الأربعاء 21 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي

نساء محمد.. تكليف من الله لنشر الدعوة

نساء محمد.. تكليف من الله لنشر الدعوة
نساء محمد.. تكليف من الله لنشر الدعوة


 
أكدت الآيات القرآنية على احترامها للنساء، وفسرتها السيرة النبوية العطرة فى عدة أحاديث للرسول، منها «إنما النساء شقائق الرجال»، و«خياركم خياركم لنسائهم.. وأنا خيركم لأهلى» و«ما من مسلم تدرك له ابنتان فيُحسن إليهما ما صَحِبتَاه أو صَحِبهما إلا أدخلتاه الجنة».. وحينما جاء رجل إلى رسول الله وقال: يا رسول الله! أردت أن أغزو وقد جئت أستشيرك.. فقال: «هل لك من أم؟» قال: نعم قال: «فالزمها فإن الجنة تحت رجليها»، وغيرها من الأمثلة التى تدل على حسن معاملة الرسول للمرأة، وإن كان ذلك يفتح باب التساؤل حول أسباب تعدد زوجات الرسول، التى وصلت لإحدى عشرة سيدة، وهل حسن المعاملة يقضى بالزواج من أكثر من واحدة، إلى حد أن يتم اتخاذ تعدد زوجات الرسول كمثل وطريق للكثيرين فى حياتهم بحجة الاقتداء بالنبى.
 
من المعروف أن الرسول تزوج من إحدى عشرة سيدة هن: خديجة بنت خويلد- سودة بنت زمعه- عائشة بنت أبى بكر- حفصة بنت عمر بن الخطاب- زينب بنت خزيمة- أم سلمة - زينب بنت جحش- جويرية بنت الحارث- مارية القبطية- أم حبيبة- صفية بنت حى- ميمونة بنت الحارث».
 
وتفتح روزاليوسف هذا الملف الشائك، الذى يغض الكثيرون البصر عنه، بزعم عدم إثارة الفتن، والخوف من التجريح فى النبى، وتعريضه للنقد.
 
ويوضح د.حامد أبوطالب- عميد كلية الشريعة والقانون الأسبق وعضو مجمع البحوث الإسلامية- أن زيجات الرسول المتعددة، كانت لحكم دينية وسياسية واجتماعية ، فمن الحكم الدينية أن زواجه من السيدة «عائشة» بأمر سماوى، حيث رأها الرسول ثلاث مرات فى المنام ، تزفها الملائكه له فى «خرقة حرير»، وتقول الملائكة للرسول «هذه امرأتك»، وبالفعل تزوجها الرسول لنعلم بعد ذلك أنها كانت لحكمة حفظ الدين والسنة، فكانت أصغر النساء، ولديها البراعة فى حفظ الأحاديث، وتفسيرها، وتوضيحها.
 
أما عن الحكمة السياسية التى ارتبطت بتعدد الزيجات، فهو جذب كبار القبائل العربية وزعمائها، وتقريبهم إلى الإسلام، بمصاهرتهم؛ فإن الصهر والنسب من الأمور المؤثِّرة فى نفس الإنسان العربى، وكثيرًا ما صدَّت العصبية القبَلِيَّة الجاهلية بعضَ العرب عن الدخول فى دين الله تعالى، وكان لا بُدَّ من معالجة هذه الأمراض الجاهلية بشىءٍ من الحكمة والرحمة، فكانت هذه الزيجات مفتاحًا لقلوبٍ أغلقَتْها حميَّة الجاهلية، وتقريبًا لنفوسٍ أبعدَتْهَا عصبيات قبلية.
 
 
وتزوَّج النبى - عليه الصلاة والسلام - بجويرية بنت الحارث - رضى الله عنها - وكانت سيِّدة قومها بنى المصطلق، وكان لهذا الزواج غاية عظيمة؛ فقد أعتق المسلمون مَن كان بأيديهم من أسرى بنى المصطلق، وقالوا: أصهار رسول الله يسترقون؟!.. حتى قالت عائشة- رضِى الله عنها-: لقد أعتق بتزويجه إيَّاها، مائة أهل بيت من بنى المصطلق، فما أعلم امرأةً كانت أعظم على قومها بركة منها، لذا كان هذا الزواج المبارك، من الأسباب التى دعَتْ بنى المصطلق جميعًا، إلى الدخول طواعيةً فى دين الله تعالى، وترك الكفر والشرك.
 
