الأحد 16 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

مواجهة صناع الأغنية التقليدية لطوفان المهرجانات!!

انشغل الجميع فى الآونة الأخيرة بالصراع الدائر حاليًا بين نقيب الموسيقيين الفنان «هانى شاكر» من جهة، وأصحاب أغانى المهرجانات من جهة أخرى، وبينما يرى البعض أن فى كلمات تلك المهرجانات ما يخدش الحياء، ويهدم قيم المجتمع يرى البعض الآخر أن أغانى المهرجانات قد تهدد عرش الأغنية التقليدية؛ خصوصًا أن جمهور المهرجانات قد اتسع بشكل كبير ليشمل أبناء كل طبقات المجتمع، وبين كل هذه الآراء المتضاربة، يبقى السؤال الأهم: ما الذى فعله أبناء الأغنية التقليدية من شعراء، وملحنين، ومطربين؛ لمواجهة طوفان المهرجانات الذى لم تساهم قرارات المنع سوى فى انتشاره بشكل أكبر.



 

ولعل لجوء بعض نجوم الغناء فى الآونة الأخيرة إلى الخروج عن المألوف بأغنياتهم، سواء فى شكل الموسيقى أو فى الكلمات المستخدمة؛ خصوصًا أن الأخيرة تشهد الكثير من التغييرات فى الألفاظ المستخدَمة والمعانى، هو الخطوة الأولى التى يخطوها هؤلاء النجوم فى مشوار المواجهة المحتوم، كما فعلت «سميرة سعيد» فى أغنياتها (سوبر مان، وهوليلة)، و«عمرو دياب» فى أغنياته (يوم تلات، وعم الطبيب، ومبقاش يناسبك)، و«لطيفة» فى (قلاب، وفى الأحلام) وغيرهم، بالإضافة إلى ظهور جيل جديد من المطربين الذين تعمّدوا أن تُحدث كلمات أغنياتهم الأولى دويّا كبيرًا، فى محاولة لسد الفجوة التى باتت تتسع يومًا بعد يوم بين (سمّيعة) السوشيال ميديا، وأغانى الهجر والخصام، والتغزل فى العيون والشفايف التى كانت محورًا لأغانى التسعينيات، فظهر «مروان يونس» مطرب (سالمونيلا) و«مصطفى شوقى» مطرب (ملطشة القلوب).. وفى السطور التالية نحاول أن نعرف شكل الخريطة الغنائية الجديدة التى تتغير معالمُها يومًا بعد يوم، كما نحاول أن نتعرف على خطة صناع الأغنية الحاليين لتحقيق المعادلة الصعبة.

 > «البينج بونج والتنس»

يبدأ الشاعر الغنائى «أمير طعيمة» حديثه عن صناعة الأغنية فيقول: «هناك نوعان من الأغانى؛ السريعة التى لا تتحمل تغييرًا كبيرًا فى الموضوعات والأفكار وغالبًا ما تكون على إيقاعات «المقسوم» وتتحدث عن الحب، إنما لا بُدَّ أن تشهد تغيُّرًا فى الألفاظ والكلمات المستخدمة من فترة لأخرى، والأغنية الدرامية التى يمكن تناولها بأشكال مختلفة ويمكن أن تتناول قصص وموضوعات متعددة والتغيير فيها ليس له حدود، مثل أغنية (من البداية) لـ«محمد حماقى» و(هتقول لربنا إيه) لـ«أنغام» وسبقتهما أغنية (عكس اللى شايفينها) لـ«إليسا»..

وهذا التغيُّر الذى يطرأ على الأغانى اليوم هو شىء طبيعى، يتجه له المطربون والشعراء كل فترة، فعلى الفنان أن يجدد من أسلوبه حتى يستطيع الاستمرار، ولا يمكن أن نقارن بين الأغنية الكلاسيكية وأغانى المهرجانات، فلا يوجد وجه مقارنة، وهذه فئة وتلك فئة أخرى، ولا أرى شَبهًا بينها وبين التجديد فى الأغانى، فالربط بين اسميهما أشبه بالربط بين «البينج بونج» و«التنس» يبدو من الخارج أنهما متشابهتان فى حين أنهما مختلفتان تمامًا ولا يمكن جمعهما معًا، بالإضافة إلى أنه لا يمكن لأى مطرب مَهما غيَّرَ من شكله أن يقول «ويسكى» أو أى لفظ خارج، وإذا قارنت بين أغنيتين إحداهما عام 2000م والأخرى عام 2010م ستجدين اختلافًا واضحًا حتى قبل ظهور المهرجانات..

