بعد المناظرة «الكارثية».. هل «يرضخ» بايدن للانسحاب؟
مروة الوجيه
«خلاصة القول هى أننى لن أذهب إلى أى مكان وباق فى السباق» بهذه العبارة الحادة جاء رد الرئيس الأمريكى جو بايدن على دعاوى رفقائه فى الحزب الديمقراطى، وأعدائه خارجه ليؤكد أنه ماض فى السباق الرئاسى، وأنه الأجدر لهزيمة خصمه اللدود دونالد ترامب، فى وقت دبت فيه الانشقاقات داخل الحزب الديمقراطى والدعاوى المطالبة بضرورة انسحاب بايدن من الانتخابات الرئاسية حفاظًا على طموح الحزب فى الظفر بكرسى البيت الأبيض لأربع سنوات قادمة. كذلك الطموح فى حشد أغلبية فى مجلس النواب فى الانتخابات التى تقام تزامنًا مع الانتخابات الرئاسية فى الخامس من نوفمبر المقبل.. الدعوات بالتنحى عن السباق الرئاسى تعدت حدود الولايات المتحدة لتخرج عبر المحيط الأطلسى لحلفاء بايدن من حلف الناتو، ومع انعقاد «القمة الماسية» للحلف فى العاصمة واشنطن أخذ حلفاء الغرب بالتودد أعضاء الحزب الجمهورى والمستشارين السابقين فى إدارة ترامب، طامعين فى تودد الرئيس السابق والمرشح الأقرب إلى كرسى البيت الأبيض، وبالطبع وقت المصالح لا تتحدث عن رفقاء بل الكل ينظر الآن إلى اللعب بالكارت الرابح.
> «تمرد» ديمقراطى
فى الوقت الذى يسعى فيه للسيطرة على «تمرد» محتمل من رفاقه الديمقراطيين الذين يشعرون بالقلق من أن الحزب قد يخسر الرئاسة والكونجرس فى انتخابات الخامس من نوفمبر، أكد جو بايدن أنه مستمر فى السباق الانتخابى، رغم جميع الدعوات التى بدأت تظهر فى العلن لتخليه عن الترشح، نانسى بيلوسى كانت أحد أصعب المفاجآت التى أطاحت بصديق الماضى، حيث سحبت نانسى دعمها الصريح لبايدن وأكدت فى برنامج «مونينج شو» إن القرار يعود لبايدن وأن «الوقت ينفد».
وأضافت بيلوسى أن بايدن يجب أن يؤجل أى قرار نهائى إلى ما بعد قمة حلف شمال الأطلسى الناتو فى واشنطن التى تنتهى بمؤتمر صحفى مرتقب للرئيس.
وتبع إعلان بيلوسى، إعلان عضو مجلس الشيوخ الديمقراطى، مايكل بينيت، عن انفصاله عن تأييد بايدن فى السباق الرئاسى، حيث أصبح بينيت أول عضو من الكونجرس يعلن بصورة رسمية عن هذا القرار وسط انقسامات داخل الحزب الديمقراطى حول ضرورة انسحاب بايدن لإنقاذ الحزب من الهزيمة فى الانتخابات الرئاسية وانتخابات الكونجرس.
وكان نواب فى الحزب الديمقراطى قد أكدوا أن لدى كبار المانحين مخاوف جدية بشأن قدرات بايدن على تولى منصب الرئاسة.
ويعانى البيت الأبيض من تداعيات أداء بايدن الضعيف فى المناظرة الرئاسية التى جرت الشهر الماضى، مما جدد التساؤلات حول لياقته العقلية وقدرته على الفوز بولاية أخرى.
ويشير تقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست إلى أن حتى مع صمت الغالبية العظمى من أعضاء الحزب الديمقراطى، إلا أنهم يدعمون مقترحات «واضحة» على أمل أن يأخذ بايدن المبادرة ويخطط للتراجع عن السباق للبيت الأبيض.
