محمود بسيونى
حقك.. عام على إطلاق الاستراتيجية الوطنية وإلغاء حالة الطوارئ حقوق الإنسان.. سياسة دولة
يمكن اعتبار الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان أهم منجز وطنى فى مجال تعزيز واحترام منظومة الحقوق والحريات، وإنها ووفق مؤشرات عديدة قد تحولت إلى منهج وسياسة دولة تجتهد فى تحويل حقوق الإنسان إلى نهج مستقر فى سياسات الدولة المصرية هدفه الارتقاء بالإنسان المصرى وفق المعايير الدولية وهو ما يتوافق مع فلسفة الجمهورية الجديدة ومشروع حياة كريمة وهو تعبير بالغ الدلالة عن وجود قناعة وطنية ذاتية بضرورة اعتماد مقاربة شاملة لتعزيز حقوق الإنسان والحريات الأساسية، واستكمالًا لجهود مصر فى إرساء الجمهورية الجديدة التى تعلى من قيم المواطنة والمساواة والديمقراطية وسيادة القانون.
وقد أصدرت الأمانة الفنية للجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان، قبل أيام تقريرها السنوى حول الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان «عام من التنفيذ سبتمبر 2021 – أغسطس 2022» ويتضمن حصيلة جهود مؤسسات الدولة لتنفيذ الاستراتيجية وسرد ما تحقق من مستهدفاتها حتى نهاية أغسطس 2022، وذلك فى إطار اضطلاع الأمانة الفنية للجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان بمهمة تنفيذ الاستراتيجية ومتابعة التقدم المحرز من قبل الجهات الوطنية فى تحقيق مستهدفاتها.
وأبرز التقرير مبادرات وقرارات الرئيس عبدالفتاح السيسى التى عززت حالة حقوق الإنسان فى مصر وهى إلغاء إعلان حالة الطوارئ، وإطلاق الحوار الوطنى الشامل، وإعادة تشكيل لجنة العفو الرئاسى وتفعيل دورها، وإعلان عام 2022 عامًا للمجتمع المدنى، والدفع بتولى المرأة المناصب القضائية فى مجلس الدولة والنيابة العامة لأول مرة.
التقرير أشار لسياق التطوير المؤسسى، واتجاه الوزارات إلى تأسيس وتطوير وحدات أو إدارات مختصة بحقوق الإنسان، وإدماج الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان فى عمل وزارة العدل، وهيئة الرقابة الإدارية، والجهاز المركزى للتنظيم والإدارة، والمعهد القومى للحوكمة والتنمية المستدامة وتصميم برامج تدريبية عن حقوق الإنسان لموظفى الدولة فى مختلف القطاعات.
وربط التقرير بين إعلان عام 2022 كعام للمجتمع المدنى وبين حالة التشاور المستمرة بين المؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدنى حول أفضل الممارسات لتطبيق الاستراتيجية.
وعرضت جهود الجهات الوطنية موزعة بحسب مسارات الاستراتيجية ومحاورها حيث أكد التقرير أنه وعلى مستوى محور الحقوق المدنية والسياسية، شملت الجهود المتعلقة بالحق فى الحياة والسلامة الجسدية، تعزيز الحماية لنزلاء دور الرعاية الاجتماعية، ودور الأيتام، ودور رعاية المسنين، ونزلاء المصحات النفسية، ومصحات علاج الإدمان، وإحالة المخالفين إلى جهات التحقيق المختصة؛ إضافة إلى صدور اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم البحوث الطبية الإكلينيكية؛ وأيضًا إطلاق العديد من المبادرات لمواجهة حالات الانتحار عبر التوعية وتقديم الدعم والإرشاد النفسى.
وكان إعلان رئيس الجمهورية عن عدم مد حالة الطوارئ فى 24 أكتوبر من العام الماضى، لافتا إلى تأثير ذلك المباشر على التدابير المعززة للحق فى التقاضى وتعزيز ضمانات المحاكمة المنصفة، والحق فى الحرية الشخصية، حيث شملت الجهود إصدار وزير العدل قرارًا يجيز للقضاة عقد جلسات نظر تجديد الحبس الاحتياطى واستئنافه عن بُعد باستخدام دائرة تليفزيونية مغلقة ومؤمنة.
وأشار التقرير إلى تطوير الفلسفة العقابية والجهود المتعلقة بمعاملة السجناء وغيرهم من المحتجزين، والتى شهدت عددًا من التدابير، وما استتبعها من تعديل لقانون السجون، وتطوير مراكز الإصلاح والتأهيل، وفتحها للزيارة أمام وفود المجلس القومى لحقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدنى والوفود الدولية وأجهزة الإعلام بالإضافة إلى تعزيز الرعاية الطبية للنزلاء، والتوسع فى قرارات العفو والإفراج الشرطى.
كما لفت التقرير إلى أن الدولة سعت إلى تحقيق مستهدفات الاستراتيجية على صعيد الحق فى حرية التعبير، وعززت مبادرة السيد رئيس الجمهورية للحوار الوطنى الحريات العامة، مثل حرية الرأى والتعبير، وتعزيز المشاركة فى الحياة السياسية والعامة. كما أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام مائة ترخيص وشهادة توفيق أوضاع للصحف ووسائل الإعلام، فى إطار العمل نحو تعزيز حرية الصحافة.
