وأطنان من المستندات على مدى سنوات طوال، وفى النهاية تعنتت الكنيسة ورفضت منحهم تلك الشهادات.
لم يكن أمام «المنسلخين» إلا الذهاب للقضاء الإدارى للحصول على حكم يجبر الكنيسة القبطية على إعطائهم الشهادات المطلوبة بوصف الكنيسة جهه إدارية تنظر منازعتها أمام هذا القضاء، وتدوولت الأوراق والمستندات أمام القضاء الإدارى، ويقول طارق رمضان محامى «المنسلخين» أن لديه العشرات من دعاوى الطلاق الخاصة بالمنسلخين، وهناك الآلاف الذين ينتظرون ما سوف تسفر عنه الأحكام الخاصة بهؤلاء حتى يحذوا حذوهم، فالانسلاخ محاولة للابتعاد عن الصدام مع النصوص الدينية وعدم الدخول فى جدل مع الكنيسة لتغيير قناعتها الدينية ولا حتى تكون الكنيسة طرفا فى المسألة، والانسلاخ هو خروج من المذهب والطائفة وبالتالى يكون الشخص أمام الدولة والقضاء بلا طائفة وغير مقيد بشروط ولوائح الطائفة التى خرج منها وإنما هو مجرد مواطن يطالب بحقوقه الطبيعية فى الطلاق والزواج الثانى، فالكنيسة مادامت لا تعطى حلولاً لمشاكل الأحوال الشخصية فمن حق الأفراد أن يبحثوا عن حلول لمشاكلهم وأزماتهم عن طريق القانون ومنها حرية الاعتقاد، وبالتالى الذين قاموا بالانسلاخ هم أفراد مارسوا حقهم الدستورى فى حرية الاعتقاد وخرجوا من الطائفة وهم الآن يطالبون الدولة بألا تحاكمهم فى مسائل الأحوال الشخصية طبقا للوائح الطائفة التى خرجوا منها حيث إن الرابطة الإيمانية التى بينهم وبين الطائفة قد انقطعت.
وعندما أقمنا الدعوى رقم 31689 لسنة 2014 ضد قداسة البابا تواضروس الثانى بصفتة بطريركاً للأقباط بمجلس الدولة لإلزام كنيسة الأقباط الأرثوذكس بإصدار قرار فصل لأحد المنسلخين كان أن رأت المحكمة أن الإنسان حر فى عقيدته وإيمانه ولا تلزمه شهادات تثبت دخوله طائفة أو خروجه من أخرى والمسألة ليست وقفاً على قرار الكنيسة وإنما على قرار الفرد نفسه، وبالتالى فالكنيسة ليست طرفا وليست ملزمة بمثل هذا الشأن. وعلى هذا يكفى إقرار الشخص أمام قاضى محكمة الأسرة بخروجه وانسلاخه من الطائفة دون الحاجة إلى أى شهادات تثبت هذا، وهو ما سوف نطالب به ونطلب حجز القضية للحكم لثبوت اختلاف الملة بين الزوجين.
إن خطورة المنسلخين ليست فى أنهم مثلهم مثل آلاف الأقباط يسعون للحصول على الطلاق، ولكن فى إصرارهم على تحدى النظام الكنسى وتهديدهم بما لا تحمد عقباه، فيقول أشرف أنيس أحد المنسلخين: الرهبان استغلوا سلطتهم فى تفسير آيات الإنجيل لصالح مصالحهم الشخصية، والرهبنة أصبحت الباب الملكى للانضمام إلى النظام السلطوى الكنسى وتناسوا مشاكل الناس وتركوهم إلى مصيرهم دون رحمة كما أنهم قاموا بتغيير تعاليم الآباء التى يقوم عليها المذهب القبطى الأرثوذكسى، ولقد تسلط رجال الأكليروس (الكهنوت) على حياتنا دون أن يقدموا أى حلول للمتضررين، والكنيسة لن تقدر على احتواء ملف الأحوال الشخصية، لأن الأحوال الشخصية ليست طلاقا فقط أو زواجاً، ولكن توجد قوانين أخرى مرتبطة بملف الأحوال الشخصية وليس لها أى إجابات فى الإنجيل مثل النفقة والحضانة وغيرهما من القوانين الأرضية، فكيف ستتصرف الكنيسة فى هذه القوانين، كما أن الكنيسة فى عصر البابا شنودة لم تهتم بالأسرة حتى لو كان الأبوان  منفصلين جسديا وتركتهم للقتال مع بعضهم ولم تتدخل والمجلس الإكليريكى لايقدم أى حلول للمشكلات التى تعرض عليه وكل ما قالوه لى هنعمل إيه.