ويضيف إنه: بصفة عامّة التغيُّر والتجديد فى الفن يُعتبر مخاطرة ولكن لا بُدَّ منها، والمطرب مرَّة سيصيب ومرَّة أخرى لن يحقق الهدف الذى يسعى إليه، وعلى الفنان أن يُحدّث ويُطور من نفسه ومن فنه حتى يصل للمعرفة الكاملة لما يليق به وبمنهجه فى التغيير، وإلّا فلن يستطيع الاستمرار.

> المهرجانات X السّح ادّح أمبو

أمّا الشاعر الغنائى «خالد تاج الدين» فيفسر المَشهد الفنى من وجهة نظره، قائلًا: «إن الفن يسير الآن وفى كل العصور على خطين متوازيين؛ خط الأغانى العادية الخاصة بالجمهور العادى والمطربين المعروفين، وخط الأغانى الشعبية التى تحولت فى الوقت الحالى من «حسن الأسمر»، و«عدوية»، ومن قبلهما «محمد رشدى» لأغانى المهرجانات التى تُعبر عن ناس جديدة أو فئة جديدة وكبيرة ومستحدثة ظهرت فى السنوات العشرة الأخيرة واتسعت مع الوقت، وبالطبع لهم الحق فى التعبير عن حياتهم وأفكارهم وعن كل شىء خاص بهم، مثل الرابر «مغنو الراب» فى أمريكا؛ فهم يمثلون نسبة عريضة من الجمهور الأمريكى والكثيرون يستمعون إليهم، وباقى الجمهور الذى يستمع إلى موسيقى أخرى لا يهاجمهم أو يقول عنهم إنهم سيئون أو أى شىء من هذا القبيل، إنما يحترم كلُّ منهما الآخر، على خلافنا نحن الشعب المصرى؛ خصوصًا مَن يقضون أغلب أوقاتهم على «الفيسبوك» فى القيل والقال، لذلك فالموضوع أخذ أكبر من حجمه…

وقديمًا عندما غنّى «عدوية»، (السّح الدّح أمبو) استمر «عبدالحليم حافظ» و«نجاة» وغيرهما فى الغناء، فلا يوجد أى مبرر لهجوم أى منهما على الآخر، فكل فن له جمهوره وأيضًا لا يُعتبر أىٌّ منهم ظاهرة ثم ستنتهى كما يقول البعض.

ويضيف: إن أى أغنية تحقق النجاح الساحق، فذلك؛ لأنها فعلًا جيدة، فكل عام يتم طرح نحو 60 مهرجانًا وعدد غير محدود من الأغانى الأخرى، وما يحقق منها النجاح الكبير يكون عملًا أو اثنين تميزهما كلمة أعجبت الناس أو «ريتم» علق فى الأذهان.

أمّا التغيير الذى أقدم عليه عدد من نجوم الغناء فيُعتبر شيئًا إيجابيّا لا بُدَّ منه، مع أنه مخاطرة كبيرة منهم، ونجاحهم أو فشلهم فيه يعتمد فى المقام الأول عليهم هم أنفسهم، فليس كل شىء مناسبًا لأى شخص، و«عمرو دياب» تحديدًا مطرب فى منتهى الذكاء؛ عندما اتجه للتغير  فى اختياراته ولكنه حافظ على شخصيته الفنية، قدّم شيئًا مختلفًا ولكن يليق به، فأغنية (يوم تلات) مثلًا لا يمكن أن يغنيها أى مطرب آخر غيره، ويأتى بعد ذلك مدى حب الناس وتقبلهم لهذا العمل، فالجمهور هو الحَكم.

