الأحد 4 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

110 ملايين شخص تأثروا بها.. حروب الـGPS هل يدفع المدنيون الثمن؟!

تسببت التداعيات الناجمة عن تنامى عمليات التلاعب بإشارات الملاحة فيما يعرف باسم حرب أنظمة تحديد المواقع (GPS) فى تخريب الهواتف الذكية، والطائرات، والسفن المدنية فى 3 قارات، وفقا لصحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية. وكانت القدرة على التشويش على أنظمة تحديد المواقع أو إرسال الإشارات المخادعة إلى حد كبير حكرا على الجيوش على مدى العقدين الماضيين، حيث كانت هذه الممارسات تستخدم للدفاع عن المواقع الحساسة ضد هجمات الطائرات المسيرة أو الهجمات الصاروخية، أو لإخفاء أنشطة خاصة. 



ولكن التشويش المنتظم من قبل القوات المسلحة، خاصة فى أعقاب الغزو الروسى لأوكرانيا والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، أحدث مشكلات واسعة النطاق للسكان المدنيين أيضا، وأصبح تأثير الإشارات المضللة واسع النطاق. وقالت فاينانشيال تايمز إن تحليلها للبيانات الواردة من موقع فلايت رادار 24  Flightradar24، المختص بتتبع حركة الطائرات، أظهر أن ما يقرب من 40 مليون شخص عاشوا فى مناطق بها إشارات تحديد مواقع غير موثوقة. وأوضحت أن هذه المناطق شملت العاصمة التركية أنقرة، حيث تتمركز قواتها المسلحة، ومساحات من ساحل البحر الأسود، وشبه جزيرة سيناء المصرية، وعدد من أكبر المدن العراقية، وحدود ميانمار التي مزقتها الحرب. كما أثر هذا التشويش القوى على مناطق يبلغ عدد سكانها مجتمعة 110 ملايين نسمة، بما فى ذلك مدن تتواجد بها منشآت عسكرية؛ مثل سان بيترسبرج فى روسيا، ولاهور فى باكستان، وبيروت فى لبنان وفقا للصحيفة. 

وقال المحلل فى مؤسسة المعهد الملكى للخدمات المتحدة البحثية، توماس ويثينجتون للصحيفة، إن الدافع الرئيسى هو الرغبة فى حماية الأهداف العسكرية. وأوضح أن الطائرات المسيرة والأسلحة الموجهة تميل إلى الاعتماد على النظام العالمى للملاحة عبر الأقمار الصناعية (GNSS)»، مشيرا إلى أن إطلاق إشارة تشويش يحد من قدرتها على التنقل بشكل صحيح. فأنظمة تحديد المواقع تعد جزءا من النظام العالمى للملاحة عبر الأقمار الصناعية، والذى يمثل المصطلح الشامل لجميع الأنظمة العالمية للملاحة عبر الأقمار الصناعية. وكان حلف شمال الأطلسى «الناتو» قد ألقى باللوم على روسيا فى الانقطاعات التى أصابت النظام العالمى للملاحة عبر الأقمار الصناعية فى أجزاء كبيرة من أوروبا، والتى أثرت إحداها على طائرة كانت تقل وزير الدفاع البريطانى. وتسبب الصراع فى الشرق الأوسط أيضا فى زيادة عمليات التلاعب فى نظام تحديد المواقع فى المنطقة. ويقال إن بعض زعماء العالم، بمن فيهم الرئيس الروسى ڤلاديمير بوتين، يستخدمون أجهزة تشويش محمولة لحمايتهم أثناء السفر، وفقا لفاينانشيال تايمز. وقالت الصحيفة، إن الإشارات الزائفة المستخدمة فى التشويش، والتى تعمل من خلال إرباك أجهزة الاستقبال ببيانات مشتتة، لا تميز بين الأجهزة العسكرية والمدنية. وحذر مسئولون فى حكومات دول البلطيق (إستونيا ولاتڤيا وليتوانيا) الشهر الماضى من وقوع كارثة جوية وشيكة بعدما أجبر تعطل النظام العالمى للملاحة عبر الأقمار الصناعية رحلتين تابعتين لشركة «فين إير» على العودة فى منتصف الرحلة. وبعد شعورها بالقلق من المخاطر المحتملة، أطلقت وزارة الدفاع الأمريكية البنتاجون، مشروعا أطلقت عليه اسم «الرخ المتناغم» لإنشاء «خريطة جوية» للتشويش، والذى يشكل مصدر قلق كبير بالنسبة للمستخدمين حول العالم، وفقًا للصحيفة. 