ولا تكتفى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بالتعنت فى الطلاق أو حتى إعطاء مستندات تساعد فى الحصول على أحكام طلاق بل إنها وحسب روايات المنسلخين تمارس ضغوطا على الطوائف الأخرى حتى لا تقبل انضمام أشخاص من الكنيسة الأرثوذكسية ويقول ملاك صادق: الطوائف لن تقبل انضمام أحد إلا بعد أن يتخلص من مشكلته حتى لايتعرضوا إلى هجوم الأقباط الأرثوذكس فى أنهم يساعدون الأقباط على الانسلاخ ونحن كمسيحيين لن نقوم بالانضمام إلى أى طوائف أخرى موجودة فى مصر إلا بعد أن يعترف بانسلاخنا فى محكمة الأسرة، ولكننا سوف نتفرغ لإصلاح الكنيسة من النظام السلطوى الرهبانى ويوجد بمصر 19 طائفة مسجلة تحت مؤسسات دينية مسيحية وأغلبهم يرفضون إعطاء شهادات الانضمام لهم حتى لو كان مقتنعا بمشكلتك خوفا من بطش الكنيسة الأرثوذكسية وإلا كانوا اتفقوا على قانون موحد للمسيحيين دون السؤال عن الطائفة.
 طرد الرهبان من الكنيسة
هناك عداء معلن وغير عادى بين المنسلخين والرهبان فى الكنيسة وهو الأمر العجيب والغريب، فعلى الرغم من أنهم يؤكدون دوما ارتباطهم بالكنيسة فإنهم يستشيطون غضبا عند الحديث عن الرهبان، فآباء الكنيسة كلهم سواء كانوا أساقفة أو مطارنة أو حتى البابا نفسه جميعهم من الرهبان فما سر هذا العداء للرهبان، فيقول فادى كريم أن الآلية والصياغة التشريعية التراكمية التى خلص لها الغرب.. تحافظ على حق الكنيسة على تطبيق قناعتها ولكن داخل أسوارها وتحافظ على آدمية مواطنيها من التسلط الدينى الرهبانى الذى يتحكم فى مقدرات العباد فليس من حق الراهب الذى امتنع عن الزواج بإرادته أن يفرض هذا على الجميع متى سنحت له الفرصة عن طريق لى ذراع النص الإنجيلى، والرهبان هم من فضلوا اعتزال العالم والتعبد فى الصحارى والبرارى فلماذا يتخذون من الرهبنة باباً خلفياً للعودة إلى العالم والاغتراف من كل ملذاته وسلطاته.. سوف نعمل على تخليص الكنيسة من الرهبان وعودتهم إلى أديرتهم فلا يعقل أن يفصل شخص فى مشاكل الحياة الزوجية التى لم يختبرها، نحن نريد الاحتكام لقوانين مدنية فى كل شئوننا الدنيوية ما تفعل الكنيسة الإنجيلية وعلى رأسها القس صفوت البياضى للدفع من وراء قانون مدنى للأحوال الشخصية.
