الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

انتفاضة المعاقين

انتفاضة المعاقين
انتفاضة المعاقين


كان مفاجئا للبعض أن يروا معاقين مشاركين فى المظاهرات حتى الدامية منها من محافظات القناة وحتى القاهرة، وبالتأكيد من فوجئوا لا يعرفون أن ثورة المعاقين على الأبواب بالفعل، فهذا الشاب القعيد الذى اصطادته الكاميرات مسرعاً بكرسيه المتحرك فى أعمال الكر والفر التى شهدها بورسعيد، ما هو إلا رمز لمتحدى إعاقة رفضوا أن تكون الإعاقة حاجزاً بينهم وبين معايشة أوجاع أهاليهم، حتى لو على جثثهم، وبالفعل فكان من شهداء المدينة الباسلة «معاق آخر»!..
 
 
«روزاليوسف» رصدت آلام هؤلاء المعاقين التى تفوق طبعاً الأسوياء، واقتربوا جدا من الانفجار الجماعى ليخرج 21 مليون معاق مصرى فى مليونية غير مسبوقة من نوعها لمواجهة «مرسى» الذى وعدهم بتنفيذ مطالبهم خلال لقاء أخير بممثلين لهم، ولكن دون أى وفاء بالوعد كالمعتاد!
 

 
«د.نبيل هاشم» رئيس اللجنة العليا لدعم متحدى الإعاقة بالمنظمة المصرية الدولية لحقوق الإنسان والتنمية قال: إن المعاق هو أكثر إنسان يتحدى ويتفوق على نفسه فمثلاً هو أول كفيف يراقب ويشرف على الانتخابات فى الاستفتاء الأخير على الدستور ونجحت هذه التجربة، وكان المواطنون الذين يدلون بأصواتهم بمجرد أن يروا كارنيه المنظمة الحقوقية حول عنقه يلتفون حوله ويخبرونه بآرائهم والمشاكل التى تعترضهم ولا يكتفى بذلك بل يذهب للمراقبين ويتحدث معهم ثم يدخل اللجنة ويسمع ما يدور ويسجل المخالفات والملاحظات ثم يبعث بالتقرير عن طريق التليفون إلى غرفة العمليات للمنظمة الحقوقية التى يتبعها.
 
وكان من ضمن ملاحظاته على الاستفتاء سوء توزيع اللجان فقد كانت هناك لجان عدد المقيدين بها للتصويت قليل جداً ولجان أخرى عدد المقيدين بها للتصويت كبير جداً لدرجة أن مواطنين لم يستطيعوا الإدلاء بأصواتهم، ومنها أيضاً وجود توجيه للأصوات حيث سمع أشخاصا يقولون قولوا نعم للدستور لاستقرار البلد، ومنها أيضاً عدم إحكام سيطرة قضاة على اللجان من كثرة كثافة المواطنين الذين يريدون الإدلاء بأصواتهم.
 

 
وأوضح نبيل أنه نزل للمراقبة على الاستفتاء كرسالة لمن وضع المادة «27» بالدستور الجديد لأن هذه المادة ناقصة ولا تعتبرهم شركاء فى الوطن، فقد نصت المادة «أن تلتزم الدولة برعاية ذوى الإعاقة اقتصادياً واجتماعياً وصحياً وتوفر لهم فرص العمل وترتقى بثقافة المجتمع نحوهم وتهيئة المرافق العامة».. مشيراً إلى أن هذه المادة لا تشملهم لسببين أولهما أن كلمة رعاية عند متحدى الإعاقة تعنى وصاية والرعاية لا تجوز إلا على المعاقين ذهنياً وكبار السن والأطفال أما باقى أنواع الإعاقات فهم يتصفون بالعقل وثانيها عدم إعطاء الفرصة لحق التواجد السياسى لمتحدى الإعاقة.. مضيفاً أنه على الرغم من أن عدد المعاقين فى مصر 21 مليونا إلا أنه لا يوجد من يمثلهم لدرجة أن رئيس الجمهورية عندما أصدر قراراً بتعيين 09 شخصا فى مجلس الشورى لم يكن منهم أى فرد يمثل المعاقين.
 