وحول حرية التنظيم، أكد التقرير أن الحق فى تكوين الجمعيات شهد تمديد فترة توفيق الأوضاع بالنسبة للجمعيات والمؤسسات الأهلية وتسهيل تسجيلها عبر المنظومة الإلكترونية. وعلى مستوى حرية تكوين النقابات العمالية، أُجريت انتخابات النقابات العمالية، وتم تعزيز أدوارها فى التفاوض الاجتماعى.
وفيما يتعلق بجهود تعزيز حرية الدين والمعتقد، كشف التقرير عن ارتفاع عدد الكنائس المقنن أوضاعها، واستمر تطوير ومراجعة المناهج التعليمية لتعزيز قيم المساواة والتسامح ونبذ التمييز، وتعاون الأزهر الشريف والكنيسة الأرثوذكسية ووزارة الأوقاف وعدد من الوزارات الأخرى فى برامج مشتركة لدعم المواطنة والتعايش وقبول الآخر.
وعلى مستوى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ارتفعت المخصصات الحكومية للحق فى الصحة إلى ما يزيد على 310 مليارات جنيه فى موازنة العام المالى (2022/2023)، بما يتجاوز نسبة 3 % من الناتج القومى الإجمالى التى تمثل الاستحقاق الدستورى. وجاءت المبادرات الرئاسية للصحة العامة لتشمل: دعم صحة المرأة المصرية، صحة الأم والجنين، علاج الأمراض السارية وغير المتوطنة، الأنيميا والسمنة والتقزم، الاعتلال الكلوى، إنهاء قوائم الانتظار فى العمليات الجراحية، الأمراض الوراثية للأطفال حديثى الولادة، الاكتشاف المبكر وعلاج ضعف وفقدان السمع للأطفال حديثى الولادة الكشف المبكر عن فيروس سى. أما الحق فى التعليم، فقد خصصت الدولة فى موازنة العام المالى (2022/2023) نحو 550 مليار جنيه للتعليم بمختلف مراحله والبحث العلمى، بنسبة 7 % من الناتج القومى الإجمالى التى تمثل الاستحقاق الدستورى. وتستهدف هذه المخصصات خفض كثافة الفصول والتوسع فى إتاحة التعليم للجميع دون تمييز.
أما الحق فى العمل، أسهمت المشروعات القومية الكبرى فى تراجع معدل البطالة لأدنى مستوى له منذ ثلاثين عامًا حيث رصد التقرير تعزيز تدابير الحماية الاجتماعية، عبر برنامجى «تكافل» و«كرامة» إلى الأسر الفقيرة الواقعة تحت خط الفقر، كما رصد جهود الحكومة على تعزيز الحق فى الغذاء فى ظل مواجهتها لتأثيرات الأزمات العالمية على سلاسل الإمداد وارتفاع أسعار الحبوب والزيوت عالميًا، وذلك من خلال توفير الأرصدة الاستراتيجية الآمنة من السلع الأساسية مع إتاحتها بأسعار مخفضة، بجانب اعتماد منظومة جديدة لزراعة وتوريد القمح، ساهمت فى تحقيق معدلات إنتاج غير مسبوقة فضلا عن تخصيص الدولة لاستثمارات بإجمالى (97.1) مليار جنيه لتعزيز الحق فى مياه الشرب الآمنة والصرف الصحى، بهدف استمرار تنفيذ مشروعات تحلية مياه الشرب؛ وتبطين الترع وتوسعتها للحفاظ على الموارد المائية؛ وتطوير البنية التحتية للصرف الصحى، فى إطار المشروعات القومية الكبرى.
وعن الحق فى السكن اللائق؛ انتهت وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية من تنفيذ العديد من المشروعات السكنية لصالح المواطنين ذوى الدخل المنخفض ضمن المبادرة الرئاسية «سكن لكل المصريين»، فى حين دعمت الحكومة فرص الحصول على هذه الوحدات من خلال زيادة الحد الأقصى لفئات الدخل الشهرى المسموح به للتقدم للحجز فى هذا البرنامج، لمواكبة الزيادة فى الأجور والأسعار.
أكد التقرير أن الجهود المبذولة فى المناطق الريفية ضمن مبادرة حياة كريمة تأتى معززة للحق فى السكن اللائق، وكان من بين هذه الجهود قيام وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بتوفير البنية التحتية للاتصـالات والإنترنت وتوصيل الألياف الضوئية لأكثـر مـن 3.5 مليـون منـزل، وإقامـة نحـو ألف بـرج جديـد لشبكات الهاتف المحمـول بـالقرى المستهدفة.
ما سرده التقرير يؤكد على مجموعة من الحقائق أولها أن الدولة ترى نقاط القوة والضعف وتعترف بالتحديات الموجودة سواء على صعيد البنية التشريعية أو ضعف ثقافة حقوق الإنسان، وأهمها أن الدولة المصرية مهتمة بتنفيذ الاستراتيجية الوطنية التى وضعتها بعد توافق بينها وبين القوى الوطنية بشكل طوعى من اجل تحسين حالة حقوق الإنسان وأن هناك إصرارًا على مراقبة تنفيذها والتأكد من التحرك لخطوات إلى الأمام عبر كل محاورها وهى عملية غير مسبوقة فى تاريخ مصر .