منذ المناظرة الأخيرة مع منافسه دونالد ترامب، والمقابلات الإعلامية التى تبعتها يتعرض بايدن لضغوط شديدة تتعلق بمسار حملته للفوز بولاية ثانية فى البيت الأبيض، بعدما تلعثم فى كلماته ووقف فاغر الفم بينما كان ترامب يتحدث بطلاقة وبطريقته الهجومية المعهودة دون أن ينجح بايدن بالرد عليه أو حتى الدفاع بصورة لائقة حتى فى الملفات التى استطاع أن ينجح فيها خلال فترة الرئاسية وهى الصحة والإجهاض.
> دعوات أخرى لضرورة التراجع
من جهة أخرى، جاء مقال رأى للفنان جورج كلونى، والذى يعتبر من أشد الفنانين الذين يعملون على دعم حملة بايدن الانتخابية، حيث كتب كلونى فى صحيفة «نيويورك تايمز» بعد ثلاثة أسابيع من استضافته حفل جمع تبرعات فى لوس أنجليس جمع 30 مليون دولار لبايدن.
وقال كلونى «أحب جو بايدن»، مضيفا «أعده صديقا، وأؤمن به.. لكن المعركة الوحيدة التى لا يستطيع الانتصار فيها هى المعركة ضد الزمن».
وتابع أن «جو بايدن الذى كنت معه قبل ثلاثة أسابيع فى حفل جمع التبرعات لم يكن هو نفسه بايدن 2010».
ورأى أنه «لم يكن حتى جو بايدن عام 2020. لقد كان الرجل نفسه الذى شهدناه جميعا فى المناظرة»، مناقضا بذلك كلام بايدن من أن أداءه الضعيف كان حالة مؤقته بسبب الإجهاد.
واعتبر كلونى أن وجود بايدن سيتسبب بخسارة الديمقراطيين وفقدانهم الهيمنة على مجلس الشيوخ وعجزهم عن السيطرة على مجلس النواب.
وفى حفل جمع التبرعات فى لوس أنجلوس الذى استضافه كلونى مع زميلته النجمة السينمائية جوليا روبرتس، بدا بايدن متعبا عندما اعتلى المسرح إلى جانب الرئيس الأسبق باراك أوباما.
وكتب كلونى «هذا ليس رأيى فقط، بل هو رأى كل سيناتور وعضو كونجرس وحاكم ولاية تحدثت معه على انفراد». وأكد «الأمر يتعلق بالعمر. لا شيء أكثر من ذلك».
وحظيت دعوة كلونى أيضا بدعم مخرج هوليوود روبرت راينر، وهو ديمقراطى نافذ طالب أيضا قبل أيام بتنحى بايدن.
وكتب راينر على منصة إكس «عبر صديقى جورج كلونى بوضوح عما يقوله كثر منا.. تواجه الديمقراطية تهديدا وجوديا. نحن بحاجة إلى شخص أصغر سنا.. على جو بايدن أن يتنحى».
وقال الممثل مايكل دوجلاس الذى استضاف أيضا حملة جمع تبرعات لبايدن فى هوليوود فى أبريل الماضى، إن كلونى لديه «نقطة صحيحة»، ولم يطالب دوجلاس بايدن بالتنحى، لكنه أعرب عن شعوره «بقلق عميق».
ولم يذكر كلونى ما إذا كان سيحجب التمويل حتى يغادر بايدن، كما فعلت أبيجيل ديزنى وريثة إمبراطورية ديزنى الإعلامية الأسبوع الماضى، إلى جانب العديد من المانحين الأثرياء الآخرين.
> آلة الزلات المتلعثمة
وفى السياق نفسه، كتبت مجلة «فورين بولسى» تقريرا أوضح أن بايدن قد حظى لفترات طويلة الإعجاب فى الداخل الأمريكى وخارجه، وكانت له العديد من الأدوار الحاسمة على صعيد السياسة الخارجية حتى قبل توليه رئاسة الولايات المتحدة، ولكنه فى الآونة الأخيرة أصبح يشبه «آلة الزلات المتلعثمة»، إذ يخطئ فى الاقتباس والحديث، وأحيانا لا يفهم مغزى الحديث.
