الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
متاهة الدب الروسى

متاهة الدب الروسى

شهدت أرمينيا الواقعة فى منطقة أوراسيا تطورًا غير متوقع لچنرالات الكرملين، على ضوء نجاح الائتلاف الحاكم الموالى للغرب فى الاحتفاظ بالأغلبية النيابية فى الانتخابات البرلمانية المبكرة يوم 20 يونيو 2021، رُغْمَ الثورة الشعبية ضد هذا الائتلاف برعاية روسيا.



فقد تمكنت لائحة العقد المدنى بقيادة رئيس حكومة تصريف الأعمال «نيكول باشينيان» فى الاحتفاظ بـ 71 مقعدًا وخسارة 17 مقعدًا، ورُغم ذلك؛ فإن اللائحة حصلت على 53.95 % من مقاعد البرلمان مقارنة بـ لائحة تحالف أرمينيا الموالية للكرملين التى فازت بـ 29 مقعدًا فحسب بقيادة «روبرت كوتشاريان» الصديق الوفى لموسكو الذى سبق أن شغل منصب رئيس أرمينيا ما بين عامَىْ 1998 و2008، إضافة إلى منصب رئيس الوزراء ما بين عامَىْ 1997 و1998، كما وظفته روسيا قبل ذلك رئيسًا لإقليم كره باخ أو جمهورية آرتساخ الأول ما بين عامَى 1994 و1997 ورئيسًا لحكومة الإقليم المنشق عن أذربيجان ما بين عامَى 1992 و1996.

وكانت موسكو تأمل فى أن يعود «روبرت كوتشاريان» رئيسًا للوزراء حال فوزه بالانتخابات؛ ليتم إعلان انتصار الثورة التى حظيت برعاية روسية ضد الحكومة الموالية لأوروبا؛ خصوصًا بعد خسارة أرمينيا المفاجئة لحرب العام 2020 أمام أذربيجان وتدخل قوات روسية فى إقليم آرتساخ عقب انسحاب الجيش الأرمينى مهزومًا أمام الجيش الأذربيجانى.

وعمدت روسيا إلى دعم أذربيجان ضد أرمينيا للمرّة الأولى منذ بداية النزاع بين البلدَين عقب سقوط الاتحاد السوفيتى، وأتى الدعم الروسى لصالح أذربيجان وليس لصالح أرمينيا كنوع من العقاب للجمهورية الأرمينية على انتخابها حكومة موالية لأوروبا على أن يتم توظيف الهزيمة العسكرية فى إسقاط تلك الحكومة، وهو ما فشل فيه الحراك الثورى الأرمينى فى انتخابات يونيو 2021.

وقد حاولت المعارضة الموالية لروسيا التحرك فى الشارع ونشر فكرة تزوير الانتخابات عبر تقنيات أوروبية ولكن بعد إعادة فرز بعض مراكز الاقتراع أعلنت اللجنة العليا المنظمة للانتخابات النتيجة النهائية بفوز «نيكول باشينيان» الداعم لتوجُّه أرمينيا- الجمهورية السوفيتية السابقة- إلى الغرب؛ حيث الاتحاد الأوروبى بدلاً من روسيا.

 العلاقات «الروسية- الأرمينية» عقب انتخابات يونيو 2021

وتعتكف دوائرُ الكرملين على دراسة خيارات مستقبل العلاقات بين روسيا وأرمينيا، ما بين مدَى جدوَى استمرار التصعيد فى الشارع، أو الذهاب لتهدئة الشارع على أن تتم رعاية ثورة ثانية فى وقت لاحق من العام الجارى؛ حيث يعد موسم الخريف هو موسم الثورات الشعبية المدعومة من الخارج- سواء روسيا أو الغرب - فى الجمهوريات السوفيتية السابقة.

وهنالك أصواتٌ تطالب بمعالجة ثورية، تشمل التعاون مع حكومة أرمينيا حتى لو كانت ذات توجُّه أوروبى؛ وذلك من أجل كبح جماح التحالف بين أذربيجان وتركيا.

وكانت روسيا قد رحّبت بالدور التركى فى دعم أذربيجان فى حربها الأخيرة مع أرمينيا؛ من أجل فتح باب دخول قوات حفظ سلام روسية إلى إقليم آرتساخ، ما يجعل الجيش الروسى يصل إلى الحدود المشتركة بين أذربيجان وإيران من جهة، ومن جهة أخرى فإن الدور التركى فى أذربيجان سوف ينافس الدور الإيرانى الذى يثير قلق روسيا.