وأضاف أبوطالب: الرسول رفع من شأن معاملة الزوج الحسنة لزوجته لدرجة العبادة، بمعنى أن إكرام الرجل لزوجته، وإحسان معاملتها، ومساعدتها فى واجباتها، هى من أخلاق الإسلام، وقد أوصى الرسول مرات عدة بالنساء، قائلا: «اتقوا الله فى النساء»، وأوصى صحابته أن تطعمها ممن تطعم، وأن تكسوها كما اكتسيت، ولا تقبح، وبالمعنى الدارج أن يقسم الزوج اللقمة مع زوجته، ويحضر لها الملابس كما يفعل مع نفسه، ولا يتطاول عليها بالسباب أو الشتائم.
 
ومن تكريم النبى - صلى الله عليه وسلم - للمرأة، أن نهى الأزواج عن سوء الظن بنسائهم، وتلمس عثراتهن، قال جابر: «نهى رسول الله أن يطرق الرجلُ أهله ليلاً يتخوَّنُهم أو يلتمسُ عثراتهم»، فأى تكريم للمرأةِ فوقَ أن يُمنع الرجلُ من دخول بيته ليلاً دون أن يُعلم امرأته، إن كان يقصد التجسسَ عليها، وتلمسَ عثراتها!
 
ورغب النبى الأزواج فى التوسعةِ على الزوجات بالنفقة، فقال لسعد: «إنك لن تنفق نفقةً تبتغى بها وجه الله إلا أُجرت عليها، حتى ما تجعله فى فم امرأتك»، وقال «أفضل دينارٍ دينارٌ ينفقه الرجل على عياله»، وقال: «إن الرجل إذا سقى امرأته من الماء أُجر».
 
وقال: «إن الله سائل كل راعٍ عما استرعاه، حفظ ذلك أم ضيع ، حتى يسألَ الرجلَ عن أهل بيته»، وقال: «الدنيا متاع وخير متاعها المرأةُ الصالحة».
 
وأما الوفاء للزوجة بعد وفاتها، فقد ضرب النبىُّ أروع الأمثلة فى ذلك، قال أنس: «كان النبىّ إذا أتى بالهدية قال: اذهبوا إلى فلانة، فإنها كانت صديقة لخديجة».
 
 ونفى أبوطالب مايشاع على أن الرسول كان شهوانياً ، كما يردد الغرب والمستشرقون عنه، لزواجه من أكثر من سيدة، مؤكدا أن الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - بدأ زواجه فى الخامسة والعشرين من السيدة خديجة التى كانت فى الأربعين من عمرها، وسبق لها الزواج مرَّتين، واستمرَّ الزواج خمسًا وعشرين سنة، لم يتزوَّج عليها، حتى ماتت، وكان عمره - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقتَها خمسين عامًا، كما لم يتزوَّج النبى بكرًا قطُّ إلا واحدة من إحدى عشرة امرأة، فكلُّ أزواجه سبق لهن الزواج إلا عائشة، وأخيراً أكثر زوجاته تزوَّجهن بعد بلوغه أكثر من 57 سنة.
ويوضح د. محمد الشحات الجندى- الأمين العام للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية الأسبق- وأن تعدد زوجات الرسول حالة لها خصوصيتها، ولا يقاس عليها، ولا يستطيع المسلم أن يأخذها للتعميم، لأن التعدد- آنذاك- كان للحكمة المرتبطة باعتباره نبيًا وحاكمًا وزعيمًا سياسيًا.
 
ونفى الجندى ما قد يفهم من بعض التفسيرات، التى تبرر تعدد زواج الرسول، لخدمة الدعوة والتأليف بين القبائل، على أنه استغلال للنساء فى السياسة، وزواج قائم على المصالح، والسبب أن الرسول كان يسعى لتشييد جسور من الثقة والعلاقات الطيبة بين القبائل وبعضها، وهذا لايعتبر غرضاً أو مصلحة سياسية، بل إنسانية بحتة، تتفق مع مقاصد الشريعة السمحة، والدليل على صدق هذه الرسائل ، هو زواج الرسول من «ماريا القبطية»، ليؤكد أن الإسلام دين جامع لكل الأديان، يدعو للتعايش وتعميق الروابط مع غير المسلمين بالمصاهرة، والنسب منهم، كما أن العلاقات الإنسانية لا تتأثر باختلاف الدين.
 