وأشار نبيل إلى أنه بعدما رأى هذا التهميش للمعاقين وعدم مراعاتهم فى الدستور قرر أن يشترك فى الحوار الوطنى لعرض مشاكل المعاقين وأمالهم وحقوقهم فأخذ خطاب تزكية وتفويض من المنظمة الحقوقية للمشاركة فى الحوار الوطنى وذهب إلى قصر الاتحادية فقالوا له إن هذا الطلب يذهب ليسلمه إلى قصر عابدين فذهب إلى قصر عابدين فقالوا له إنه جاء متأخراً عن مواعيد العمل لأنهم يعملون حتى الساعة الثالثة عصراً فقط ولم تفل عزيمته فذهب ثانى يوم إلى قصر عابدين فنزل له موظف شاب وقابله عند حائط القصر فى الشارع وقال له إنه من العلاقات العامة وجاء لأخذ الطلب وعندما طلب منه نبيل التوقيع على صورة الطلب بالاستلام رفض وقال له اتصل على الخط الساخن لديوان المظالم رقم 08961 فقال له إنه مش جاى يشتكى فقال له الموظف إن هذا الخط للشكاوى والطلبات.. ويستطرد نبيل إنه لم يمل واتصل بالخط الساخن فأخذوا رقم البطاقة القومى وقالوا له إن طلبك موجود ونقوم بتحديث البيانات.. قائلاً: ساعتها اكتشفت أن الخط الساخن ما هو إلا خط بارد وجاء يوم الحوار ولم يشارك فى الحوار الوطنى.. موجهاً رسالة لرئيس الجمهورية ولرئيس الوزراء بقول الله عز وجل «وأما من جاءك يسعى فأنت عنه تلهى».

 
«نبيل» قال إن هذا الاستهتار بمتحدى الإعاقة كان سبباً رئيسياً لإنشاء «التيار السياسى المستقل المعارض لمتحدى الإعاقة» تحت شعار إننا مصممون على قيادة الدولة فى المرحلة القادمة وقادرون على الحفاظ عليها، ومن أهداف التيار المشاركة السياسية لمتحدى الإعاقة كمستقلين فى انتخابات البرلمان القادمة وفى انتخابات المجالس المحلية والنقابات، ومن أهدافه أيضاً وجود وزراء ومحافظين من متحدى الإعاقة.. قائلاً إن متحدى الإعاقة قادمون لبناء مصر لأن الإعاقة ليست ببصر أو بشلل قدم ولكن الإعاقة إعاقة فكر وعدم ضمير.
 
محمد سيد شعراوى نقيب النقابة المستقلة لذوى الاحتياجات الخاصة بالقاهرة قال لنا: إنه تم إنشاء النقابة للأهداف الاقتصادية والسياسية لمتحدى الإعاقة بمعنى أن شعارهم فى النقابة سيكون «سوف نبنى حياتنا بأيدينا» عن طريق اشتراكات الأعضاء وسوف يقيمون مشاريع اقتصادية ليعمل بها ذووى الإعاقة لتفجير طاقاتهم وتحويلها إلى وحدة إنتاجية، وأنهم  سوف يعكسون النسبة الموجودة بالقانون بإلزام الشركات بتعيين 5٪ من المعاقين فيها لتصبح فى شركاتهم 5٪ لغير المعاقين ونسبة 59٪ للمعاقين، كما أن من أهداف النقابة الدفاع عن حقوق ذوى الإعاقة والمشاركة فى الحياة السياسية بعد سنوات طويلة من الإهمال والمعاناة خصوصا أنهم يمثلون 51٪ من الشعب المصرى وليس لديهم من يمثلهم فى البرلمان والحياة السياسية للمطالبة بحقوقهم المسلوبة، لذلك قررنا خوض الانتخابات لأنه من يملك القرار السياسى يملك القرار الاقتصادى والاجتماعى، ومن لا يملك القرار السياسى فلا يلومن إلا نفسه.. محذرًا أن انتفاضة المعاقين قادمة.
 
