سر فرحة «رجال مبارك» بمعركة «عبدالمجيد محمود»!
احمد باشا
فى 13 أغسطس 2012 خرج «د. ياسر على» - المتحدث باسم الرئاسة - يرد على مطالب إقالة النائب العام فى مؤتمر صحفى بأن القرار خارج عن صلاحيات الرئيس!
فى 11 أكتوبر 2012 خرج «أحمد عبدالعاطى» مدير مكتب الرئيس - ليقول إن تكليفه بالعمل سفيرا لمصر فى الفاتيكان من صلاحيات رئيس الجمهورية التى استخدمها!
الفارق بين اليومين يكشف حجم الترهل والتراجع فى أداء مستشارى الرئيس ومعاونيه، وأن أبسط القرارات لا يدرس بدرجة كافية.. فما بالنا بمشروعات ننتظرها ونهضة لا يمكن تحققها فى ظل هذا الارتباك!
يقينا إن قرار الرئيس «مرسى» بإبعاد المستشار «عبدالمجيد محمود» من منصبه كان الهدف منه نزع فتيل مليونية «جمعة الحساب» والتشويش على عدم النجاح فى تحقيق أهداف الـ 001 يوم بدرجة مرضية.
لم يكن هناك أنسب من حكم البراءة الصادر فى حق المتهمين فى موقعة الجمل، والحشد الإخوانى الملفق والمصطنع المناهض للحكم، واستغلال صدمة القوى الثورية من توالى البراءات للتخلص من الرجل.. سبق أن فعلها «مرسى» وقت حادث رفح مع المشير والفريق، وكررها بالنص مع النائب العام دون تجديد يذكر فى الخطة، ولم تتحسب مؤسسة الرئاسة أو جماعة الإخوان أن ترتد الكرة فى وجوههم هذه المرة أعنف وأشد.. عندما تضامن القضاة مع النائب العام وطالبوه برفض التخلى عن منصبه، وهو ما قام به فعلا.. ليحرج مؤسسة الرئاسة، ويشعل صراعا بين سلطات الدولة، وتشب نار فى الميادين!
معاونو الرئيس تصوروا سهولة أن يمر القرار غير القانونى أصلا وسط سحابات الدخان الانفعالية، ومنها أيضا أن يخطب ود الثوار وأهالى الشهداء الآملين فى القصاص.. وتحويل الانتباه عن التراجع والتدهور فى أداء مؤسسات الدولة وتقديم «عبدالمجيد محمود» قربانا وكبش فداء للجماهير المتعطشة للعدالة!
قانونا يعين النائب العام ولا يقال.. وإذا وقعت منه مخالفات فى عمله تستوجب مساءلته وإقالته يشترط اجتماع مجلس القضاء الأعلى بكامل أعضائه، وفى حالة ثبوت إدانته أو مخالفته يتولى المجلس الأعلى للقضاء تعيين قائم بأعماله إلى أن يصدر رئيس الجمهورية قرارا بتعيين آخر.. وهو ما لم يتم اتباعه قانونيا أو دستوريا مع المستشار «عبدالمجيد محمود»، وكان قرار تعيينه سفيرا للبلاد فى الفاتيكان نوعا من الحلول.. حتى يظهر الأمر كأنه ترقية، لكن حتى يتم ذلك كان لابد أن يتقدم بمحض إرادته وبموافقته باستقالته من منصبه الحالى قبل تكليفه الدبلوماسى وهو ما لم يحدث أيضا!
المخرج الذى لجأت إليه مؤسسة الرئاسة فى قرارها هو أن العمل بالدستور القديم معطل، وكذا الإعلان الدستورى المكمل، وفاتهم جميعا أن قانون السلطة القضائية قائم بذاته، وأحكامه وقراراته قائمة بذاتها سواء فى وجود دستور للبلاد من عدمه.. وهنا يجب التوقف كثيرا أمام شرعية ودستورية القرارات الصادرة عن الرئيس، وما هى الصلاحيات المخولة له والمتجاوزة والعابرة للدساتير والقوانين والأعراف!
حتى لو كان قرار إقالة النائب العام مطلبا شعبيا خرجت من أجله المليونيات المتوالية منذ قيام الثورة، فلا يليق بمؤسسة الرئاسة أن تتجاوز وتجور فى صلاحياتها على السلطة القضائية، حتى المجلس العسكرى عندما كان حاكما لم يكن أمامه سوى الالتزام التام بعدم المساس بالنيابة العامة ومسار القضايا.. لكن ظل الأمر متراوحا ذهابا ومجيئا بين الإخوان تحديدا ومن فى السلطة وأقرب إلى حوار الطرشان، ومورست الضغوطات من رجالات الجماعة وتحديدا «البلتاجى» و«العريان» ويسير فى ركابهما «عصام سلطان» صراحة فى مطالبهم بإقالة الرجل الذى حقق لهم - ياللغرابة - أكثر مما تمنوا، سواء فى تقديم أى من يشار إلى اسمه أو يقدم فى حقه بلاغ.. فكانت قراراته الناجزة بحبسه على ذمة القضية حتى يتم التحقيق فيها وإحالة كل القضايا إلى الجنايات سواء استوفت شروطها وتحقيقاتها أم لم تستوف تحت ضغوط الشارع الثورى الذى تحركه الجماعة!