وتحتوى جميع الطائرات تقريبا على أنظمة بديلة لتحديد المواقع، مثل الملاحة بالقصور الذاتى باستخدام أجهزة استشعار الحركة. ولكن التحول إلى الأنظمة الاحتياطية يزيد من احتمالات الخطأ. وكادت إحدى الطائرات أن تنحرف إلى المجال الجوى الإيرانى العام الماضى. وفى عام 2019، كادت طائرة أمريكية أن تصطدم بجبل بعد تعرضها للتشويش، وفقا لتقرير لوكالة «ناسا». وقالت المنظمة الأوروبية لسلامة الطيران «يوروكونترول»، إن حوادث التشويش تنامت بنسبة 2000 % بين عامى 2018 و2021. وأقر الجيش الإسرائيلى فى وقت سابق، بحجب إشارات نظام تحديد المواقع فى إسرائيل كإجراء دفاعى فى أعقاب الهجمات التى شنتها حماس فى 7 أكتوبر الماضى، والهجمات الصاروخية التى شنتها إيران الشهر الماضى. ويشكو سكان إسرائيل، والأردن، ولبنان من أن التشويش جعل من المستحيل استخدام تطبيقات سيارات الأجرة، أو الوجبات الجاهزة، أو تطبيقات التعارف. وقالت منظمة أطباء بلا حدود وجمعية العون الطبى للفلسطينيين للصحيفة، إن استمرار مشكلات الاتصال أعاق جهود الإغاثة فى غزة. 

 

 

 

وفى الأشهر الأخيرة، كانت هناك زيادة فى شكل أكثر تطورا من أشكال التشويش على النظام العالمى للملاحة عبر الأقمار الصناعية، وهو الإشارات المخادعة. وفى بعض الأحيان، ترسل السفن التى تنقل بضائع غير مشروعة إشارات زائفة لموقعها؛ للتحايل على عقوبات أو قيود تنظيمية أخرى، مثل حقوق الصيد. وفى أبريل الماضى، تأثر ما يصل إلى 30 ألف طائرة بالإشارات المخادعة، وفقا لتحليل أجرته شركة SkAi لبيانات شبكة «أوبن سكاى» المتخصصة فى مراقبة حركة الطيران. وقال الخبير فى تدخلات النظم العالمية لسواتل الملاحة بجامعة تكساس تود همفريز هذا وضع خطير، وأضاف يمكن أن يصبح الطيارون فى حيرة من أمرهم بشأن موقعهم، وينتهى بهم الأمر إلى الاضطرار إلى الاتصال بمركز التحكم فى الطائرة والسؤال عن الاتجاهات خطوة بخطوة.. لقد تجاوز خط الإزعاج فقط». وتفيد التقارير أن مثل عمليات الهبوط الآلى هذه تكاد تكون روتينية فى مطار بن جوريون فى تل أبيب. واعترفت قوات الدفاع الإسرائيلية بحجب إشارات نظام تحديد المواقع العالمى (GPS) فى إسرائيل كإجراء دفاعى.

