إسقاط الديون يحتاج قرارا سياديا فوريا!

ايمن عبد المجيد
الإخوان ينفذوا الخطة لكسرها أو بيعها لرجال أعمال موالين لهم.. علقوا دعم الأجور وأقحموا القطاع الخاص فى تعاقدات الطباعة!حتى لو جاع صاحب الرأى، لن يسقط قلمه.. هذا ما لايفهمه الإخوان وتابعوهم المصرون على إفقار المؤسسات الصحفية القومية، للضغط عليها، إما لتركيعها أو لإسقاطها وإجبارها على الاستسلام للخصخصة وبيعها لرجال الأعمال المتحالفين مع الجماعة، ويستخدم الإخوان فى ذلك المخطط كل الوسائل القمعية التى كان يستخدمها النظام السابق.
ومن تلك الوسائل التهديد بإلغاء تعاقدات طبع كتب وزارة التعليم فى المؤسسات الصحفية رغم تراجع هامش ربحها، بالإضافة إلى رفع مجلس الشورى «مالك المؤسسات» يده الداعمة عنها رغم أزماتها المالية المزمنة، ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد بل بإثارة الفتنة بين الموظفين وعمال المطابع والصحفيين فى المؤسسة الواحدة، بربط الدعم المالى بالسياسة التحريرية.. رغم أنه منع دعم الأجور الشهرى عن الكل المؤيد لهم قبل المناصر للشعب والرأى العام!
المطلب الأعلى صوتا هو إسقاط ديون المؤسسات الصحفية القومية المستقرة تماما للاستقلال عن مجلس الشورى، لكن بعد تطبيق خطة لإعادة الهيكلة وعدم ربط الرأى بالدعم للتأكيد على حرية الصحافة لا قمعها، وسط دعوات لإقرار الكفاءة كمبدأ لا أهل الثقة ككل مؤسسات الدولة التى تواجه خطة أخونتها!
تبلغ ديون المؤسسات القومية وفقاً لتقارير الجهاز المركزى للمحاسبات عن العام 2010 مجتمعة 7,8 مليار جنيه، بزيادة مليار و516 مليوناً عن 2006 الذى أجريت فيه دراسة قامت بها لجنة رأسها د.على لطفى رئيس الوزراء الأسبق، لتقييم أوضاع المؤسسات خلصت إلى أن إجمالى ديون المؤسسات الصحفية حتى 2006 بلغت 7 مليارات و184 مليونا
احتلت مؤسسة الأهرام حينها رأس القائمة بـ3 مليارات و499 مليوناً منها 3 مليارات و6 ملايين لصالح الخزينة العامة للدولة، والجزء المتبقى ديون بنكية.فيما احتلت مؤسسة أخبار اليوم المرتبة الثانية بنسبة 4,18٪ من إجمالى ديون المؤسسات القومية، بما يعادل ملياراً و332 مليـــون جنيــــه، ودار التحرير فى المرتبة الثالثة بـ 8,9٪ من إجمالى الدين، واقترحت اللجنة عدة بنود لإعادة هيكلة المؤسسات القومية للخروج من مأزقها كان منها دمج بعض المؤسسات المتعثرة، فصدر قرار دمج دار التعاون بالأخبار وجزء منها بالأهرام، ومع ذلك تفاقمت الأزمة وتضخم مع الأزمة الاقتصادية التى أعقبت ثورة 25 يناير ليصل إلى قرابة 10 مليارات جنيه والخسائر تراكمت لتصل 5,3 مليار، والضرائب وحدها دائنة للمؤسسات بقرابة 9,1 مليار جنيه!
وبالتالى تعاظمت التحديات التى تواجه المؤسسات الصحفية فدخلها الأساسى قائم على الإعلانات والطباعة التجارية من خلال حصولها على حصص من كتب وزارة التربية والتعليم، والمورد الأول تراجع بقوة فى ظل الأزمة الاقتصادية، وتراجع سوق الإعلانات، وضعف الاستثمار فيما يهدد المورد الثانى بعد أن فتحت وزارة التربية والتعليم الباب أمام المطابع الخاصة للمنافسة فى المناقصات على طباعة كتب الوزارة، الأمر الذى يدفع القطاع الخاص لتقديم عروض منخفضة القيمة للاستحواذ على حصص المؤسسات القومية لإفلاسها، ومن ثم الدخول لشراء أسهمها.
يأتى ذلك فى الوقت الذى تخلى فيه مجلس الشورى بصفته نائباً عن المالك، عن دوره فى دعم موازنة الأجور مرحليا، لحين مرور فترة الأزمة، وطالب معظم المؤسسات بتحمل مسئولية تأمين مواردها لتغطية نفقاتها، رغم كون مجلس الشورى مسئولاً عن اختياراته لرؤساء مجالس الإدارات ورؤساء التحرير، وبالتالى مسئولاً عن مدى ما يحققونه من نجاحات وإخفاقات.