ويسرد د.حمادة طنطاوى- رئيس الإرشاد الدينى والثقافة الإسلامية بوزارة الأوقاف - حكايات مدهشة حول صور معاملة الرسول لزوجاته، منها أنه كان يساعدهن فى أعمال المنزل، كالطهى، وترتيب المنزل، وحياكة الثياب، وإصلاح النعال، دون أن يمل أو ينفر من معاونتها، كما يتعامل الأزواج فى العصر الحديث مع زوجاتهن، حين يعتبروهن خادمات لهن فحسب، يحضرن الطعام والشراب بمجرد عودتهم من العمل.
 
وأضاف: إن الرسول كان زوجاً بشوشاً ، يمزح ويداعب زوجاته بعطف ورقة ، فكان كثير المداعبة لهن، بل كان يتسابق مع السيدة عائشة، حيث قالت رضى الله عنها: خرجت مع النبى فى بعض أسفاره، وأنا جارية لم أحمل اللحم، فقال للناس «تقدموا»، ثم قال لى: «تعالى حتى أسابقك»، فسابقته فسبقتُه، فسكت عنى، حتى إذا حملت اللحم، ونسيتُ، ضحك وهو يقول: «هذه بتلك».
 
 وأوضح أن الرسول أرسى قواعد الإتيكيت والبروتوكول، قبل أن يضعها الغرب، ومنها مبدأ lady is first حيث يطعم السيدة عائشة فى فمها قبل تناوله الطعام، ويجلعها تجلس قبله على المائدة، وكان يشرب من مكان فمها، ولذلك على أزواج اليوم أن يتخذوا من رسول الله قدوة حسنة فى معاملة زوجاتهن.
 
وأكد أن الرسول كان حسن الخلق مع الناس أجمعين، ومع أهله بصفة خاصة، كما يعدل بين نسائه فى الطعام والكسوة والمعاشرة الزوجية، ويؤلف بين قلوب زوجاته، ويخلق علاقات إنسانية، أساسها المودة والرحمة، ويذكر أنه كان جالساً بين نسائه، وطهت السيدة «أم سلمة» له حلوى طيبة، وكانت مشهورة بأنها ربة منزل من الطراز الأول، وكانت شديدة الحسن والجمال، فغارت السيدة عائشة من الحلوى التى صنعتها، وكسرت الإناء على الأرض، لتختلط الحلوى بالتراب، فلم يغضب الرسول، ولم يعنف السيدة عائشة أمام الأخريات ، بل قال: «ياعائشة طعام بطعام وإناء بإناء»، ليتفق مع القاعدة الفقهية التى تقول: «من أتلف شيئًا فعليه بإصلاحه»، واستطاع أن يحل المشكلة بمنتهى الهدوء.
 
ويذكر أن الرسول كان جالساً بين نسائه، وسألته إحداهن قائلة: «من أغلى واحدة بين زوجاتك»، فرد بذكاء قائلا: «غداً سوف أجيبكم»، وفى المساء ذهب لكل زوجة فى غرفتها ، وأعطاها درهما، وثانى يوم تكرر نفس السؤال ، فأجاب: «من أعطيتها درهماً هى أغلى واحدة عندى».
 
وحكاية أخرى توضح مدى مزاحه ورفقه بالنساء، وامتصاصه غضبهن، حينما قال للسيدة عائشة: «أعلم متى تكونى راضية عنى.. ومتى تكونى ساخطة عنى»، فردت على: «وكيف ذلك»، فقال لها: عندما تكونى راضية عنى تقولى «ورب محمد»، وعندما تكونى ساخطة عنى تقولى «ورب إبراهيم».
ويقول الشيخ مصطفى عبد الهادى- كبير أئمة بإدارة أوقاف النزهة بمصر الجديدة - إن هناك مصالح عامة ومشتركة من تعدد زيجات الرسول ، منها أن تتولَّى أمَّهات المؤمنين - رضوان الله عليهن - تعليم النساء، لا سيَّما الأمور التى تخصُّ المرأة، وتستحى أن يطَّلع الرجال عليها، كما حدث فى زواجه من السيدة عائشة رضى الله عنها، وأن تنقل أمهات المؤمنين - رضوان الله عليهن - للناس ما يحدث داخل بيت النبى - صلَّى الله عليه وسلَّم - من حكم وأحكام، كما أمرهن الله - تعالى - فى قوله: { وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِى بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا}.
 