ولكن يبدو أن المخادعين الذين قد يكونون موجودين على الأرض أو حتى على متن السفن الحربية يفسدون بشكل عشوائى إشارات GNSS للسفن والطائرات القريبة من خلال بث مواقع مزيفة. ويعتبر الانتحال أيضا أكثر خطورة من التشويش، حيث يمكن للإشارات الكاذبة أن تخدع أنظمة الكشف الموجودة فى العديد من أجهزة استقبال GPS. يعتمد الشحن بشكل أقل على تحديد المواقع GNSS، لكن الخبراء يحذرون من أن الزيادة فى عمليات المحاكاة فى المضائق المحيطة بالبحر الأسود على وجه الخصوص - والتى من المؤكد أنها مرتبطة بالنشاط العسكرى الروسى تطرح خطر حدوث اصطدامات وحتى تسرب النفط. أبلغت طائرات مدنية تحلق فى أجواء منطقة البلطيق عن عدد من إشارات مفقودة أو مزيفة لنظام تحديد المواقع العالمى GPS، فيما ينظر إلى روسيا على أنها المسئول المحتمل ؛ وقال فرانسيس زكريا، الأمين العام لاتحاد الملاحة البحرية IALA، إن الملاحين المدربين يمكنهم التعامل بسهولة مع المشكلة، لكنه أثار مخاوف من أن الطاقم الأقل مهارة قد يعتمد بشكل كبير على الأنظمة الآلية. ويتفق معظم الخبراء، على أنه من غير المرجح أن يكون المدنيون هم الهدف المباشر للنشاط، على الرغم من أن ميلانى جارسون، الباحثة فى الحرب السيبرانية فى كلية لندن، قالت إن بعض الحالات يمكن أن تمثل استعراض العضلات من جانب روسيا. وبدأت الحكومات فى اتخاذ مواقف أكثر صرامة، بل وحتى إلقاء اللوم علنا على الجناة المزعومين. وهدد لبنان بتقديم شكوى بإسرائيل إلى مجلس الأمن الدولى التابع للأمم المتحدة بشأن التدخل فى النظام العالمى لسواتل الملاحة فى مارس، فى حين قال وزير خارجية إستونيا لصحيفة فاينانشيال تايمز إن بعض الحوادث كانت جزءا من هجوم هجين من روسيا.

ووصف وزير الخارجية البريطاني ديڤيد كاميرون، التقارير التى تفيد بأن طائرة وزير الدفاع جرانت شابس تعرضت لتشويش على نظام تحديد المواقع العالمى GPS، بالقرب من جيب كالينينجراد الروسى بأنها مزعجة للغاية، مضيفًا أنه «أمر غير مسئول للغاية بالنسبة لروسيا أن تفعل ذلك. وقد لا يكون المسئولون قادرين على فعل الكثير، وفقا لإليزابيث براو، الباحثة فى مركز أبحاث الشؤون الدولية الأمريكى أتلانتيك كاونسيل. وأضافت ليس الأمر كما لو أن الناتو سيفعل المادة الخامسة (بند الدفاع الجماعى للحلف) لأن روسيا تعرض الطيران فى منطقة البلطيق للخطر. لذلك يمكنك بشكل أساسى الانخراط فى هذا النوع من النشاط كما يحلو لك، لأن هناك القليل جدا من العقوبات عليه. ويجري العمل حاليًا لإيجاد بدائل لنظام GNSS، الذى يعتبر ضعيفا بطبيعته لأن إشاراته موجودة على نطاقات تردد مشتركة وتعمل بقوى منخفضة. وهى تشمل نظام eLoran، وهو نظام ملاحة راديوى أرضى، وأصبحت تراخيص استخدام هذه التكنولوجيا فى بريطانيا متاحة منذ أكتوبر الماضى، ولكن تم إصدار ترخيص واحد فقط، وفقا لموقع Ofcom الإلكترونى. وقال همفريز، إن شركات الطيران على وجه الخصوص كانت بطيئة فى الاستجابة للتحذيرات، وأضاف الأنظمة التى يستخدمونها فى الطائرات الحديثة.. لا تزال لا تتمتع بالحماية الكافية ضد الانتحال والتشويش. ولكن فى حين أن التدخل فى مجال الطيران يحتل العناوين الرئيسية فى الوقت الحالى، فإن تكنولوجيا الشبكات العالمية لسواتل الملاحة منتشرة فى كل مكان فى المجتمع المدنى، إذ تعتمد البنوك والسكك الحديدية وخدمات الطوارئ على النظام لتحديد التوقيت بالإضافة إلى بيانات تحديد

 

 

المواقع.

 

 