 ويتحدث عن تجربته فيقول: «كتبتُ مؤخرًا أغانى عادية جدّا لـ«عمرو دياب ونانسى عجرم ووائل جسار ووعد»، مع إضافة بعض الإفيهات الجديدة، ولدى أعمال أخرى أعددتها مختلفة أكثر من حيث الموضوعات؛ فليس كل شىء حب أو دراما، وإن كان الذى يلعب الدور الأكبر فى شكل الأغنية هو الموسيقى المصاحبة لهذه الكلمات، فتجربة «محمد منير» الفريدة جدّا والمميزة تلعب فيها الموضوعات المختلفة مثل (شجر الليمون) وغيرها، وللموسيقى ذات الطابع المميز جدّا، دَور رئيسى فى نجاحها، والمهرجانات التى تقدم حاليًا وتحقق النجاح الكبير اعتمدت على موسيقى «المقسوم» الذى يفضله الناس مع الطريقة الشعبية التى تستخدم فى الأفراح ويذهب إليها الجميع لأنها مبهجة وتشجع على الرقص والاحتفال حتى إذا كان الموضوع دراميّا.

 

> المحاكاة لكل شىء جيد

وأخيرًا يحلل الناقد الموسيقى «مصطفى حمدى» المشهد الحالى فيقول: «انعكس النجاح الطاغى لموسيقى المهرجانات والكلام الذى تقدمه تلك الأغانى، بشكل كبير، على نجوم الأغنية المصرية، فبدأوا يقدمون شبه محاكاة لمثل تلك الكلمات..  وبشكل عام أرى أن هذا التغيير ذكاء من المطربين الذين يحاولون التعايش مع الحالة المطلوبة ومواجهة «المهرجانات» التى تأكل حاليًا الأخضر واليابس، أمّا إذا ظل المطربون يقدموا اللون التقليدى العاطفى المنمق نفسه فلن يستمروا على الساحة، والأمثلة على ذلك كثيرة، ففى العام الماضى 2019م، تم طرح 18 ألبومًا غنائيّا فى مصر، ولم يحقق أىٌّ منها علامة فارقة سوى ألبوم «محمد حماقى»؛ لأنه اتبع تلك الفلسفة عندما ذهب إلى الأغنية الاجتماعية فى (غربة و صور)، وعندما غَنَّى (يا ستار)، فمن المهم أن تخرج من القالب التقليدى،ولكن الفيصل هو عدم الانجراف إلى الابتذال أو تقديم نفس الكلمات الخارجة والقوية..والمطرب الذكى هو الذى يستطيع أن يلتقط تلك الحالة.. وأكبر الأمثلة الحية على ذلك عندما أدرك «عبدالحليم حافظ» أن النجاح الساحق لـ«محمد رشدى» بسبب أنه فى عصر الأغنية الشعبية، وكانت المفاجأة أغنية (سوّاح) التى تعاون فيها مع «الأبنودى» و«بليغ حمدى»، فظاهرة المحاكاة لكل شىء ناجح ليست جديدة، والمطربون الرواد الأوائل استطاعوا التعامل مع الأمواج التى قابلتهم واستطاعوا أن يمرّوا منها بأمان، فقدّموا كلمة تشبه وعى وثقافة الجمهور بأسلوبهم الفنى.. وهذا يختلف عمّا يحدث الآن فنجد مثلًا «لطيفة» تجنح لأخذ طريقة «سميرة سعيد» فى الغناء، و«أصالة» أيضًا عندما حاولت التغيير قلدت «سميرة سعيد»، فعلى ما يبدو أن كل فنانة منهن لا تجد لنفسها مساحة للتغيير بعيدًا عن شخصية «سميرة سعيد»، فمن الجيد أن تغير ولكن يجب ألّا تقلد أحدًا. و«مدحت صالح» لم يوفق أبدًا فى محاولته للتغيير عندما غنّى (بنت القلب)، فلا يمكن أن أقدم شيئًا وأنا أدرك أنه سيلقى بالتنكيت، وهذا دليل على أنه حاول المواكبة، وهو فى الحقيقة بعيد جدّا وغير مُدرك لهذا الذوق ولثقافة هذا الجيل الذى يخاطبه.>