الإثنين 24 نوفمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

سميرة عبدالعزيز: عبدالوهاب قال لى: اتطلقى من محفوظ وأتجوزك!

(عاش هنا محفوظ عبد الرحمن) عبارة مكتوبة على لوحة معدنية على مدخل فيلا الكاتب والمؤلف الراحل، مثلها مثل مئات اللوحات التى وضعها جهاز التنسيق الحضارى بغرض توثيق مسيرة رواد مصر ورموزها، لكن فى حالة «محفوظ عبدالرحمن» الأمر أكثر من مجرد لوحة، فالعبارة ذاتها مكتوبة فى قلب زوجته الفنانة القديرة «سميرة عبدالعزيز» التى لا تمل أبدًا من الحديث عنه، وعن ذكرياتهما معًا.



لعل ملابس الحداد التى أبت أن تتخلى عنها منذ رحيله فى أغسطس 2017 وصورته المتدلية من قلادتها الذهبية التى تطوق عنقها دليل على أنه كان رجلًا استثنائيًا، عوضها قسوة ورعونة زوج سابق، لكن فى حياة «سميرة» رجالا آخرين، صادفتهم على مدار مشوارها الطويل ولها مع كل واحد منهم قصة، بعضهم كان دافعًا للأمام وسببًا رئيسيًا لما وصلت إليه مثل الرئيس «جمال عبدالناصر»، وبعضهم كان سببًا فى غيرة وخلافات نشبت بينها وبين زوجها مثل الفنان «محمد عبد الوهاب» الذى كان متيما بها حتى رحيله، وبعضهم انتشلها من حزن غرقت فيه بعد رحيل محفوظ عنها مثل الفنان «محمد صبحى»، عن هؤلاء، وعن غيرهم حكايات ترويها «سميرة عبدالعزيز» فى حوارنا معها...   > رغم أنك مارست التمثيل من سن صغيرة فى مدرستك بالإسكندرية إلا أنك صرحت أكثـر من مرة أن والدك كان يرفض امتهانك للفن، ما السر وراء رفضه، وكيف أقنعتيه فى النهاية؟ - كان مشجعًا وداعمًا لى، لكنه كان يرى أن الموضوع لابد ألا يخرج عن كونه هواية أمارسها من حين إلى الآخر، والحقيقة أننى رضخت لهذه النظرة، والتحقت بكلية التجارة بجامعة الإسكندرية، واشتركت فى فريق التمثيل بالكلية، أما سبب اقتناعه بجدوى ما أقوم به فكان الرئيس الراحل «جمال عبدالناصر»، حيث قدمت فى السنة الثالثة بالكلية دور أم فى مسرحية (المفتش العام) التى فازت فى أسبوع شباب الجامعات، فكرمنى «جمال عبدالناصر»، مما جعل والدى يقول لى (طالما أن الفن مقدر من عبد الناصر، فلا يوجد لدى مانع من دخولك مجال التمثيل بعد تخرجك من الجامعة). > هل لهذا السبب تضعين صورة الرئيس «عبد الناصر» فى منزلك جنبًا إلى جنب صور «محفوظ عبد الرحمن»؟ - الأمر ليس مجرد محبة مواطنة لرئيس عاصرت عهده، فـ«عبدالناصر» شخص مهم جدًا فى حياتى، أذكر عندما بلغت بموعد التكريم أننى لم أستطع النوم هذه الليلة، واشتريت ملابس جديدة، وسمحت لى والدتى بالذهاب إلى (الكوافير) لأول مرة فى حياتى، ومازلت أذكر كيف أطلت فى مصافحته، ولم أكن أرغب أن أترك يده، وكيف كان والدى يحمل الصورة التى التقطت لى أثناء التكريم لكى يتفاخر بها بين الناس. > تزوجت للمرة الأولى فى الجامعة، وأنجبت ابنتك الوحيدة ثم انفصلت سريعًا، هل ترين هذه الزيجة عطلت مسيرتك الفنية؟ - لا أستطيع أن أقول إنها عطلتنى فنيًا، وحتى بعد تخرجى وعملى كمعلمة مواد تجارية، كنت أعمل على مسارح الإسكندرية فى نفس الوقت، حيث كان يؤمن بموهبتى المخرج المسرحى السكندرى الأصل «حسن عبدالسلام»، وفى إحدى المرات، دعا الفنان «كرم مطاوع» لمشاهدة العرض، وكان هو من عرض على الانتقال إلى القاهرة، وقال لى (لدى مسرحية كتبها عبدالرحمن الشرقاوى لا أرى لها بطلة غيرك) فقلت له أننى معينة فى وزارة التربية والتعليم ولا أستطيع ترك وظيفتى، فقال لى (تعالى معى وسأنقل تعيينك إلى وزارة الثقافة) وقد كان. > محطات كثيرة مهنية وشخصية مررت بها قبل استقرارك فى محطة «محفوظ عبدالرحمن»، فما الذى غيره اقترانك به سواء على المستوى الشخصى، أو المهنى؟ - أشياء كثيرة، أهمها أنه علمنى أن أقدر نفسى، فقد كان حبى للفن يجعلنى أضحى، فلا أهتم بمكان اسمى على التتر، وأحيانا أعمل دون أن اتقاضى أجرًا، فقال لى بعد زواجنا (إذا لم تقدرى نفسك فلا تنتظرى تقديرًا من الآخرين) وقتها كنت بصدد عمل مسلسل إذاعى لرمضان اسمه (بنات زينب) وعندما بدأت التسجيل وجدتهم يذكرون اسم «جلال الشرقاوى» قبلى، رغم أننى البطلة، بينما دوره لا يتجاوز عشر حلقات، ورغم أن «جلال الشرقاوى» كان اسمًا كبيرًا وقتها إلا أننى تذكرت نصيحة زوجى وطلبت من المخرج أن يذكر اسمى فى مقدمة المسلسل قبله لأننى البطلة، فقال لى (الأستاذ يزعل) قلت له بجرأة غريبة علىّ (هذا شرطى لاستكمال العمل) وعندما أبلغ المخرج «جلال الشرقاوى» بطلبى قال له (هذا حقها) بعدها ذهبت مسرعة إليه خشية أن يغضب، وقلت له (بجرب نصيحة محفوظ فيك) فقال لى (اسمعى كلامه ده عارف مصلحتك) وكان هذا ما أؤمن به حقًا. > هل إيمانك المطلق بمعرفته لمصلحتك هو ما جعلك تقبلين الزواج منه دون مأذون؟ - زواجنا بهذه الطريقة كان له ظروف، فمعرفتى بمحفوظ بدأت قبل أن ألقاه وجها لوجه، لأنه كان يعمل فى بداياته فى الكويت، وكان يرسل السيناريوهات من هناك دون أن يأتى بنفسه، وبالتالى اشتركت فى أكثر من عمل من كتاباته، وفى إحدى المرات بينما كان يتواجد فى القاهرة قابلته، وطلبت منه أن يزيد من حجم دورى فى المسلسل الجديد فرفض، فزاد احترامه فى قلبى، ثم بدأت علاقتنا تتوطد حتى طلب منى الزواج، فقلت له (عندى تجربة زواج من قبل، ولدى بنت سأعيش من أجلها) فقال لى (وأنا مثلك وعندى ولد وبنت) فقلت له اتركنى أفكر، وبعد مرور عام، سافرنا إلى تونس لتصوير مسلسل من كتاباته اسمه (لحم يحترق) فسألنى عما إذا كنت عرضت الأمر على أهلى، فقلت له أننى فعلت، وأنهم وافقوا، فقال لى (إذن نتزوج الآن) وبما أن الزواج فى تونس مدنى، فقد تزوجنا على الطريقة الإسلامية بحضور شيخ، ووثقنا العقد بعد عودتنا إلى القاهرة، وقد تم ذلك فى منزل «سعد الدين وهبة»، صديقه ومعلمه. > كيف تعاملت مع أبنائه؟ - عندما تزوجنا كانت ابنتى عمرها 9 سنوات، وابنته 7 سنوات، أما ابنه «باسم» فكان عمره 17 عامًا، وفى بداية الجواز ترك منزله فى المعادى وعشنا جميعًا فى شقتى بالمهندسين، لكن والدتى اعترضت، وقالت (إزاى تحطى البنزين جنب النار وتنيمى شاب مع بنتك فى نفس البيت) وقد كانت هذه أولى المشكلات التى واجهتنا، فطلبت من «محفوظ» أن يعيش باسم مع والدته فرفض حتى لا يفرق بينه وبين أخته، وبالصدفة كان هناك غرفة بحمام فوق سطح العمارة، فاشتريناها، وأصبح باسم يقضى النهار معنا، ثم يصعد لينام بها، بينما كانت الفتاتان تعيشان فى غرفة واحدة، ومن يومها أعاملهم جميعًا نفس المعاملة، وأشترى لـ«منار» مثل ما أشترى لـ«مها»، وحتى عندما قرر «باسم» دخول معهد السينما عكفت على تدريبه على الإلقاء والتمثيل، وذهبت معه إلى المعهد يوم الامتحان مثل أى أم. > كيف كانت معاملة محفوظ لابنتك؟ - لا أبالغ حينما أقول إنه كان يعاملها أفضل من والدها، وعندما نجحت فى الثانوية العامة أحضر لها هدية كبيرة جدًا، حتى أثناء زواجها، هو من رتب كل شىء، بينما لم يفكر والدها فى الاهتمام بها طوال عمره، أما أولادها فقد تربوا فى حضنه، ولدى حفيد كان صديقه جدًا، فهو من علمه القراءة عن طريق التحفيز، فكان يعطيه عن كل كتاب يقرأه 100 جنيه، وعندما توفى، وفى أثناء الدفن، قفز الصغير خلف جده صارخًا (مش هعرف أعيش من غيرك يا جدو). > هل كان محفوظ زوجًا غيورًا؟ - لم يكن يغار سوى من «محمد عبد الوهاب»، لأنه أفصح عن حبه لى، وهو ما كان يزعج «محفوظ» منه، وسبب الكثير من الخلافات بيننا. > كيف كان ذلك؟ - كان «محمد عبدالوهاب» عاشقا لصوتى فى البرنامج الإذاعى الشهير (وقال الفيلسوف) وبحث عن رقم هاتفى طويلا حتى أعطاه إياه الإذاعى «أمين بسيونى»، وأخذ يكلمنى كل ليلة باسم مستعار على أنه معجب، ويناقشنى فى الحلقات، ورغم شكى فى صوته إلا أننى لم أفصح عن ذلك، وفى مرة قصصت حكاية المعجب لـ«وجدى الحكيم» فقال لى إنه «محمد عبدالوهاب» لأنه سأله عن رقم هاتفى من قبل لكنه رفـض أن يعـطـيه إياه لعـلمه أنـه سيسىء استخدامه، وعندما اتصل يومها «عبدالوهاب» قلت له (عرفتك من صوتك) قال لى (كذابة لأنى بقالى شهرين بكلمك.. أكيد حد قال لك) ثم قال لى (أنت وليمة) وهو تعبير غريب لم أسمعه من رجل من قبل، كما كان يقول لوالدتى عندما ترد على الهاتف (تسلم البطن اللى شالتها) وكل هذه التصرفات أزعجت «محفوظ» جدًا حتى ضاق بها ذرعًا وسبه وقال له (إيدك ما تطلبش الرقم ده تانى). > هل توقف بعدها «عبد الوهاب» عن ملاحقتك؟ - اتصل بعدها وقال لى (اتطلقى منه وأتجوزك) قلت له إنى أحبه فقال (إشبعى بيه) وانقطع لفترة، ثم تدخل لعودة (قال الفيلسوف) مرة آخرى للإذاعة المصرية، بعد أن كان يذاع فى أبوظبى، وعندما دعوته على خطوبة ابنتى لم يحضر لكنه أرسل بوكيه ورد كبيرًا. > اشتركت فى بطولة عدد كبير من الأعمال التى كتبها «محفوظ»، هل تذكرين دورًا لا يعرفه أحد لرجال كانوا سببًا فى ظهور هذه الأعمال إلى النور؟ - بالتأكيد، فعلى سبيل المثال مسلسل (أم كلثوم) لم يكن ليرى النور لولا وقفة «ممدوح الليثى»، حيث وجه لـ«محفوظ» 17 إنذارًا قضائيًا، لكن «ممدوح» طلب منه أن يركز فى الكتابة ويترك الأمور القانونية للمستشار القانونى فى التليفزيون، وبعد عرض الحلقات الأولى تغيرت وجهة نظر أسرة «أم كلثوم»، ودعونا على حفل كبير أهدونى فيه منديل أم كلثوم الذى كانت تمسكه أثناء أداء أغنية (أنت عمرى).. أتذكر أيضًا إصرار «أحمد زكى» على تحويل (ناصر 56) إلى فيلم، حيث كان ينوى «محفوظ» تقديمه كسهرة تليفزيونية، وعندما قال له «محفوظ» إن بنيانه الجسدى لا يصلح كان يأتى إلى منزلنا يوميًا لإقناعه، وفى السابعة من صباح أحد الأيام، ارتدى أحمد زكى بدلة منجدة ووضع ماكياج شخصية «عبد الناصر» وحضر إلى منزلنا، وعندما فتحت الباب مفزوعة قال لى بنبرة صوت عبد الناصر (الأستاذ فين). > على ذكر «أحمد زكى»، تردد أن «محفوظ عبدالرحمن» هو من كتب فيلم (أيام السادات) رغم وضع اسم الكاتب الكبير «أحمد بهجت» عليه؟ - محفوظ لم يكن يحب الرئيس «السادات»، وقد ألحت عليه «جيهان السادات» فى كتابة فيلم عنه لكنه رفض، وعندما كتب «أحمد بهجت» السيناريو لم يقتنع به «أحمد زكى»، فجاء إلى «محفوظ»، الذى صلح له وأضاف كثيرًا من المشاهد، وفى إحدى المرات صرح «محمد خان» مخرج الفيلم أن «محفوظ» قام بتعديل السيناريو، وعندما سأله الصحفيون رفض ذكر الحقيقة وقال (أحمد بهجت أكبر من أن يعدل عليه أحد). > وقت رحيل رفيق عمرك كان صعبًا بالتأكيد، فهل هناك رجال وقفوا معك لتجاوز هذه المحنة؟ - كثيرون، وليس فقط رجال، فهناك سيدات بـ100 راجل، منهن على سبيل المثال صديقة عمرى «سميحة أيوب»، و«فاتن حمامة» التى أطلقت علىّ لقب (البلسم) فى كواليس مسلسل (ضمير أبلة حكمت) وأذكر أنها جاءت إلى فرنسا خصيصًا لزيارة «محفوظ» فى المستشفى، وفتحت حقيبتها وأخرجت منها أموالًا كثيرة وقالت لى (خدى ادفعى مصاريف المستشفى) فشكرتها وأكدت لها أن كل شىء على مايرام، أما بعد الوفاة فلم يخرجنى من حالة الاكتئاب التى أصابتنى بعد رحيل «محفوظ» سوى «محمد صبحى»، الذى دعانى لإحدى مسرحياته، وقال لى (الرواية اللى جاية فيها دور لك) فوافقت على الفور، وكانت رواية (اتخنقنا) التى فتحت نفسى على الدنيا، وحاليًا أستعد لمشاركته بطولة مسرحية جديدة اسمها (عائلة اتعمل لها بلوك). >