ويشير التحليل إلى أنه رغم زلاته الأخيرة، إلا أنه علينا التساؤل: هل بايدن حقا بهذا السوء الآن؟ مع الأخذ أنه لا يزال قادرا على تقديم الكثير رغم تراجعه الواضح.
ويلفت إلى أن «مشكلة العمر» لبايدن ليست جديدة، إذا أنها كانت عاملا كبيرا حتى فى الانتخابات الرئاسية فى 2020.
ورغم النظر إلى بايدن على أنه قد يشكل خطرا على الديمقراطيين، ولكن ليس الأمر كما لو هناك بديل واضح، خاصة عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة.
وينقل التحليل قول بعضهم أن «بايدن فى أسوأ حالاته» يبقى أفضل «من ترامب فى أفضل أيامه» على ما أكد نورمان كورز المتحدث السابق لبايدن عندما كان فى الكونجرس.
> مخاطرة أم تعند؟
فى تصريحات أخرى لمايكل هالتزل، مساعد سابق لبايدن فى مجلس الشيوخ قال لمجلة «فورين بولسى» إن «كان من المؤلم مشاهدة تلك المناظرة.. لكن هل هو قادر الآن؟ بالتأكيد ليس لدى أدنى شك على الإطلاق. كيف سيكون شكله بعد سنتين أو ثلاث؟ الله أعلم. من الواضح أنها مخاطرة».
وخلال مقابلة تليفزيونية وصفت بالحاسمة، قال بايدن إنه لا أحد غيره «مؤهل أكثر منه» للتغلب على ترامب فى نوفمبر، وبدا كأنه ينكر حقيقة استطلاعات الرأى التى بينت بوضوح أنه فى موقف صعب أمام منافسه الجمهورى.
وفى هذا الحوار عبر محطة «إيه بى سى»، فى أول ظهور لبايدن بعد المناظرة، مع الصحفى جورج ستيفانوبولوس، تجنب الرئيس الأمريكى مرارا الإجابة على سؤال حول ما إذا كانت حالته الجسدية والذهنية قد تدهورت خلال فترة ولايته.
وعندما سئل فى مقابلته عن سبب عدم إجرائه فحصا طبيا مستقلا، أجاب بايدن أن وظيفته تشبه «الخضوع لاختبار إدراكى كل يوم».
وقال «أنا أخضع لاختبار إدراكى كل يوم.. أنا لا أقوم بحملتى الانتخابية فحسب، بل أقود العالم».
> بدائل بايدن
على الرغم من أن الكثير من خبراء السياسة يرون أن تراجع بايدن عن السباق الرئاسى فى الوقت الراهن قد يؤدى إلى خسائر لشعبية الحزب خاصة مع اقتراب موعد المؤتمر العام للحزب الديمقراطى فى أغسطس، والذى يعلن فيه رسميًا عن مرشح الحزب للرئاسة، إلا أن الآن مع تنامى الأصوات المنادية لضرورة تنحى بايدن وترك الساحة لمرشح جديد ربما تنقذ الحزب فى انتخابات الكونجرس، بعد التيقن حتى الآن بأن ترامب سيقود المشهد الرئاسى، إلا فى حال حدوث معجزة لبايدن.
أقوى الأسماء المطروحة كبديل للرئيس الأمريكى نائبته كامالا هاريس، الذى يؤكد مراقبون أنها الخيار البديهى الأنسب لنيل تذكرة الحزب الديمقراطى لمنافسة ترامب خاصة وقد سطرت اسمها بأحرف من ذهب بعد أن أصبحت أول امرأة وأول أمريكية من أصول أفريقية وآسيوية تشغل منصب نائب الرئيس.
