الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

We need change صرخة المجتمع الأمريكى ضد «لوبى السلاح»

فى الاحتفال باليوم القومى لعيد الشهداء Memorial Day، الموافق 30 مايو، والذى تحتفل فيه الولايات المتحدة بشهدائها من القوات المسلحة منذ الحرب العالمية الثانية، كان أيضًا اليوم الذى اختاره أولياء أمور شهداء مدرسة روب الابتدائية فى يوفالدى بولاية تكساس، لوداع أطفالهم من ضحايا حادث إطلاق النار فى مدرسة.



والذى راح ضحيته 19 طفلا ما بين سن العاشرة والحادية عشرة، ليكون أيضًا ذكرى شهداء فوضى السلاح الذى انتشر عبر السنوات الماضية لترتفع حصيلة ضحايا العنف ‏الداخلى الناتج عن استخدام السلاح بشكل يفوق ضحايا الإرهاب من الأمريكيين، وفق البيانات الرسمية.‏

 

لم تكن هذه الحادثة هى الأولى التى يشهدها الشارع الأمريكى فعلى الرغم من ضحايا حادث تكساس إلا أن فى الأيام التالية ظهر عدد آخر من جرائم إطلاق النار الجماعية فى عدد من الولايات المتفرقة، منها فيلاديلفيا، تكساس، نيويورك.. وغيرها.. وبعضها يتم القبض على الجناة والتوصل إليهم، أو يتم معرفة الأسباب، لترتفع صرخات أهالى الضحايا وأبناء الولايات جميعًا: نريد تغيير القوانين We need change.

أزمة القانون.. ولوبى السلاح

تشهد الولايات المتحدة منذ عقود أزمة فى انتشار الأسلحة، بسبب عدم السيطرة على هذه الظاهرة، لكن شركات تصنيع السلاح تنجح دائما فى كسب معركة تسليح المجتمع، بفضل اعتمادها على لوبيات كبيرة مثل الاتحاد القومى الأمريكى للأسلحةNRA.

وتنتشر فى الولايات المتحدة العشرات من المنظمات والملايين من المواطنين الذين يطالبون بسن قوانين صارمة تحد من انتشار الأسلحة النارية الفتاكة، وليس بمنعها، بينما تتبنى أطراف واسعة مواقف رافضة لذلك.

ومع كل هجوم مسلح يُقتل فيه مواطنون، تعود البلاد بشكل روتينى لمناقشة قضية حيازة الأسلحة النارية، فى حين يحظى صناع الأسلحة بدعم ملايين الأمريكيين الذين يؤمنون بأن القانون والدستور الأمريكيين يكفلان لهم حق حيازة الأسلحة النارية حتى الهجومية منها.

ويحظى «لوبى السلاح» بقوة فى مؤسسة جمعية الأسلحة القومية الأمريكية، التى تملك أذرعا فى ردهات الكونجرس، وتربطه علاقات وطيدة بالحزب الجمهورى (اليمينى) بشكل يجعل من الصعب على أى طرف معاداتها فى العاصمة الأمريكية واشنطن.

بدورهم، يرى معارضو انتشار الأسلحة النارية، أنه لا بد من بحث تغيير قوانين اقتناء الأسلحة النارية فورا ورفع سن اقتناء الاسلحة إلى 21 عاما بدلًا من 18 عاما.

 ما هو لوبى السلاح

الاتحاد الأمريكى للأسلحة NRA هو منظمة غير ربحية، تأسست عام 1871، تدافع عن حقوق حمل السلاح فى الولايات المتحدة، وتعد من أكبر اللوبيات نفوذا فى السياسة الأمريكية.

تهدف المنظمة إلى تشجيع الأمريكيين على حمل السلاح والدفاع عن أنفسهم، خاصة أن عدد المواطنين الذين يتلقون تدريبات على الأسلحة يتجاوز المليون شخص فى العام، بينهم نساء وكبار فى السن.

وتقدم المنظمة تبرعات مالية كبيرة للنخبة السياسية الأمريكية، كما أنها من الداعمين الأساسيين لعدد من الرؤساء والساسة من الجمهوريين.

 جنون الأسلحة

عادة امتلاك السلاح فى أمريكا أمر متعارف عليه منذ القدم، وتنص المادة الثانية من الدستور الأمريكى على حق المواطنين فى امتلاك أسلحة خاصة بهم بغرض الدفاع عن النفس، وهى المادة نفسها التى يتمسك بها الجمهوريون وأتباعهم فى الولايات، حيث إن الدستور الأمريكى يعتبر من الأمور «غير القابلة للنقاش فهو يكفل حقوق الأمريكان وحريتهم».

وتحتل الولايات المتحدة المركز الأول فى العالم من حيث انتشار السلاح، بمعدل بلغ عام 2020 وحدها 120.5 مليون بندقية لكل 100 مليون مواطن أمريكى. وفى عام 2018 فقط قدر عدد البنادق المتداوَلة على التراب الأمريكى ما يزيد على 390 مليون بندقية. وتتعدى الولايات المتحدة فى هذا المؤشر عددًا من مناطق العالم التى تعرف نزاعات مسلحة، بينها اليمن وسوريا.

ووفق تقرير لمؤسسة “Small Arms Analytics and Forecasting” المختصة بالأسلحة، فإنه جرى شراء 19.9مليون قطعة سلاح فى الولايات المتحدة خلال عام 2021، وهذا الرقم هو ثانى أعلى رقم فى تاريخ البلاد.