نظام تحديد المواقع العالمى (GPS)، هو عبارة عن شبكة من الأقمار الصناعية وأجهزة الاستقبال المستخدمة لتحديد المواقع والملاحة والتوقيت على الأرض فى كل شىء بدءا من السفن والطائرات وحتى السيارات. ويعد نظام تحديد المواقع (GPS) أحد أهم أدوات الملاحة فى مجال الطيران، حيث حل محل الأجهزة الأرضية باهظة الثمن التى من شأنها إرسال حزم الراديو لتوجيه الطائرات نحو الهبوط. ومع ذلك، فمن السهل أيضا استخدام الأدوات التى يتم شراؤها من المتاجر لحجب أو تشويه إشارات نظام تحديد المواقع العالمى (GPS)، وقد استثمرت الجيوش فى التكنولوجيا التى يمكنها القيام بذلك. يستخدم نظام تشويش نظام تحديد المواقع العالمى (GPS) جهاز إرسال تردد لحجب الاتصالات اللاسلكية أو التدخل فيها، عادة عن طريق بث إشارات من الأرض أقوى من الإشارات المعتمدة على الأقمار الصناعية. قد يتضمن الانتحال قيام جيش دولة ما بإرسال إشارات GPS كاذبة إلى طائرة معادية أو طائرة بدون طيار لإعاقة قدرتها على العمل وغالبا ما يعتبر أكثر تخريبا وخطورة من التشويش. وتأتى مشكلة الطيران التجارى إذا التقط جهاز استقبال نظام تحديد المواقع العالمى (GPS) فى طائرة ركاب هذه الإشارة الخاطئة، مما قد يؤدى إلى إرباك الطيار ومراقبة الحركة الجوية من خلال إظهار الوقت أو الإحداثيات الخاطئة دون سابق إنذار.

فى ديسمبر 2019، أشارت الهيئة الاستشارية للطيران OPSGROUP إلى زيادة فى عمليات الاحتيال التى تؤثر على الطائرات الخاصة والتجارية فى جميع أنحاء الشرق الأوسط، بما فى ذلك العراق وإيران وإسرائيل، والبحر الأسود. وهى تميل إلى التأثير على المناطق القريبة من مناطق الحرب، حيث يتم استخدام التكنولوجيا لإرسال طائرات بدون طيار انتحارية خارج المسار. وقد أبلغت دول البلطيق عن هذه القضية لسنوات، خاصة منذ بدء الحرب فى أوكرانيا فى عام 2022. وقال لورى سوينى، رئيس لجنة السلامة والأمن برابطة الطيارين الفنلندية، إنه على مدى الأشهر الستة الماضية، تفاقم التشويش حول بحر البلطيق. وقال سوينى إن التشويش على نظام تحديد المواقع العالمى (GPS) يحدث الآن فى منطقة تمتد من بولندا عبر دول البلطيق إلى السواحل السويدية والفنلندية، مما يؤثر أيضا على الارتفاعات المنخفضة وحركة المرور البحرية. وفى حين أشار السياسيون والمسئولون الألمان إلى روسيا باعتبارها المتهم الرئيسى فى دول البلطيق، يقول الخبراء إن الجيوش الغربية، بما فى ذلك القوات الأمريكية والبريطانية، يمكن أن تستخدم شكلا من أشكال التكنولوجيا فى أجزاء من العالم.

وتحتوى معظم الطائرات الحديثة على مجموعة متنوعة من أجهزة الاستشعار والمصادر لتحديد مواقعها، بالإضافة إلى نظام تحديد المواقع العالمى (GPS)، مما يعنى أنها تستطيع الطيران فى حالة وجود تداخل.

ومع ذلك، وفقا للطيارين وخبراء الصناعة، لا تزال شركات الطيران تعتمد بشكل أساسى على نظام تحديد المواقع العالمى (GPS). فى حالة حدوث تشويش أو انتحال، قد يلزم إيقاف تشغيل نظام تحديد المواقع العالمى ولا يمكن إعادة ضبطه لبقية الرحلة فى كثير من الحالات. يمكن أن يسبب ذلك ضغطا وتأخيرا فى الإقلاع والهبوط لأن بعض الإجراءات تتطلب تشغيل نظام تحديد المواقع العالمى (GPS). يعد نظام تحديد المواقع العالمى أيضا هو الشكل الوحيد للملاحة لبعض الطائرات الخاصة. ومع ذلك، قال مدير السلامة فى AirBaltic وكابتن الرحلة جانيس كريستوبس إن حادثة تارتو مع Finnair كانت نادرة. وقال إن معظم المطارات الكبرى لديها مجموعة متنوعة من أدوات الملاحة المتاحة إذا كان نظام تحديد المواقع العالمى (GPS) لا يعمل. ونظرا للطبيعة المتنوعة لأجهزة التشويش والانتحال، فمن الصعب على قطاع الطيران أن يتوصل إلى حل تكنولوجى شامل يمكن أن يخفف من المخاطر. وبدلا من ذلك، تسعى السلطات إلى تدريب الطيارين للتحقق من التشويش والانتحال فى وقت أقرب.