السبت 4 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
ع المصطبة.. حزب النور والمضادات الحيوية

ع المصطبة.. حزب النور والمضادات الحيوية

أعلن علماء بريطانيون عن مضاد حيوى جديد تَمكّن من القضاء على الجراثيم المقاومة للأدوية، ولمَن لا يعرف فإن هذه الجراثيم تكتسب مناعة ضد الأدوية نتيجة إفراط الإنسان فى استخدام المضادات الحيوية، حتى وصل الأمر إلى وفاة 1,2 مليون شخص سنويًا فى العالم جراء هذه الجراثيم.



بقدر كون هذا الإنجاز العلمى عظيمًا ومفيدًا إلا أنه يكشف عن مدى «استهبال البشرية» فى استخدام المضادات الحيوية بلا قيود، والنتيجة ضياع أرواح ملايين البشر، ناهينا عن صرف مليارات الدولارات على أبحاث تستهدف التوصل لأدوية تقضى على هذه الجراثيم، أى أننا نحفر الحفرة بأنفسنا، ثم نستيقظ على ضحايا سقطوا فيها لنبدأ مرة أخرى فى بذل الجهد والمال من أجل ردمها.

 لكن ما علاقة هذا بحزب النور؟

العلاقة وطيدة وعميقة، فهل يُعقل أنه فى الوقت الذى بدأت دول المَنبع لهذا التيار تجفيف منابعه لديها بعدما أصابها بجمود على جميع المستويات؛ نجد أنفسنا لا نترك له الساحة لينتشر ويترعرع بل منحناه الشرعية ليصبح حزبًا سياسيًا بالمخالفة لنصوص الدستور الواضحة التى تحظر قيام أحزاب دينية؛ حيث تنص المادة 74 من الدستور على: «للمواطنين حق تكوين الأحزاب السيـاسية بإخطار ينظمه القانون ولا يجوز مباشرة أى نشاط سياسى أو قيام أحزاب سياسية على أساس دينى أو بناء على التفرقة بسبب الجنس أو الأصل أو على أساس طائفى أو جغرافى أو ممارسة نشاط معادٍ لمبادئ الديمقراطية أو سرّى أو ذى طابع عسكرى أو شبه عسكرى».

الخطورة هنا ليست فى المخالفة الواضحة لنص الدستور؛ بل تتجاوز ذلك لما هو أخطر بكثير، فأفكار هذا التيار برمتها تمزق المجتمع بأسْره، وإعطاؤه شرعية سياسية يزيد من مخاطر تغلغله، والأمر الآن لا تخطئه العين، سواء فى السلوكيات اليومية فى الشارع أو حتى على السوشيال ميديا، والوقائع تتزايد يومًا تلو الآخر، وبات الفكر السلفى ينتشر وأصبحت له معاقل فى العديد من المحافظات؛ بل باتت محافظات بعينها موصومة بهذا الفكر، بالإضافة إلى الانتشار والتغلغل فى الأرياف والمناطق الشعبية.

الخطورة تتضح فيما نراه من تكفير للآخر وتنمر دينى واضح، ولعل ردود الفعل على واقعة استشهاد مراسلة الجزيرة فى فلسطين «شيرين أبو عاقلة» وإنكار المتطرفين كونها شهيدة، دليل على ذلك، وقبلها واقعة منع محل الكشرى الشهير الأقباط من تناول الطعام فى نهار رمضان، أمّا التنمر الدينى على الفنانين وغيرهم من فئات المجتمع فهى لا تعد ولا تحصى، وبات الترحم على أى متوفٍ محفوف بمحاذير تكفيرية لا حصر لها.

ما يحدث الآن هو تكرار لسيناريو بالغ السوء دفعت مصر ثمنًا له على مدار تاريخها الحديث، عندما قام الملك فاروق باحتضان حسن البنا وجماعته الإرهابية لاستخدامهم فى مواجهة حزب الوفد، وكرر ذلك أيضًا السادات بإعادة الإخوان واحتضان الجماعات الإسلامية من أجل القضاء على التيارات الناصرية واليسارية، ودفعنا ثمنًا باهظًا لهذه الأخطاء التى لا تغتفر طيلة العقود الماضية، ولعل أبرزها وصول الجماعة الإرهابية للحُكم وخروجها منه بعدما أراقت دماء المصريين وكادت تنهى حُكمها بحرب أهلية، أنقذتنا منها العناية الإلهية بمعجزة.

لذلك فإن وجود حزب دينى لا يعترف بحقوق المواطنة ولا يعترف حتى بالدولة الوطنية، كارثة بكل المقاييس ولا يتماشى مع روح الجمهورية المدنية الجديدة، ومن ثم فإن استمرار وجودهم سيزيد من فاتورة إصلاح مصائبهم وكوارثهم التى بدأت تطل برأسها علينا الآن.