وداعًا شيخ الصحفيين مكرم محمد أحمد.. رحيل هادئ للفارس النبيل
عبدالعزيز النحاس
فقدت مصر رمزًا من رموز الصحافة فى الوطن العربى، وأحد شهود العصر على الأحداث الكبرى، إنه شيخ الصحفيين، الكاتب الكبير مكرم محمد أحمد، رئيس المجلس الأعلى للإعلام السابق، ونقيب الصحفيين الأسبق، بعدما تعرَّض لوعكة صحية قبل أيام نُقل على إثرها للمستشفى، لتنتهى رحلته أول أمس، الخميس، عن عمر ناهز 86 عامًا، بعد صراع مع المرض، ليغيب قلمه عن ملعب الصحافة المصرية، بعدما ظل لعدة عقود سلاحه الذى كتب تاريخه الطويل فى بلاط صاحبة الجلالة، ولم تفلح محاولات الجماعات الإرهابية فى كسره بمحاولة اغتياله، لتبقى ذكرى رائد الصحافة العربية خالدة «نقطة نور» للأجيال القادمة.
محطات فى حياة شيخ الصحفيين
وُلِد مكرم محمد أحمد فى 25 يونيو 1935 فى مدينة منوف بمحافظة المنوفية، حصل على ليسانس الآداب قسم الفلسفة جامعة القاهرة عام 1957، وبدأ عمله الصحفى محررًا بجريدة الأخبار ثم مديرًا لمكتب الأهرام بالعاصمة السورية دمشق، ثم مراسلاً عسكريًّا باليمن عام 1967، ورئيس قسم التحقيقات بالأهرام، وتدرج حتى وصل لمنصب مساعد رئيس التحرير ثم مديرًا لتحرير الأهرام.
وفى 1980 شغل منصب رئيس مجلس إدارة مؤسسة دار الهلال ورئيس تحرير مجلة المصور، وفاز الراحل بمنصب نقيب الصحفيين فى مارس 1989، فى المجلس الذى حمل رقم 36 فى تاريخ صاحبة الجلالة، خلفًا لإبراهيم نافع، ثم أُعيد انتخابه فى مارس 1991 وحتى مارس 1993، وعاد لينال المنصب نفسه من عام 1997 إلى 1999، وفى عام 2007 خاض المعركة الانتخابية فى منافسة رجائى الميرغنى نائب رئيس تحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط وحصل فيها على 70 % من أصوات الناخبين البالغ عددهم 3582 صحافيًّا مصريًّا، وفى 2009، فاز مكرم محمد أحمد بمنصب نقيب الصحفيين لفترة ثانية، فى انتخابات الإعادة التى أُجريت بينه وبين ضياء رشوان الباحث فى مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية حينها، ونقيب الصحفيين الحالى، كما كان عضوًا فى مجلس الشورى «بالمسمى القديم» لأكثر من 4 دورات متتالية.
وكلّل تاريخه المهنى برئاسته المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام مع تأسيسه عام 2017، بعدما أصدر الرئيس عبدالفتاح السيسى، قرارًا بتشكيله فى أبريل 2017، استنادًا إلى نص قانون التنظيم المؤسسى للصحافة والإعلام رقم 92 لسنة 2016، طبقًا للدستور 2014، وقد وضع بعض الضوابط لضبط المشهد الصحفى والإعلامى من حالة الفوضى فى ذلك الوقت، وبالفعل نجح خلال عامين فى ضبط المشهد الصحفى والإعلامى؛ حيث أصدر المجلس فى عهده الأكواد الأخلاقية المنظمة لعمل الصحف والقنوات، ووضع مشروعًا لقانون حرية تداول المعلومات، الذى حاول وباستماتة إصداره حتى اللحظات الأخيرة فى منصبه، كما وضع عددًا من المعايير المهمة لضبط المحتوى فى الدراما، منها عدم اللجوء إلى الألفاظ والحوارات المتدنية والسوقية التى تشوه الميراث الأخلاقى والقيمى والسلوكى، والتوقُّف عن تمجيد الجريمة باصطناع أبطال وهميين يجسدون أسوأ ما فى الظواهر الاجتماعية السلبية التى تسهم الأعمال الدرامية فى انتشارها، والتوقف عن تجاهل القانون عن طريق الإيحاء بإمكانية تحقيق العدالة والتصدى للظلم الاجتماعى.
وقد تبلورت أفكاره فى مجموعة من الكتب والمؤلفات، ومن أبرز إصداراته: كتاب عن الثورة فى جنوب الجزيرة، وكتاب عن أحاديث مع الإسرائيليين، وكتاب حوار مع الرئيس، وكتاب حوار أم مواجهة عن مراجعات الجماعات الإسلامية، بالإضافة إلى كتاب القدرة النووية المصرية- التحديات وأسباب الإخفاق، كما نال عددًا من الجوائز والتكريمات خلال مشواره الصحفى؛ حيث حصل على جائزة مصطفى أمين والجائزة الكبرى لنقابة الصحفيين المصريين، كما حصل على جائزة الصحافة العربية من نادى دبى بدولة الإمارات العربية المتحدة، وكرَّمته عدد من الجامعات المصرية من بينها، جامعات القاهرة وعين شمس والإسكندرية.
إلى أن رحل فارس الصحافة النبيل والمقاتل الشريف فى بلاط صاحبة الجلالة، وأحد أعمدة «الأهرام» الذين كانت لهم بصمات واضحة ومسيرة حافلة بالعطاء والإنجازات، وظل حتى نهاية مشواره يكتب فى الأهرام عبر عموده اليومى الشهير «نقطة نور».
محاولات اغتياله
نجا الراحل مكرم محمد أحمد من شبح الموت عدة مرات خلال مسيرته الصحفية، فمهنيته ووطنيته كانتا السبب وراء ما تعرَّض له من مخاطر؛ حيث كان أول من يدخل سيناء بتصريح من الأمم المتحدة قبل جلاء القوات الإسرائيلية بشهرين، وساهم فى أول مراجعـة لأفـكار الجمـاعة الإسـلامية عنـدما التقى بقيادتهم لأكثر من أربـعة أسابيع فى سجـن العقرب، أثناء توليه منصب رئيس تحرير مجلة المصور، الأمر الذى تسبَّب فى تعرضه لمحاولة اغتيال على يد التنظيم الإرهابى «الناجون من النار» عام 1987، حيث استهدفوه بالرصاص الحى، لكنه نجا من الحادث.
آراؤه الوطنية جعلته فى مرمى الهجوم من جماعة الإخوان الإرهابية؛ حيث وقف ضد الجماعة بكل قوة قبل وبعد استيلائها على حكم مصر، مما دفع محمد مرسى إلى أن يذكره بالاسم خلال المؤتمر، الذى عقده يونيو 2013 وكان يتحدى فيه دعوات الشعب للخروج فى ثورة 30 يونيو.
كذلك طارده الموت خلال عمله كمراسل حربى باليمن وغزة، ضمن استهداف الجبهات الأخرى؛ حيث كان يغطى حرب اليمن الأولى، وبداية الاحتلال الإسرائيلى لغزة قبل أن يتمكن من العودة للبلاد عن طريق البحر الأحمر، كذلك نجا من الموت فى الجزائر خلال تغطيته الميدانية لحرب الجزائر والمغرب، بعدما ضل طريقه فى الصحراء المغربية.