الأخطر من ذلك أن مجلس الشورى يتجاهل ما تلعبه المؤسسات القومية من دور وطنى، وإحداث توازن بين الإعلام الحزبى والخاص، بما يدفع المراقبين، لتوقع أن الضغوط تستهدف خنق المؤسسات القومية مالياً لتكون أمام خيارين إما التسبيح بحمد الحكام الجدد، أو الإفلاس والدخول فى مرحلة الخصخصة لتقع فى النهاية فى يد حلفاء النظام الجديد من رجال الأعمال.لا يعنى ذلك أن هناك مسئولية تقع على كاهل المؤسسات القومية ذاتها وإداراتها، وأن هناك سلبيات إدارية ترتكب، غير أن الإصلاح الشامل يجب أن ينبع من مؤتمر عام للصحفيين ومجالس إدارات المؤسسات وجمعياتها العمومية، مصحوباً بنية صادقة من الحاكم، وحتى يتحقق الإصلاح الشامل يجب حماية المؤسسات من الانهيار، وللبحث فى عمق القضية ذهبنا لخبراء ومسئولين بالمؤسسات.
مكرم محمد أحمد نقيب الصحفيين الأسبق ورئيس مجلس إدارة دار الهلال الأسبق يقول: إذا كانت الحكومة ينبغى أن ترفع يدها عن هذه المؤسسات القومية، فلابد من تحقق شروط أساسية، وفى مقدمتها دعم المؤسسات حتى تصل لمرحلة تحقيق التوازن بين النفقات والمصروفات فلا تتنصل من مسئولية دعم الأجور قبل إصلاح الهياكل.يجب أن تعلم الحكومة أنها مسئولة مسئولية مباشرة عن الأوضاع التى آلت إليها المؤسسات سواء باختيار رؤساء تحرير ورؤساء مجالس إدارات وأعضاء مجالس إدارات أساءوا التصرف، أو بإهمال إصلاح الهياكل المؤسسية، فالحكومات السابقة أصلحت هياكل مؤسسات القطاع العام، وتجاهلوا إصلاح هياكل المؤسسات القومية رغم إلحاح الصحفيين منذ عشرات السنين.
وأضاف مكرم: إهمال الإصلاح كان متعمداً والتهديد بإدخال القطاع الخاص للمنافسة فى سوق طباعة كتب وزارة التربية والتعليم بدأ منذ عهد د. حسين بهاء الدين، واستخدم ورقة للضغط على المؤسسات الصحفية، لدفع رؤساء المؤسسات لطلب المساعدة من النظام، وإلى جانب ذلك ظلت أسعار الطباعة من المؤسسات ثابتة كما هى، دون مراعاة زيادة تكلفة الإنتاج بما قلص هامش الربح..
ويضيف مكرم.. ما فاقم الأزمة هو القروض الدوارة والقرض الأمريكى، وللأسف منحت القروض للمؤسسات دون أن تقدم المؤسسات خططاً للاستفادة من القروض وتثبت قدرتها على السداد، وتم شراء مطابع بملايين، لا تستطيع المؤسسات توفير أعمال لها، فلا تعمل بكامل طاقتها الإنتاجية فتشغل 4 ساعات فى اليوم وتتوقف.ويستطرد مكرم: المؤسسات القومية تحتاج لإصلاح كامل، مصحوباً بعون جزئى، ويبدأ الإصلاح بتأسيس شركة قومية للطباعة تدمج فيها مطابع المؤسسات القومية جميعاً، لكن لا يمكن البقاء بهذا الحال رئيس مجلس إدارة كل مؤسسة فى حالة ذعر خوفاً من أن يأتى موعد صرف الأجور ولا تستطيع المؤسسات الإيفاء بالالتزامات، فالذعر دائم والاحتياج دائم فى ظل هذه الأوضاع.
كان الحل الصحيح بعد الثورة كما يرى مكرم، أن تكون هناك مؤسسات قومية لها القدرة على اتخاذ المبادرة فى تعيين قياداتها الإدارية والتحريرية، وفقاً للكفاءات وبشروط تحقيق نجاحات وطفرات، وألا يذهب من لا يحقق إنجازاً ويأتى غيره بنفس الآلية، خاصة أن فى كل مؤسسة مندوباً للجهاز المركزى للمحاسبات وهو جهاز رقابى تابع للدولة، ولا مجال لأى فساد فى وجوده،، وإن كان البعض من النظام يرى أن هذا الجهاز تغاضى عن تجاوزات فى السابق فمن غير الوارد حدوث ذلك بعد الثورة، وقيادات المؤسسات تعمل فى ظل قيود بيروقراطية، الصحفى يعمل فى ظل قيود تشريعية وترسانة قوانين تجيز حبسه ومحاكمته، فالأصل فى ذلك إطلاق حرية المؤسسات فى إدارة شئونها واختيار قادتها لتتحمل المسئولية كاملة.
ويشدد مكرم على أن المؤسسات القومية ظلت فى خدمة النظام 50 سنة منذ عبدالناصر ومرورا بالسادات ومبارك إلى مرسى، وتنشر أخبار الحكومة وهذه فى حد ذاتها خدمة للدولة تتطلب دعماً مقابلاً من الدولة لتلك الصحف.