كما نقلت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية، أن عدد الأسلحة المنتشرة بين المدنيين الأمريكيين يقدر بنحو 400 مليون قطعة سلاح، محذرة من خطورة تنامى انتشار السلاح فى يدى المدنيين على مستوى الداخل الأمريكى.

وذكرت الصحيفة أن مقدار الأسلحة لدى الأمريكيين يمثل نصف الأسلحة الفردية المنتشرة بين المدنيين فى دول العالم.

وقد شهدت الولايات المتحدة الأمريكية طفرة فى إنتاج الأسلحة النارية التى يستخدمها الأفراد داخل البلاد لتتخطى 140 مليون قطعة سلاح منتجة داخليا، بحسب موقع ATF وهو المكتب الأمريكى للكحول والتبغ والأسلحة النارية والمتفجرات، والذى يوفر بيانات متعمقة حول تصنيع الأسلحة النارية وبيعها.

 فشل بايدن

منذ حملته الانتخابية، ضد الرئيس السابق دونالد ترامب، الداعم الأبرز للسوق الداخلية للأسلحة، تعهد الرئيس الأمريكى جو بايدن بتشديد الخناق على هذه التجارة. وكان آخر إجراءاته ما أطلقه فى أبريل الماضى لمكافحة «الأسلحة الأشباح»، الذى يُلزِم الشركات المصنّعة لنماذج هذه الأسلحة إرفاق أرقام تسلسلية بها، يمكن تتبُّعها من خلالها بموجب قانون تتبع الأسلحة.

لكن هذه الإجراءات دائمًا ما تصطدم بعقبات كبيرة داخل الكونجرس، حيث تمول لوبيات تجار السلاح معارضة قوانين تقنين تلك التجارة بأموال طائلة. وعلى رأس هذه اللوبيات «الاتحاد الأمريكى للأسلحة» NRA، التى تبلغ ميزانيته السنوية نحو 300 مليون دولار، أنفق منها فقط فى عام 2020 ما يزيد على 2.2 مليون دولار على الضغط السياسى داخل الكونجرس.

 الشرطة.. المتهم الأول

على الرغم من أن الشرطة الأمريكية تتبع بقوة تجهيزات فائقة لردع أى من الجرائم فى الشارع الأمريكى، إلا أن فى حادث مدرسة تكساس، وغيرها من الحوادث المتكررة على مدار الأعوام الماضية، انتقد الكثيرون رد فعل الشرطة، ورأوا فيه شيئا من انعدام الكفاءة، وبسبب التكرار المنتظم لإطلاق النار الجماعى، وإطلاق النار فى المدارس على وجه الخصوص، فإن أفضل الممارسات المقبولة عالميًا لتطبيق القانون والرد على «مطلق النار النشط» هى عدم التردد مطلقًا، والاشتباك معه على الفور. ولكن فى حادثة تكساس انتظرت عناصر الشرطة فى مكان الحادث أكثر من 40 دقيقة خارج غرفة الدراسة المغلقة حيث واصل المسلح قتل الأطفال، الأمر الذى أثار انتقاد العديد من شرطة ولاية تكساس تحديدًا وطالبوا بمعاقبة أفراد الشرطة لتقاعسهم عن أداء وظيفتهم، وتجرى الآن عدة تحقيقات فى استجابة الشرطة التى يتعذر تفسيرها حتى الوقت الراهن.

وتواجه الشرطة الأمريكية منذ حادث مقتل جورج فلويد، عام 2020 العديد من الانتقادات وأيضًا زيادة العنف ضدهم، وقد أشارت مجموعة «صوفان» الاستشارية، المعنية بقضايا مكافحة الإرهاب، إلى أن عام 2021 شهد مقتل 73 عنصرًا من قوات الشرطة بشكل متعمد (خلال فترة الخدمة) فى الولايات المتحدة، منبّهة إلى أن ذلك يعنى مقتل عنصر واحد كل خمسة أيام.

ولفتت المجموعة إلى أن هذا الرقم يمثل زيادة بنسبة 59 ٪ مقارنة مع عام 2020، وأنه يعتبر الرقم الأعلى منذ عام 2001 الذى شكل مقتل 72 عنصرًا فى هجمات 11 سبتمبر، مضيفة أن عام 2021 شهد أكبر عدد من حالات قتل لعناصر الشرطة بشكل متعمد فى الولايات المتحدة منذ عام 1995.

ووفق حديث لمدير مكتب التحقيقات الفيدرالى الأمريكى كريستوفر راى خلال مقابلة مع قناة «CBS» الأمريكية إذ قال إن العنف ضد عناصر إنفاذ القانون يُعدّ ظاهرة كبرى فى الولايات المتحدة، موضحًا زيادة حالات الاستهداف المتعمد لعناصر الشرطة منذ عام 2020 بصورة كبيرة.

وتابع راى أن 25 عنصرًا من أصل مجموع 73 الذين قتلوا عام 2021 جرى استهدافهم بهجمات غير مبررة مثل نصب الكمائن، وفى هذه الحالات يشتبه أن يكون هناك دافع سياسى، وعليه فإن المرتكبين شملوا مختلف الانتماءات الأيديولوجية من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، وأوضح راى أن تقاعس الشرطة عن أداء مهامها فى الشوارع جاء بسبب حالة من الغضب الشديد فى الشارع الأمريكى بعد تكرار حالات العنف من قبل بعض رجال الشرطة منذ عام 2020.