من ناحية أخرى أكدت محروسة سالم بطلة رياضية فى رفع الأثقال للمعاقين أنها كانت ترفع أثقالا تعادل أضعاف وزنها، حيث كانت ترفع حتى وزن 631كجم فى حين أن وزنها 05كجم فقط، ولكنها لم تستطع مواصلة التدريب لأن مركز الشباب الذى كانت تتدرب فيه كان بعيدا عن السكن، وكان المركز يعطيها 3 جنيهات فقط للمواصلات.. مضيفة: أن الدولة لا ترعى الرياضيين المعاقين ولا توفر لهم الظروف الملائمة ليصبحوا أبطال العالم، لذلك فإن المعاق ولد فى معاناة ومن الواضح أنه سيموت فى مأساة.

 
الكابتن حسين عبدالفتاح مدرب رياضى للمعاقين أوضح أن وعود رئيس الجمهورية لذوى الإعاقة عندما قابلهم شخصيًا فى قصر الاتحادية، أثناء اعتصامهم أمام قصر الاتحادية لم ينفذ منها شيئا، حيث كان ذوو الإعاقة من جميع المحافظات فى اعتصام مفتوح أمام قصر الاتحادية 01 أكتوبر الماضى وظلوا لمدة 41 يوما، وبعدها جاء إليهم المستشار محمد فؤاد جاب الله مستشار رئيس الجمهورية وجلس معهم وعرف مطالبهم وطالبهم بفك الاعتصام ولكنهم رفضوا، وبعدها يوم 52 من الشهر نفسه قابلهم الرئيس فى القصر وعرضوا مطالبهم ومنها الالتزام بنسبة تعيين 5٪ معاقين بالشركات والهيئات وتوفير الأسانسيرات بمحطات المترو وتوفير السكن والرعاية الصحية وحق ركوب المواصلات مجاناً.. مضيفا أن رئيس الجمهورية قال لهم أنتم أولادى وهذه المطالب سوف تنفذ، ولكن للأسف حتى الآن لم نر تنفيذ أى شىء.
 
واستنكر عبدالفتاح عدم مساواة الرياضيين المعاقين بالرياضيين غير المعاقين مثلما حدث فى أولمبياد لندن السابقة عندما فاز المعاقون بـ41 ميدالية ذهبية وفضية وبرونزية ورفعوا علم مصر بالخارج، ولكن للأسف لم تتم مساواتهم بغير المعاقين حيث حصل أبطال الذهبية المعاقون على مكافأة 002 ألف جنيه والفضية 001 ألف جنيه والبرونزية 05 ألف جنيه بينما حصل كرم جابر على 2 مليون جنيه مكافأة للميدالية الفضية فى نفس الأولمبياد، وأيضا بطلة العالم للمعاقين فى رفع الأثقال لأربع دورات متتالية، وهى الكاتبة فاطمة عمرو التى تحطم رقمها العالمى كل بطولة عالم آخرها عام 3102 حصلت على الذهبية رغم أنها متزوجة ولديها طفلتان وزوجها معاق وتترك طلفتيها لزوجها أثناء فترة المعسكر التدريبى للبطولة، إلا أنها لم تكرم التكريم اللائق وحصلت بعد كل ذلك على مكافأة 002 ألف جنيه فقط.
 
وأكد عبدالفتاح أن ثورة المعاقين قادمة لأنهم يشعرون أن حقوقهم لن تُنال بالمطالب والوعود، وأنهم شركاء فى الوطن، لهم حقوق وعليهم واجبات مثل أى شخص طبيعى، وكانت البداية مشاركة العديد منهم فى المظاهرات الأخيرة فى كل محافظات مصر!
 