أما أبرز الرسائل التى تركها الرسول من زيجاته، هى إعلاء شأن المرأة فى المجتمع الذى نشأ على جاهلية، كانت تهين المرأة، وتحقر من شأنها، وتعدُّها مجرَّد متاع يُورث، أو وعاءً لإشباع المتع الجنسية، أو سب من أسباب الفقر والعار والشؤم.
 
وقال عبد الهادى إن من حكم تعدد الزوجات، زواج النبى من «سَوْدَة بنت زَمْعَة» التى كانتْ من المهاجرات إلى الحبشة ، وكان زوجها السكران «بن عمرو» قد أسلم، وهاجَر معها، وتوفى عنها هناك، وكان أهلها كفار، فلو رجعت إليهم، فربما عذَّبوها، وفتنوها عن دينها، فكان زواج النبى منها شفقة بها، وإنقاذًا لها، ممَّا قد تعانيه من ظلم واضطهاد.
 
    ويسرد عبد الهادى أمثلة أخرى، مثل زواج النبى من «أم سلمة»- رضى الله عنها - وكانت امرأة مسنَّة، وذات عيال، وتوفى عنها زوجها، وكانت شديدة التعلُّق به، فتزوَّجها النبى إشفاقًا عليها، ورحمةً بأيتامها، وقد ضرب بزواجه منها حكمة، ترسى مبدأ مشورة الرجل لزوجته، حيث روى الإمام «أحمد والبخارى» أن «رسول الله صالح أهل مكة، وكتب كتاب الصلح بينه وبينهم، فلما لم يقم أحد منهم، ولا تكلم أحد منهم، دخل على «أم سلمة»، وذكر لها ما لقى من الناس، فقالت : يانبى الله أتحب ذلك؟.. أخرج ثم لا تكلم أحداً منهم كلمة، حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك، فيحلقك، فخرج كذلك، فلما رأوا ذلك، نحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضاً، حتى يكاد بعضهم يقتل بعضاً.
 
وكانت هناك حِكَم تشريعية من زواج النبى كتحريم التبنِّى، وإلغاء كل الآثار المبنيَّة عليه؛ كما حدث فى زواج النبى - صلَّى الله عليه وسلَّم- من زينب بنت جحش- رضى الله عنها، حيث قال الله تعالى فى سورة الأحزاب «فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَىْ لاَ يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِى أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولا».
 
أما عن ضرب الزوجات وانتشاره، قال تعالى: «وَاللاَّتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِى الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ»، وهذه الآية تنفى ماى تردد عن الإسلام، بأنه أمر بضرب الزوجة، تحت شعار «اكسر للبنت ضلع يطلع لها 24»، وهو ما يؤكده قول الرسول «إذا ضربتهن فلا تضربوا فى الوجه ولا تقبح»، ويكون الضرب بالسواك، وهو مجرد توجيه من الزوج للزوجة المؤمنة المسلمة المتدينة ، ولم يقل الإسلام اكسر للزوجة ركبة ولا ضلع.
 
وأوضح أن الشريعة وضعت ضوابط محددة، فى معايير معاملة الزوج لزوجته، تقوم على الوعظ، ثم الهجر، ويكون الهجر لمدة 15 يومًا فى المضجع، ولا يترك الزوج زوجته فى المنزل، كما يتحدثان معاً أمام الأطفال فى مودة ورحمة، أما ثالث شرط فهو الضرب الخفيف غير المبرح بالسواك، ورابع شرط هو أن يحضر حكماً من أهله وأهلها، لتهدئة الخلاف، والوصول للصلح، وإن لم يصلح الحكمين، فليذهب الزوجان إلى المأذون، ليوقع طلقة واحدة فقط، ويعود الزوجان مرة ثانية للمنزل، على أمل أن يحدث الاحتكاك بينهم فى المنزل، رغبة فى العودة والرجوع والمودة الجديدة.