 الإنجيلية مدنية
تفجر تصريحات المنسلخين قنبلة من العيار الثقيل هنا فالكنيسة القبطية الأرثوذكسية تعمل الآن وبشكل متسارع على الانتهاء من لائحة الأحوال الشخصية استناداً لما تراه مرجعية إنجيلية ومن المفترض أن تعرض تلك اللائحة على رئيس الجمهورية لإصدارها فى قانون أو الانتطار حتى انتخاب مجلس الشعب وعرض اللائحة عليه لتقنينها، فكيف سيتم ذلك والطوائف المسيحية فى مصر لم تعرض عليها تلك اللائحة بل ترى الكنيسة الإنجيلية أنها تدفع من وراء قانون مدنى وهو ما أكده لنا القس أيمن لويس راعى كنيسة النعمة الرسولية بالقاهرة، حيث يقول: لا يوجد نص كتابى أعطى الكنيسة سلطة الزواج، الإنجيل فقط قدم الدستور الذى ينظم هذه العلاقة ولم يربط النظام العائلى بالفكر اللاهوتى، وعلى هذا أنا أرى أن الزواج يكون مدنيا فالإنجيل لم يحدد الجهة التى يحق لها مسئولية إجراء مراسيم الارتباط، وهذا هو فكر العهد الجديد أنه لم يصنع أنظمة بل مبادئ روحية وعقائدية والالتزام بها مسئولية شخصية بين الإنسان والله وليس النظم والقوانين.
ووصايا المسيح لمن يتبع تعاليمه هى التزام روحى يحكمه الضمير وليس أى سلطة أرضية بما فيها الكنيسة، ففى مراسيم الزواج البركة تؤخذ عندما تطلب من الرب ولا تمنح من الكنيسة متمثلة فى السلطة الكهنوتية، فالزواج عبارة عن عهد الزوجين مع الله والقسيس ممثل للكنيسة هو عبارة عن شاهد أمام الله. ولا يملك سلطان الربط بما يعرف بالسلطان الرسولى المسلم طقسيا.
 عايز حقى
أخطر ما يفكر فيه المنسلخون هو لجوؤهم إلى القضاء الإدارى لإصدار حكم بأحقيتهم فى مبنى كنسى، فالمبانى الكنسية ترخص ملكيتها للطائفة وتخضع بصفتها مالا عاما لإشراف هيئة الأوقاف القبطية وهى هيئة حكومية تابعة لوزارة الأوقاف تلك الهيئة التى يرأسها قداسة البابا، ومن ثم فالمنسلخون هم من ضمن ملاك تلك المبانى ويحق لهم رفع دعوى فرز وتجنيب لتحديد حجم ممتلكاتهم، ويعلق على ذلك عبدالهادى صقر المحامى بالنقض والإدارية العليا بالقول: ملكية الكنائس مملوكة لهيئة الأوقاف القبطية التى يشرف عليها البابا وتأخذ حكم الملكيات العامة ولو أن شعب الطائفة فى محافظة من المحافظات قرر الاستيلاء على الكنيسة كمالك فهذا يعتبر غصبا لحق مملوك للهيئة ولكن إذا رغب أبناء طائفة فى الانفصال عن إدارة البابا والتمكين من كنيستهم لممارسة طقوسهم عليهم أن يقيموا دعوى أمام القضاء الإدارى ليكون لديهم شرعية ينطلقون بموجبها لأن كل طائفة معروف أن لها ممتلكاتها وكنائسها.
إلى أين إذن يأخذنا تعنت الكنيسة وتمرد المنسلخين وهل نصحو يوما فنجد أبناء الطائفة القبطية الأرثوذكسية قد انقسموا وتشرذموا إلى جماعات وفلول كل منها لها كنائسها ومبانيها؟ أم أن المنسلخين هم بداية حركة إصلاح جديدة داخل الكنيسة ضد السلطة الرهبانية والبابوية هل نحن أمام مارتن لوثر جماعى يولد من جديد؟ أم أن الكنيسة وحكمة قداسة البابا سوف تحتوى خرافها الضالة من المنسلخين.∎