ويشخص مكرم الحالة التى وصلت إليها العلاقة بين الصحافة والسلطة بحالة فقدان الثقة المتبادلة، التى هى جزء من المناخ العام، فهناك إساءة معاملة من السلطة التى تعتقد أن الصحافة مسئولة عن تراجعها فى الشارع، بينما السلطة التنفيذية عليها أن تعى الحقيقة، الصحافة لا تستطيع أن تجمل قبيحاً ولا تستطيع أن تخلق شيئاً من العدم، ومن الجانب الثانى هناك تمرد ورفض من الصحافة للسلطة، فنتجت تلك العلاقة غير السوية.
ويرى نقيب الصحفيين الأسبق أن من الأخطاء المتراكمة هو وصول عدد المطبوعات فى بعض المؤسسات مثل دار التحرير لـ 17 مطبوعة، أصدرها سمير رجب بدون دراسة وجميعها خاسرة، ومع تزايد الخسائر لجأت قيادات المؤسسات لتقديم رشاوى للحكومة فى شكل هدايا لكى تصمت عن مستحقات الدولة، فيتدخل الرئيس أو رئيس الوزراء ويقول لوزارة المالية «خفى عن مؤسسة كذا»، لذا الحل فى إصلاح الهياكل المالية بإسقاط الديون والهياكل الإدارية بمنح الصحفيين والعاملين بالمؤسسات حق اختيار إدارتهم وتحقيق الاستقلال التام للمؤسسات مع الإبقاء على الجهاز المركزى للمحاسبات، ومحاسبة من يثبت تجاوزه، لا أن يتحكم فى المؤسسات مجلس منتخب بـ 8٪ فقط من الشعب، ولو منتخب انتخاباً حقيقياً بنسب كبيرة معبرة عن الشعب.. لا ضرر.
مصطفى هديب «رئيس مجلس إدارة مؤسسة دار التحرير» يشدد على ضرورة أن تحدد الحكومة موقفها بشكل واضح من المؤسسات القومية ودعمها، فلا يجوز أن ترفع يدها تماما فى ظل وضع مالى متأزم، ولا يمكن تحميل الإدارات الحالية مسئولية أخطاء الإدارات السابقة.
هديب أكد أن المخرج يكون بقرار سيادى أو تشريعى لإسقاط الديون الحكومية عن الفترات ما قبل ,2006 مع تقديم دعم مالى يصاحبه إصلاح لهياكل المؤسسات وليس بالضرورة أن يكون الدعم مباشراً، بل دعم غير مباشر، يمكن أن يتمثل فى حصة إعلانات الوزارات والجهات الحكومية، مثل الإعلان عن المناقصات.
لا يجوز منح حق طباعة كتب الوزارة للقطاع الخاص، فمطابع خاصة تقدمت بعروض بأسعار منخفضة أقل من سعر تكلفة الإنتاج، وهذه الجهات الخاصة ليس لديها القدرات الفنية لإنجاز العمل التى تنافس عليه مما يثير الشكوك، فى حين أن المؤسسات الصحفية القومية لديها أسطول من المطابع وآلاف العمال وقدمت أسعاراً تناسب التكلفة ومتقاربة لمطابقتها للواقع، ويشدد على أن الدولة عليها أن تدعم المؤسسات حتى تخرج من عثرتها، خاصة أن سوق الإعلان متراجع، يقول «هديب»: نعمل بكل جهدنا لتوفير الالتزامات المالية للمؤسسات الصحفية، فالبيئة الاقتصادية صعبة والأزمة الاقتصادية فى البلد نتأثر بها، فالمصدر الرئيسى الإعلان والثانى الطباعة.
أحمد سامح رئيس مجلس إدارة دار أخبار اليوم يرى أن المؤسسات مسئولة عن تدبير أمورها المالية، وأن الحكومة لا تقدم دعماً للأجور، ودعمها مقصور على صرف مستحقات بدل التكنولوجيا والتدريب، مضيفا نعمل بكل طاقتنا لإحداث توازن وتحقيق أرباح بالمؤسسة، والمطلوب هو إسقاط الديون السابقة على العام 2006، فهذه الديون من المستحيل سدادها، ولا يجوز المطالبة بها الآن واعترضنا عندما طالب بها وزير المالية السابق، واستطرد: المشكلة فى العمالة الزائدة بالمؤسسات القومية، وبالمقارنة بأى صحيفة خاصة تدرك الفارق والمؤسسات القومية قادرة على النهوض بأوضاعها لكن بشروط أولها إسقاط الديون!
يحيى غانم رئيس مجلس إدارة دار الهلال يؤكد أن الحلول موجودة للنهوض بالمؤسسات القومية وحال تطبيق المقترحات المقدمة منه يمكن أن تصبح المؤسسات القومية فى منافسة شريفة مع المؤسسات الخاصة، ولم يرغب فى الدخول فى التفاصيل لحين الانتهاء من لقاء مرتقب مع قيادات مجلس الشورى المسئولة عن ملف الإعلام وقال إنه سيتحدث معهم قريبا ولا يريد استباق النتائج.