 
حمادة كمال موظف بشركة للطاقة قال: إنه تم تعيينه ضمن نسبة 5٪ للمعاقين بالشركة ولكن كل ما يفعله أنه يذهب للشركة لتقاضى مرتبه، ولكنه يرفض ذلك ويرفض نظرة المجتمع تجاهه التى تراه كفيفا، وبالتالى فهو لا يستطيع العمل.. قائلاً: نحن لدينا عقول وطاقات تماثل عقول وطاقات غير المعاقين لأننا بالفعل أشخاص طبيعيون.. موضحا أن المشكلة فى مصر أننا تربينا على الحاجز النفسى فإذا كنت أنا مبصرا وغيرى كفيف يبقى أنا كمبصر أحسن ولا يعطى فرصة للكفيف ليكون مثله للنهوض وإثبات قدرته على العمل.
 
وقدم حمادة عدة اقتراحات لمساعدة المعاقين منها أن تكون أسانسيرات المترو مؤهلة للمكفوفين بطريقة برايل لمساعدتهم فى استخدامها، ومنها أيضا إصدار قانون بتغليظ العقوبة على الشركات التى لا تلتزم بتعيين نسبة 5٪ من المعاقين بشركاتهم، وتوفير الوظائف المناسبة لحالاتهم، فمثلاً إذا تم تعيين مهندس كمبيوتر كفيف يوفر له كمبيوتر ناطق ليستطيع التعامل معه، ومنها أنه إذا تم تعيين معاق فى شركة يخصم راتبه من الضرائب أو تعفى الشركة من نسبة معينة من الضرائب.
 
فى حين أكدت إيمان مراد محامية وناشطة حقوقية أن مشكلة المعاقين هى ثقافة المجتمع تجاه المعاق، فهو ينظر إليه أنه ناقص وغير مؤهل، وأنه مواطن من الدرجة الثانية لدرجة أننا ذهبنا ذات مرة إلى القرى لحصر المعاقين ومعرفة مشاكلهم ودخلنا البيوت التى بها أشخاص لديهم إعاقة، فكان الأهالى يخبئون أولادهم المعاقين عنا.. قائلة إنها منذ طفولتها وهى على كرسى متحرك ولكن أهلها علموها أن ما لديها ليس بإعاقة بل نعمة يجب استغلالها لتزيد عزيمتها على التحدى والنجاح، لذلك يجب توعية الأهل والمجتمع بأن المعاق لا يختلف عن الأشخاص الطبيعيين ولديه قدرات يستطيع بها خدمة المجتمع.
 
وأضافت إيمان: إن المشكلة أيضا فى نظرة الدولة للمعاق أنه لا يصلح أن يتساوى بغير المعاق فى الحياة والدراسة لدرجة أن الكليات كلها غير متاحة لنا حيث يقولون إن الكليات التى تستطيع التقدم لها هى كليات الآداب والحقوق والتجارة ودار علوم فقط، رغم أن التعليم بالعقل والفكر ولا علاقة له بإعاقة القدم أو البصر، ولدينا مثال الدكتور طه حسين الوزير الكفيف الذى نجح فى عمله وأيضا المخترع توماس إوديسون المعاق سمعيًا ولكنه استطاع اختراع المصباح الكهربائى وغيره من الاختراعات الكثيرة، وبعد كل ذلك نجد الدولة الحديثة الآن تفكر بطريقة أقل من القديمة.
 
إيمان قالت إن الأداة الرئيسية لتوعية المجتمع والدولة وتغيير ثقافته تجاه المعاق هى الإعلام، ولكن للأسف الإعلام يركز على الجوانب السلبية فقط فى الإعاقة ويعرض المعاق فى صورة سيئة مثلما قدم الكفيف فى فيلم «الكيت كات» وعرض المعاق ذهنيًا فى فيلم «توت توت»، ولم نر قط فيلماً يعرض المعاقين المتفوقين علميًا وثقافيًا أو يعرض حياة الأبطال المعاقين الرياضيين.