ورُغم نجاح هذا المخطط الروسى عام 2020؛ فإن الرئيس التركى «رجب طيب أردوغان» تلقى ضوءًا أخضر من الرئيس الأمريكى «چو بايدن»، أثناء اللقاء الأول بين الرئيسَين فى بروكسيل على هامش اجتماعات حلف الناتو فى 14 يونيو 2021، على أن تقوم أنقرة باستئناف التكليف الأمريكى لتركيا بمناوئة روسيا فى آوراسيا وأوروبا الشرقية وسوريا بل وفى ليبيا إن استطاعت أنقرة. 

ولعل هذا اللقاء والدفء المفاجئ فى العلاقات «الأمريكية- التركية» بعد تخوُّف «أردوغان» من وعود «بايدن» لنظامه إبان انتخابات الرئاسة الأمريكية نوفمبر 2020، هو سبب انتعاش «أردوغان» عقب عودته من العاصمة البلچيكية واستئناف التصعيد التركى فى ليبيا وأذربيجان وأوكرانيا؛ حيث عَزّز «أردوغان» التعاون العسكرى والدبلوماسى والاقتصادى مع حكومة أوكرانيا الموالية للغرب رُغم الفيتو الروسى لأنقرة على هذا المَسعى التركى.

ولا يخفَى على موسكو أن قمة «بايدن- أردوغان» قد ناقشت ترتيبات الدور التركى فى ملء فراغ الانسحاب الأمريكى من أفغانستان لصالح عودة مشروع الإسلام السياسى للسيطرة على كابول وتصدير الإرهاب إلى الجمهوريات السوفيتية السابقة التى أصبحت اليوم تشكل دائرة دول الجوار الروسى فى دوائر الأمن القومى الروسى، ما يجعل موسكو تدرك أن سنوات الوفاق بين الرئيس التركى «أردوغان» ونظيره الروسى «فلاديمير بوتين» خلال سنوات إدارة «دونالد ترامب» قد انتهت، وأن «أردوغان» قد عاد إلى الأچندة الأمريكية على ضوء حقيقة أن تلك الأچندة قد جمعت بين الرئيس التركى وواشنطن فى سنوات إدارة «باراك أوباما».

 تشابك الخطوط الإقليمية أمام جنرالات الكرملين

ويتضح مما سبق؛ أن هنالك مخططا أمريكيًا جديدًا لتطويق روسيا بحزام من الفوضى، ما بين الثورات الملونة وجماعات الإسلام السياسى، وأن هنالك دورًا رئيسيًا لتركيا فى رعاية الإسلام السياسى وأيضًا دعم حكومات الثورات الملونة، كما الحال فى أوكرانيا، وأن دائرة آوراسيا حيث أرمينيا وأذربيجان قد تشابكت مع دائرة أوروبا الشرقية حيث أوكرانيا، وأخيرًا مع دائرة آسيا الوسطى حيث أفغانستان.

الدوائر الثلاثة يمكن أن تتسع إلى نقاط تماس مع الدائرة العربية؛ حيث أصبحت الجيوش الروسية والتركية على خط حدودى رفيع فى سوريا الغربية، كما أن التواجد التركى فى محور «مصراتة- طرابلس» يقابله اتهامات لم تثبت صحتها حتى اليوم حول وجود عناصر شركات عسكرية خاصة فى المحاور الليبية المناوئة لمحور «مصراتة- طرابلس».

وتشكل الدوائر الأربعة قمة تشابك الخطوط الإقليمية أمام چنرالات الكرملين، من أجل الحفاظ على مكتسبات صعود الدولة الروسية بعد سنوات الاضمحلال الروسى فى عهد «بوريس يلتسن»، لذا تسعى موسكو إلى معالجة سريعة وحاسمة لفض هذا الاشتباك، عبر خروج المرتزقة الموالين لتركيا من ليبيا، إضافة إلى إيجاد نفوذ روسى قوى فى أرمينيا يناوئ التحالف «الأذرى- التركى»، والضغط على كييف لقطع العلاقات العسكرية الأوكرانية التركية، وأخيرًا التحرك استخباراتيًا فى أفغانستان لضرب خطوط الاتصال بين الجماعات الإسلامية وأنقرة.