لكن هاريس البالغة من العمر 59 عاما، واجهت مهمة صعبة فى ترسيخ نفسها كسياسية تتمتع بقدر كبير من الاستقلالية عن بايدن خلال السنوات الثلاثة الماضية. فخلال الأيام الأولى لإدارة بايدن، جرى تكليف هاريس بقيادة جهود الحكومة الأمريكية فى وقف الهجرة الجماعية من أمريكا اللاتينية، لكنها لم تحقق النجاح المطلوب وهو ما استغله ترامب.
منذ عام 2023، تعمل هاريس على تعزيز مكانتها كمدافعة عن الحقوق الإنجابية وهو ما تجلى فى أنها أصبحت فى مارس الماضى أول مسئول أمريكى فى منصب نائب الرئيس يزور عيادة إجهاض.
وقد يساعد كونها سيدة ورصيدها الحقوقى فى حصولها على أصوات الناخبات والناخبين الذين ينحدرون من أصول أفريقية وآسيوية، لكن مسيرتها المهنية كعضو فى مجلس الشيوخ ومدعية عامة فى ولاية كاليفورنيا قبل دخولها البيت الأبيض، جعلها عرضة لانتقادات من بعض أنصار معسكر اليسار.
تتمتع هاريس بميزة أخرى عن باقى المرشحين المحتملين إذ يمكنها الجمع قانونيا بين التبرعات التى قد تحصل عليها وأيضا التبرعات التى حصل عليها بايدن باعتبارها نائبته وهو ما يصل إجمالا إلى حوالى 91 مليون دولار.
وقد أشار استطلاع للرأى أجرته مؤسسة إبسوس قبل أيام إلى أن هاريس احتلت المرتبة الثانية بعد ترامب بفارق لا يتجاوز نقطة مئوية واحدة فقط فى حالة خوضهما السباق الانتخابى إذ حصل ترامب على نسبة 43 % فيما حصلت هاريس على 42 %.
بيد أن الاستطلاع كشف عن تعادل ترامب وبايدن فى حالة استمرارهما فى السباق الانتخابى إذ حصل كلاهما على نسبة 40 بالمئة من الأصوات.
وفى المرتبة الثانية، طرح اسم ميشال أوباما زوجة الرئيس الأمريكى الأسبق باراك أوباما لكن يرى مراقبون أنها بعيدة عن الحياة السياسية منذ خروج زوجها من منصبه الرئاسى، لكن يمكن العمل على إعداد أوباما للانتخابات المقبلة لكن ليس فى الوقت الراهن.
ومن بين الأسماء المطروحة أيضًا حاكمة ميشيجان جريتشن ويتمير وهى من أبرز السياسيين الديمقراطيين فى الكونجرس حيث ساعدت فى سن العديد من التشريعات التقدمية خلال فترة ولايتها الأولى بما فيها قوانين تتعلق بمنح إعفاءات ضريبية للأسر ذات الدخل المنخفض ودعم مجتمع الميم وفرض قيود على حمل السلاح.
كذلك جافين نيوسوم، حاكم ولاية كاليفورنيا، الذى خرج عقب المناظرة بين بايدن ليدعم الرئيس الحالى حيث رفض الدعوات المطالبة بخروجه من السباق. وفى مقابلة فى شبكة «إم إس إن بى سى»، قال نيوسوم «لا يوجد حزب يدير ظهره لمرشحه بسبب أدائه فى إحدى المواجهات».
ثم يأتى جى بى بريتزكر، حاكم إلينوى، الذى ينحدر من عائلة تعد من أغنى العائلات فى العالم إذ تبلغ ثروته أكثر من 3.5 مليار دولار، بحسب مجلة فوربس. ويعتبر بريتزكر من أبرز رجال الأعمال وله علاقة قوية مع مناحي الحزب مما يضمن استمرار دعم هؤلاء لحملات الرئيس الانتخابية.
وأخيرًا طرحت أسماء أخرى مثل بيت بوتيجيج الذى يتولى حاليا حقيبة النقل فى إدارة بايدن، وجوش شابيرو حاكم ولاية بنسلفانيا، لكن حظوظهما السياسية تعتبر ضعيفة مقارنة بسابقيهما.>