∎∎
الدهشة تتصاعد فى ردود فعل الفلول ورموز النظام السابق التى جاءت مرحبة وأكثر سعادة وغبطة من الثوار لقرار «مرسى» بإبعاد «عبدالمجيد» الذى اعتبروه - حسب وجهة نظرهم - السبب فى حبسهم على ذمة قضايا ربما لم يرتكبوها، وأصبح فى عهده مجرد البلاغات سببا فى إيداعهم السجون!
القرار تأخر فى نظر الجماعة، بل مارسوا على «عبدالمجيد محمود» ضغوطا نفسية منها اللعب بورقة حالته الصحية وتركيب دعامة فى قلبه وسفره لألمانيا للعلاج، وتناثرت تقارير وأقاويل إخبارية عن تقديم الرجل لاستقالته وأخرى عن نيته عدم الرجوع للبلاد.
«موقعة الجمل» كانت الجسر الذى عبرت عليه رغبات الإخوان لإقالة النائب العام، ومن صداها الإعلامى كانوا أن وجهوا مدفعيتهم الثقيلة بعد الحكم تجاه القضاء والنيابة مطالبين بتطهيرهما.. وهم من كانوا هتفوا بحياة القضاء النزيه حين أصدر ذات القاضى المستشار «مصطفى عبدالله» وذات الدائرة حكمها - منذ عدة أشهر - بالحبس 10 سنوات على «أحمد عز» ومعه «رشيد محمد رشيد» و«عمرو عسل» فى قضية رخص الحديد!
لكنهم أقاموا الجنازات وكالوا الاتهامات، ووصفوا الحكم بالفساد بعد أن صدر حكم البراءة لكل المتهمين من رموز النظام السابق فى موقعة الجمل، وكان الأغرب فى حيثياتها أنها لم تشر إلى الأدلة، لكن إلى عدم اطمئنانها لشهادة الشهود الذين قدمهم المدعون بالحق المدنى، واستقر فى قرار المحكمة أنها تعود لخصومات وخلافات سابقة وغالبيتهم لهم صحيفة سوابق وكان تقديرها النهائى أنها لا توحى بالثقة.
وأن أقوال الشهود سلطة تقديرية لقاضى الموضوع، مادام قد بين فى أسباب حكمه عدم قناعته وهو ما يترتب عليه أنه لا رقابة لمحكمة النقض على هذه السلطة التقديرية المخولة لقاضى الموضوع، وإنما تنظر فقط إذا وقع خطأ قانونى من عدمه ولا تلتفت للموضوع!
قبل كل ذلك، أغفل البعض الحقيقة وحاول الإخوان تعليق حكم البراءة فى رقبة النائب العام «عبدالمجيد محمود» لعدم كفاية الأدلة، وهو ما تنفيه الحيثيات المبدئية للحكم.. إضافة إلى أن هذه القضية تحديدا لم تحققها النيابة العامة، بل قام وزير العدل الأسبق فى حكومة شرف «عبدالعزيز الجندى» بانتداب قاضى تحقيقات وشكلت لجنة برئاسة المستشار «محمود السبروت».. وهى التى حققت فيها وجمعت الأدلة ووجهت الاتهامات وأحالت القضية إلى الجنايات بعيدا عن النيابة العامة أو مكتب النائب العام!
تجميع المشاهد السابقة يرسم بوضوح ملامح سيناريو الإخوان للإطاحة بالرجل، وكان مشهد النهاية شاهدا على صحة الترتيب عندما نشر خبر أن قرينة الرئيس استقبلت القرار بالتهليل والتكبير: الله أكبر لنخرج من غزوة الصناديق لندخل فى معركة النائب العام!
∎∎
«عبدالمجيد محمود» بدأ عمله فى النيابة وقت الرئيس السادات وبدعم منه شخصيا، وقضى عمره القانونى فى نيابات أمن الدولة العليا حتى تم تعيينه فى منصب النائب العام وربما تاريخه فى النيابة جعله محققا فى كثير من القضايا التى كان الإخوان طرفا متهما فيها!
الإشارات الواردة من مؤسسة الرئاسة أن هناك نية مبيتة للمفاضلة بين 2 من نواب رئيس محكمة النقض لتعيين أحدهما فى منصب النائب العام، وكلاهما ينتميان لجماعة الإخوان وهما المستشار «ناجى دربالة» والمستشار «عاصم عبدالجبار»، والأخير هو شقيق زوجة وزير العدل «أحمد مكى»!
يبقى القضاء هو العمود الوحيد الباقى فى مؤسسات الدولة الذى يمنع سقوط السماوات السبع على البلاد.. وإذا استقام حاله كانت بخير كما قالها ديجول عن فرنسا فى أثناء الحرب العالمية الثانية.
استقيموا يرحمكم الله!